سعسع
تقع في الجهة الشمالية الغربية من صفد وتبعد عنها 15 كيلومتراً، في منتصف الطريق بين كفر برعم وطيطبا، قامت فوق مرتفع من الأرض يعلو 880 متراً عن سطح البحر وقد وفر لها موقعها الحماية وسهل عملية الدفاع عنها.
تحيط بها من الشمال أراضي كفر برعم والحدود اللبنانية ومن الشرق أراضي الرأس الأحمر (كيرم بن زمرا) والجش والصفصاف ومن الجنوب غباطية ومن الغرب حرفيش وسيلان.
كان عرب الهيب الرساتمة يقيمون في الأراضي الغربية الواقعة بين كفر برعم وسعسع وهم من الجبور القحطانية ولهم أقارب في الجولان وشمال سوريا والعراق وجميعهم يعودون بأصلهم إلى الهيب العراقية.
كانت منازلهم قرب ما يسمى اليوم (دولينا سعسع) أو (قبر الشيخ الهيب) الذي يبعد حوالي 1كم إلى الغرب من مفرق سعسع (حيرام) الذي يعد من أهم المفارق في الجليل الأعلى، ونظراً لأهميته فقد أقامت حكومة الانتداب البريطاني إلى الشمال منه عدداً من الأبراج للمراقبة وأسلاكاً شائكة لرصد تحركات الثوار سنة 1936.
يقع إلى الغرب منها جبل العدائر (جبل ادير) كما يقع إلى الجنوب من قرية (رميش) اللبنانية ويرتفع (106) أمتار عن سطح البحر وإلى جواره خربة تحمل اسمه (خربة العدائر) أو ما تعرف بخربة المنارة.
مياهها كثيرة وتهطل فيها أمطار كافية، كما تشغل الغابات الحرجية مساحات كبيرة من أراضي سعسع الجبلية، وقد زرع السكان كروم الزيتون والتفاح والإجاص والعنب، وقد اشتهرت القرية بفاكهتها اللذيذة وتربيتها للنحل.
الأودية والعيون:
من أشهر أودية القرية:
1 ـ وادي ناصر: في الجهة الشرقية من القرية ويشكل حداً فاصلاً بين الجش وسعسع.
2 ـ وادي سحيل: في الجهة الجنوبية من القرية ويتصل مع وادي "المرنة" ووادي الحبيس قرب حرفيش.
3 ـ وادي الشريف: في شمال القرية وهو روافد وادي كركره.
أما عيون القرية فكانت:
1 ـ عين البرية: تقع في الجهة الشمالية من القرية وتبعد 1.5 كم عنها,.
2 ـ عين الحميمة: جنوب شرق القرية تنبع من داخل مغارة صخرية.
3 ـ العين الصغيرة: شمال القرية داخل حفرة صخرية.
4 ـ عين الرخم: شرق القرية.
5 ـ عيون غباطية: غرب القرية.
سعسع قرية كنعانية قديمة ولعل اسمها تحريف للكلمة السريانية "ساسا" ومعناها العث أو الأرضه. ولقد تم العثور فيها على بعض الجرار من الفترة البرونزية المتوسطة، كما استمر الاستيطان فيها في العهد الروماني والبيزنطي، وتحتوي البلدة على العديد من المغاور التي كانت تستعمل كمدافن، ويوجد في القرية مقام لأحد الصديقين يسمى (سعيد الصديق).
كما ذكرت في القرن الثامن عشر أنها كانت مركزاً من مراكز حكم ظاهر العمر، وقد مر بها في القرن التاسع "إدوارد روبنصن" وقال عنها:
"قرية إسلامية تبعد نحو ساعة من سفح تل الحبش وفي الشمال الغربي منها على الصعيد الذي يفصل مياه الحولة عن البحر المتوسط يقع جبل العدائر، وهو قمة مخروطية الشكل منعزلة عن البحر، جنوبي (رميش)".
