قرية عين كارم الفلسطينية التي تقع غرب مدينة القدس المحتلة حالها حال العديد من القرى التي هجرها أهلها قسراً نتيجة الجرائم الصهيونية إبان النكبة عام 1948، وسلب الصهاينة المحتلون أراضيهم باستخدام قانون "أملاك الغائبين"، الذي حرم أهلها من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم والتعويض عما لحقهم من أضرار، رغم امتلاكهم ما يثبت حقهم.
وتتعرض الأراضي المحتلة في فلسطين، وخاصةً مدينة القدس، لمسلسلٍ مستمر من الاعتداءات الصهيونية التي تهدف إلى فرض واقع ديموغرافي استيطاني يهودي، يُفعّل سياسة تهجير وترحيل أهالي فلسطين والقدس.
ويستند الاحتلال في نزع الملكيات العربية إلى ثلاثة قوانين عنصرية خطيرة كما يصفها تقرير منظمة العفو الدولية الصادر أخيرا عام 2022، وهي: قانون الأراضي البريطاني (الاستحواذ للأغراض العامة) 1943م، وقانون أملاك الغائبين 1950م، وقانون حيازة الأرض 1953م.
صلاحيات غير محدودة للحارس للتصرّف بأملاك الفلسطينيين
وفي حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، قال المحامي مصطفى نصر الله، المتخصص بالقانون الدولي: إن قانون أملاك الغائبين الصادر عام 1950 عن الكنيست الإسرائيلي، هو قانون احتلالي إحلالي يعكس العقلية الصهيونية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بطريقة يدعي الاحتلال أنها قانونية بحق الفلسطينيين الذين غادروا أراضيهم نتيجة ممارسات الاحتلال، وهجمات العصابات صهيونية عام 1948.
وحتى يظهر الكيان الصهيوني العدالة المزيفة في تطبيق القانون يعين القضاء الصهيوني موظفا تابعا للمالية يسمى "القيّم أو الحارس" يتمتع بصلاحيات واسعة للتصرف بهذه الأملاك من بيع أو تبرع باسم القانون.
وبيّن نصر الله أن الفلسطينيين بمقدورهم إثبات حقوقهم من خلال سندات الأراضي المحفوظة في السجل العثماني، أو سجل دائرة الأراضي الأردنية التي استطاعت الحصول عليها قبل الاحتلال، وهي موجودة في السجل العثماني تحت مسمى أراضي الغائبين.
وبموجب هذا القانون يمكنهم رفع قضايا في المحاكم الصهيونية لإثبات حقهم، إلا أن معظم الأهالي يتخوفون من اللجوء للقضاء الصهيوني المنحاز بطبيعة الحال لمشروع الاحتلال أكثر من انحيازه للحقيقة.
القانون يشرعن ممارسات الاحتلال
وجاء قانون أملاك الغائبين بعد صدور قرار 194 الخاص بحق العودة والتعويض وبعد قرار التقسيم لشرعنة ممارسات الاحتلال؛ ليظهر أمام العالم أنه يحصل على الأملاك بالقانون والقضاء بعيدا عن البطش والقوة، وبهذا يحرم الاحتلال الفلسطينيين من حقوقهم في العودة والتعويض، كما أوضح نصر الله.
ويلاحظ في المدة الأخيرة، التركيز الإعلامي على القانون بشكل يهدف إلى إظهار الكيان الصهيوني مدافعاً عن حقه، ويشرعن إجراءاته نتيجة ملاحقته جنائيًّا من المحاكم الدولية بعد رفع قضايا ضده من نشطاء فلسطينيين وقانونيين في أوروبا.
خطر يلاحق حي الشيخ جراح جراء القانون الجائر
ويستخدم الاحتلال القانون الجائر في إثبات سيطرته على حي الشيخ جراح؛ لأنه يرى أن الحي مقام على جزء من أملاك الغائبين، ويحاول إثبات ذلك عن طريق القضاء الصهيوني.
ويبين نصر الله أن هذه المباني أُقيمت وفق سندات تظهر ملكيتها لأهالي الحي، وهي موجودة لدى السلطات الأردنية التي كانت مشرفة على القدس وقت الاحتلال الصهيوني لها، وموضوع الحي غير واضح لغاية هذه اللحظة.
ودعا نصر الله السلطات الأردنية إلى تمكين أصحاب السندات من الحصول على أملاكهم، واستخدام وثائق الملكية للمدافعة عن حقوقهم والمطالبة بأملاكهم؛ لأن القضية ليست قانونية أو قضائية فحسب، بل سياسية، والمطلوب من الأردن تفعيلها.
القانون باطل ويخالف اتفاقيات جنيف الأربعة
وفي السياق ذاته بينت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان إيناس زايد، في تصريح خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، أن قانون أملاك الغائبين يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتحديداً المادة 17 من الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تمنع الاستيلاء أو إبعاد أي شخص عن منزله، أو التعدي غير القانوني على ممتلكات أي شخص، كما يعدّ القانون انتهاكاً للحق في حماية الأسرة.
