تتواصل المحاولات (الإسرائيلية) لاستكمال احتلال التاريخ بعد الجغرافيا وتغيير هوية فلسطين بشكل منهجي، وذلك بعبرنة وتهويد مسميات أماكنها، حيث تحمل المتنزهات والمواقع الطبيعية في الإصدارات الرسمية والمناهج التعليمية أسماء عبرية سواء كانت معدة لليهود أم للعرب.
ويتجلى التشويه المتفاقم لعروبة الأماكن الطبيعية بشتى أنحاء البلاد والجولان المحتل في الكتب التعليمية لليهود والعرب وفي الخرائط والكراسات السياحية واللافتات الإرشادية، رغم تراجع السلطات الاضطراري عن مشروع قانون بتهويد التسميات عام 2009 نتيجة احتجاجات فلسطينيي الداخل. وعلى سبيل المثال تعتمد سلطات الاحتلال اسمي يروشلايم وجروزاليم بدلا من القدس بتسميات مواقعها الطبيعية في الكتب التعليمية والإرشادية والخرائط والشوارع.
ويتكرر الأمر في المتنزهات والمزارات المعروفة بالحدائق العامة، حيث تحوّر التسمية العربية لأخرى عبرية، حتى انقلبت صفورية إلى تسيبوري والحمة إلى حمات غدير، ومحمية العشرة صارت تدعى حوشات طال، وتل القاضي استبدل منها تل دان، أما عين السودا فباتت تسمى عين حوجلاه. وفي الوقت نفسه، تستكمل عبرنة أسماء الجبال، فجبل فقوعة صار يدعى جبل الجلبوع، وجبل الجرمق أصبح جبل ميرون، وجبل الشيخ سمي بجبل حرمون.
ولم تسلم الأنهار والبحيرات أيضا من التزوير، فنهر العوجا استبدل باليركون، ونهر المقطع بات نهر الكيشون، كما فرض اسم "طفيريا" على مدينة طبريا أما بحيرتها فصارت يام كنيرت، بينما يطلق اسم يام هميلح على البحر الميت.
احتلال وعي
وكانت (إسرائيل) قد بدأت بطمس الهوية العربية للبلاد مبكرا، حيث سنت قانون التسميات عام 1951 بمبادرة رئيس وزراء (إسرائيل) الأول ديفيد بن غوريون، لكنها تصعد اليوم تطبيقه بشكل محموم. ويرى فلسطينيو الداخل أن المشروع ينطوي على عملية تهويد جديدة للمكان ومحاولة تعسفية لاحتلال وعي اليهود والعرب معا انطلاقا من الرؤية الصهيونية التقليدية>
ويرى المؤرخ جميل عرفات أن المشروع يهدف إلى تحقيق "أهداف ماكرة ضمن عملية سطو غير مسلح" على المكان، وهو سطو ظاهره جغرافي-ثقافي وجوهره سياسي.
ويشير عرفات في حديثه للجزيرة نت، وهو خبير بتاريخ القرى المهجرة داخل أراضي 48، إلى أن إسرائيل لا تكتفي بعبرنة التسميات بل تبادر لنسج أساطير تاريخية يهودية حولها، بحيث تكتب وتروى بأسلوب سردي روائي جذاب لإعادة تشكيل وعي الشباب اليهود.
ويقول إن هذه المحاولات تتصاعد ضمن مجهود الصهيونية لبناء علاقة وجدانية بين الإنسان اليهودي والمكان، بهدف تهيئته للدفاع عنه حينما يلتحق بالجيش، وفي المقابل تسعى السلطات الإسرائيلية لخلق حالة اغتراب بين الفلسطينيين والمواقع الطبيعية لإضعاف الهوية الوطنية.
ويستشهد عرفات بمقولة الشاعر الراحل محمود درويش "الأرض تورّث كاللغة"، ودعا إلى زيادة الاهتمام بالعربية واستغلال كونها لغة رسمية في إسرائيل منذ قامت.
فضح المخططات
من جهته، يؤكد رئيس لجنة متابعة التعليم العربي في الداخل محمد حيادري وعيه بخطورة المخططات (الإسرائيلية)، ويقول للجزيرة نت إن لجنته تعمل بقدر ما تتيحه إمكانياتها على صيانة الهوية والذاكرة الجماعية. ويتابع "نعمل أيضا على الاستعانة بوسائل الإعلام لفضح عمليات التزوير وللمحافظة على التسميات العربية".
يذكر أن بعض الباحثين الإسرائيليين ممن يخالفون الرواية (الإسرائيلية) الرسمية يرون أن عبرنة (إسرائيل) لأسماء المكان هي استمرار لما قامت به في النكبة عام 48، وأنها عملية احتلال للتاريخ بعد السيطرة على الجغرافيا. ففي كتابها "بجوانب الطرقات وعلى هامش الوعي" الصادر عام 2008، تتهم الباحثة (الإسرائيلية) نوجا كدمان (إسرائيل) باستكمال السلب والنهب والتدمير عبر حشرها القرى المهجرة (418 قرية) في الثقافة اليهودية.
وتبين كدمان بالتفصيل اختراع تسميات عبرية للمواقع، خاصة تلك التي يرتادها الطلاب، وتقول إن بعض الأسماء توراتي وبعضها الآخر عبارة عن تحوير للاسم العربي فقط، وتصف هذه السياسة بأنها محاولة ماكرة لاحتلال وعي الأجيال لدى اليهود والعرب ولطمس الحقيقة التاريخية.
المصدر: الجزيرة نت