عرفت القرية سنة 1936 بأنها كانت قاعدة للثورة ضد بريطانيا، كما كانت بوابة لدخول الثوار من سوريا ولبنان إلى فلسطين، وفي 27 نيسان سنة 1938 اشتبك المجاهد (عبد الأصبح) مع الجيش البريطاني في معركة قرب خربة (رخصون) بين (سحماتا) و(سيلان) فسقط شهيداً ودفن في قرية سعسع.
وفي 14 شباط سنة 1948 قامت قوة عسكرية من (البلماخ) يقودها د. موشي كليمان (زئيبي) الخاضع لأمره يغال ألون كان مركزها "عين الزيتون" ودخلت القرية ونسفت أكثر من عشرين منزلاً فوق سكانها وأصابت وقتلت أكثر من (60) نسمة.
في 10 أيار سنة 148 سقطت مدينة صفد وقد أمر بالانسحاب منها اللواء الركن إسماعيل صفوت رئيس اللجنة العسكرية والمسؤول عن جيش الإنقاذ وقد وجه أمره بالتقدم أديب الشيشكلي قائد المنطقة الشمالية بحضور رئيس بلدية صفد (زكي قدورة)، وهذا بدوره ألقى الأمر إلى (ساري الفنيش) المسؤول عن الحامية، بعد أن انسحبت القطاعات الأردنية من صفد، عندما انتشر خبر مفاده أن الحاج أمين الحسيني جاء من مصر ونزل المالكية وتبنين ويقصد دخول فلسطين من تلك الناحية ليشكل فيها حكومة عربية فلسطينية.
وإسماعيل صفوت هذا هو ضابط عراقي وقد قال بصراحة "بلادكم ستضيع بين المفتي وعبد اله"، وبعد تسليم صفد استقال وعاد إلى العراق.
وقد قال "زكي قدوره" رئيس بلدية صفد أنه التقى في اليوم العاشر من شهر أيار (بعد سقوط صفد) برجال الحاج أمين الحسيني الذين جاؤوا بثلاث سيارات على رأسهم توفيق إبراهيم (أبو إبراهيم الصغير) قائد المنطقة الشمالية وصالح الشيخ وأحمد توبة وصالح العفيفي من صفورية.
وقد التقى بهم رئيس بلدية صفد عند المفرق الكائن بين سعسع وكفر برعم ولما سألهم عن سبب وجودهم هناك قالوا له أنهم بانتظار المفتي الذي ينوي دخول فلسطين إلى الناصرة، ولما رأوا ما حل بصفد عادوا إلى بنت جبيل ومنها إلى تبنين حيث التقوا بالحاج أمين وحدثوه بما رأوا.
وجاء في كتاب "سر النكبة" الأستاذ محمد نمر الهواري ص 171.
ساري الفنيش حامي صفد من شرق الأردن تابع للجيش العربي أسألوه بربكم لماذا ترك صفد عند اشتداد القتال وسلمها لليهود وانسحب؟ هل كان ذلك لأنه علم بأن المفتي تلك الليلة عزم على دخول فلسطين وخرجت جموع المجاهدين لملاقاته وزينت البلاد وعيدت الناصر، ولما عرف أن المفتي رجع قال لهم "إن العيد بمناسبة احتلال صفد من قبل العرب وكذبت الأيام الرواية، وحققت سقوط صفد في تلك الليلة".
تمركزت قوات جيش الإنقاذ في الجليل بعد سقوط صفد، في ترشيحا وسحاتا وسعسع والبقيعة والمنارة، ووضع الجيش الإسرائيلي خطة لتطويق جيش الإنقاذ ضمن مثلث يقع بين سعسع شمالاً وصفد شرقاً ونهاريا غرباً. وكانت القوة الإسرائيلية تتألف من 3 ألوية بقيادة (موشي كرميل).
بدأ الهجوم بعد أن قطعت كل خطوط المواصلات وطرق الانسحاب الممكنة وقصف بالطيارات والمدفعية مراكز جيش الإنقاذ الإدارية ومواقعه وطرق الانسحاب الممكنة وقصف بالطيارات والمدفعية مراكز جيش الإنقاذ الإدارية ومواقعه وطرق انسحابه وذلك في ليل 28 – 29 تشرين الأول سنة 1948 وتقدم اللواء شيفع من صفد إلى بيروت ثم إلى الصفصاف فاحتلها ثم احتل جبل الجرمق وأصبح على مشارف سعسع. وفي ليل (29 – 30) تشرين الأول تقدم اللواء شيفع نحو سعسع واحتلها دون مقاومة.
وكان يرابط في "ترشيحا" آنذاك العقيد مهدي صالح وفي الجش كانت فئة يقودها الرئيس (غسان شديد ـ علوي)، وقد أرسل الجيش السوري فوجاً من رجاله يقر بـ (500) مقاتل يقودهم "علي الدين قواص" وقد أصبح من رجال الانقلاب السوري الذي تم على الزعيم "سامي الحناوي" فيما بعدز
إن الفوج السوري كان عليه أن يؤمن خطوط الانسحاب لجيش الإنقاذ بعد هزيمته ويحاف على الطريق التي تصل سعسع بالغراوية، وقد تقدم دون أن يتخذ الاحتياطات اللازمة واستمر في تقدمه إلى أن باغته الجيش الإسرائيلي إلى الجنوب من قرية الصفصاف فتقلوا عدداً كبيراً من رجاله كما أسر أكثر من 15 رجلاً واستولى على جميع سيارات الفوج ومدافعه وعتاده.
كان يملك سكان قرية سعسع 14796 دونماً، وحسب إحصاء شوماخر سنة 1886 كان في سعسع 348 مسلماً ذكراً بين (16 – 60) وسنة 1922 بلغ عدد السكان 646 نسمة وفي سنة 1945 بلغ عددهم 139نسمة.
ومن عائلات سعسع:
1 ـ آل وهبة: كان شيخهم زيدان عبد الكريم وهبة وبعد اغتياله في الثورة حل مكانه عوض عبد الغني وهبة وكان مختار القرية.
2 ـ الرفاعية (السيد): كان زعيمهم محاسن السيد.
3 ـ الخلايلة (آل حسين): أول من سكن سعسع وكان شيخهم محمود السعيد.
4 ـ عائلة اللوباني: وكان شيخهم سليم المصطفى.
وهنا عائلات أخرى مثل: أبو العردات، المندي، أبو الشباب، عبد الغني، الحاج، والبرغوتي.
أطق عليها "ركن الجبل" ونشطت فيها الثورة سنة 1936 وكان من فصيلها عوض عبد الغني وهبة، محمود الشاويش، علي أبو قهّار، فتح الله نايف، عوض حسين بدر، سعيد عبد الله وهبة، عبد الله نايف، محمود السعيد، محاسن السيد، رضا عبيد، أحمد الحاج ناصر
كما استشهد فيها:
1 ـ يوسف محمود وهبة (أبو توته).
2 ـ على الحسن (أبو قهار).
ويقول نافذ نزال في كتابه على لسان أحد سكان سعسع ما يلي:
"كانت سعسع مشهورة بزيتونها وعنبها وتينها، كان الفلاحون ينتجون آلاف الكيلو غرامات من التين كل سنة، ولكن لم يكن يوجد سوق، ولم يكن البريطانيون يشجعون بيع هذا النوع من الفواكه، أو تعليبه أو تصديره، كان من الصعب على الفلاح أن يسوّق محصوله بنفسه لأن الطريق بين القرى والمدن كانت في حالة سيئة، وبعد أن يكون الفلاح قد حصد قمحه، كان البريطانيون يجلبون القمح الرخيص من أستراليا عبر البحر ويبيعونه في حيفا بسعر نصف قرش للكيلو، وهم يعلون أن الفلاح لم يكن يستطيع بيع قمحه بهذا السعر".
كانت السياسة البريطانية تجاه الفلاحين تهدف إلى إبقائهم فقراء.
كما كان فيها سنة 1894 مدرسة تضم (30) طالباً ذكوراً، وفي ترشيحا مثل هذا العدد وفي صفد (70) تلميذاً وفي سنة 1948 كان فيها مدرستان ابتدائيتان واحدة للبنين والأخرى للبنات كما كانت القرية تحتوي على سوق صغيرة تضم بعض الحوانيت إلى جانب مسجد القرية.
تقول روز ماري صايغ في كتابها "الفلاحون الفلسطينيون" عن تهجير سعسع في ص 114 ما يلي:
فقد أخرني رجل من قرية سعسع القريبة من الصفصاف ما يلي:
"لم يغادر أهالي سعسع قريتهم نتيجة لمعركة خاضوها وخسروها. فقد اندلع القتال في الجوار، وكان ثمة غارات جوية وقصف مدفعي. ولكن السبب الذي دفعنا إلى مغادرة القرية كان الأخبار التي وصلتنا بشأن مجزرة الصفصاف التي قتل فيها خمسون شاباً. وقد وصلتنا أخبار عن مجازر أخرى ارتكبها الصهاينة في الجش ودير ياسين وعن اعتداءات على الأعراض. أكثر ما كان يهم أهالي قريتنا هو الحفاظ على أعراضهم، والخوف على العرض هو الذي دفع بالعديد من القرى الشمالية إلى النزوح حتى قبل أن تصلها الحرب".
كان الخوف من الموت هو السبب الحقيقي وراء هذا الهروب. ربما كان الأمر كذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار الأهمية الفائقة التي يعطيها الفلاحون الفلسطينيون لمسألة الشجاعة. إلا أنه ليس ثمة قيمة لمثل هذا التمييز بين الأسباب المختلفة للنزوح طالا أن هجرة الفلاحين الجماعية قد نجمت عن العنف الصهيوني المنظم الذي بلغ حداً لم يعد معه الفلاحون قادرين على مقاومته. لو كان يوجد في فلسطين منطقة ثانية صعبة المسالك يمكن للفلاحين الانسحاب إليها، كما انسحب الشيوعيون الصينيون إلى يونان أو الجزائريون إلى الأوراس، لما كان الفلاحون الفلسطينيون على الإطلاق عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة. ولكن فلسطين كانت صغيرة لدرجة جعلت القوات العسكرية الصهيونية قادرة بسهولة على إحكام سيطرتها على المنطقة التي استولت عليها خلال 1948 والبالغة مساحتها ثلاثة أرباع المساحة الإجمالية لفلسطين. ماذا يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا غير النزوح بعد أن تخلت عنهم قيادتهم وخيانتهم الأنظمة العربية من خلال مواقفها التي اتسمت باللا مبالاة والأنانية وقصر النظر؟ لم تلاق القرى التي استسلمت مصيراً أفضل من المصير الذي لقيته القرى التي قاومت. ولم يقدم الصهاينة ضمانات بالحافظ على حياة أحد سوى المتعاونين معهم. ورغم استمرار الصهاينة في الإدعاء بأن الفلسطينيين غادروا بلادهم برضاهم (78) ودونما ضغط فإن وجود 800 ألف لاجئ بعد حرب 1948 يدحض مثل هذا الادعاء".
دمرت القرية سنة 1948 وأقيم مكانها سنة 1949 كيبوتس سعسع الذي يتبع (هشومير هتسعير) وقد بلغ عدد سكانها سنة 1978 (450) نسمة كما أقيم فيها سنة 1959 متحف على اسم مؤسسة (إبراهيم رشكس)
بعض الآثار من القرية:
الشيخ وهيب 2707/1864 الدولينا هي الموقع الذي يعتقد أن وهيب سكنه، وتروى حول هذا الموقع قصص ظريفة منها أن ماءها يلتقي ماء عين البقيعة، إذ وجد أحد الرعاة شبابته التي فقدها قد سحبها الماء إلى البقيعة.
المصدر: كتاب من قرانا المهجرة في فلسطين