وعقّبت زايد: "ويجرد قانون أملاك الغائبين الفلسطينيين من ممتلكاتهم فقط لعدم وجودهم فيها لمدة زمنية معينة، وهو إجراء من سلسلة إجراءات تهدف أساسًا إلى إبعاد أو تهجير قسري للسكان، أو عملية تطهير جماعي لهذه الفئة من المنطقة، ونقلهم قسراً إلى مناطق أخرى".
وأضافت أن الاحتلال يخالف اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها مخالفة تعد جريمة حرب ضد الإنسانية، خاصة أنها تأتي في إطار ممنهج وواسع النطاق، وليست في حالات فردية، ومن منظور متعارف عليه في اتفاقيات جنيف الأربع، فإن المحتل لا يجوز له أن يفرض أي قوانين من شأنها أن تهجر أو تنقل السكان الأصليين إلى دولة الاحتلال أو مكان آخر، ولا يوجد صلاحية للمحاكم التابعة للمحتل للسيطرة على الممتلكات عند صدور قرار مصادرة (سلب) أملاك الغائبين وفق قراراتها الباطلة.
القانون أداة استعمارية
ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي؛ فإنه "يجب عدم التعامل مع هذا القانون كنص حقوقي، والتعامل معه على أنه جزء من الأدوات الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية في أرض فلسطين، شأنه شأن أدوات الاستعمار الأخرى سواء القوة العسكرية أو القوانين والتشريعات والخطط التنموية والإدارية التي تهدف إلى سرقة الحقوق كما يجرى في مدينة القدس".
وقانون أملاك الغائبين ليس الوحيد الذي سنّهُ الكنيسيت الإسرائيلي للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وسلب الحقوق الفلسطينية، ولا يعد هذا القانون لشرعنة الاحتلال بل يجب النظر إليه بطريقة أشمل، وإعادة الحديث عن القوانين الإسرائيلية التي تعد أداة من أدوات الاستعمار.
وبهذا نخرج من مسألة الشرعنة إلى مسألة التقنين؛ بمعنى أن الاحتلال يجري عملية تقنين لسلب المزيد من الأراضي، مبينا أن الاحتلال يضع قوانين تجبر الفلسطينيين على التعامل معها.
وأخيرا، ارتفعت الكثير من الدعوات على المستوى الفلسطيني للتحذير من التعامل مع الاحتلال وفق قوانينه؛ لأنها عملية تكريس لهذه القوانين، وهو مأزق للفلسطينيين داخل فلسطين كما يراه الشوبكي؛ أي أن التعامل مع القانون ليس اختياراً بل قسراً، خصوصا في قضايا مصيرية مثل قانون أملاك الغائبين.
الاعتراف بيهودية الدولة شرط لاستمرار المفاوضات
وأكد الشوبكي أن على الفلسطينيين استخدام مصطلحات أدق لوصف القانون؛ لكونه عملية تجميل للاستعمار، وقناعا يلبسه الاحتلال لتقديم خطواته الاستعمارية الاستيطانية على أنها خطوات دولة عادية، وهذا الأمر يمكن إدراكه أكثر وضوحًا عندما نتحدث عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية في مدينة القدس والتي طرحتها حكومات الاحتلال المتعاقبة على شكل خطط تنموية تهدف إلى "التنمية" في عدة مسارات، وفي جوهرها عملية تهويد لأرض فلسطين والاستيلاء عليها، وطرد الفلسطينيين، وتعزيز الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.
وبيّن الشوبكي أن المحاولات مستمرة من الكنيسيت الإسرائيلي لسنّ بعض القوانين التي تجاوزت مسألة الاستيلاء على الأراضي إلى التهويد منذ عام 2007 حين أصبح الاعتراف بيهودية الدولة شرطًا من شروط تجديد المفاوضات مع الفلسطينيين.
موقف الأردن الثابت ضد الاحتلال
وأكد الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس، عبد الله توفيق كنعان، تواصل مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية لمدينة القدس ومقدساتها وأوقافها الإسلامية والمسيحية، وجميع أحياء مدينة القدس وبلداتها، بما فيها حي الشيخ جراح الذي يتعرض للتطهير العرقي والتهجير اليومي، والذي أصبح يحمل رمزية الصمود والنضال المقدسي، والفلسطيني صاحب الحق في وجه حكومة الاحتلال ومستوطنيه، بقاء الأردن شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية الهاشمية التاريخية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ممثلة بصاحب الوصاية الهاشمية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
وبيّن كنعان أن الملك عبد الله الثاني يقدم المساندة لدعم صمود أهلنا في فلسطين والقدس تأسيسا على قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، بما في ذلك حق إقامة الدولة الفلسطينية.
وأضاف كنعان أن الموقف الأردني الراسخ جاء طبيعيًّا ومنطقيًّا؛ لكون القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس الملف الرئيس لجلالة الملك الذي يحمله في كل المحافل الدولية؛ حيث يبيّن للرأي العام وقادة العالم الحر، خطورة الاحتلال الإسرائيلي، وأثره السلبي على السلام والأمن والشرعية العالمية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام