معاناة وألم كبيران تعيشها 25 عائلة مقدسية في "حوش النيرسات" منذ أكثر من عامين، إثر التصدعات والتشققات في منازلهم، والتي أحدثتها حفريات بلدية الاحتلال وشركة المياه الإسرائيلية "جيحون" تحت منازلهم.
ويتميز موقع "حوش النيرسات" بأهمية إستراتيجية؛ إذ يقع في وسط حي السلسلة بالقدس القديمة مقابل حائط البراق، ولا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الأقصى المبارك.
خطر محدق
وعلى الرغم من هذا الخطر المحدق، إلا أن بلدية الاحتلال تنصلت من وعودها بإجراء الترميمات اللازمة لإصلاح الخلل الذي أحدثته الحفريات، ولم تسمح لسكانه بترميم منازلهم على نفقتهم الخاصة، كما لا تحرك سلطات الاحتلال ساكنًا لمنع مزيد من الضرر، وتعويض العائلات.
وكباقي أزقة البلدة القديمة فإنّ على سكان هذا الحوش المرور بعدة أسواق وأزقة ليتمكنوا من الوصول إليه، وأثناء صعودهم أو نزولهم على سلالم باب السلسلة يلاحظون تغير شكل الأرضيات نتيجة الحفريات الإسرائيلية.
ومع انطلاق هذه الحفريات بدأت التصدعات تظهر تدريجيًّا في الزقاق المؤدي لمنازل "حوش النيرسات"، وسرعان ما انتقلت التصدعات لتشمل أسقف منازل الحوش وجدرانها، وبمجرد دخول الحوش يظهر للعيان حجم الأضرار التي لحقت بالمكان.
بدأت الحفريات في منطقة باب السلسلة عام 2004 وتشعبت شمالًا باتجاه باب العمود، وغربًا باتجاه باب الخليل، في حين إن التصدعات الجديدة في عقارات "حوش النيرسات" تعيد إلى الأذهان ما حل بعقارات حي القرمي القريب من حي باب السلسلة.
ففي عامي 2012 و2013، أصيبت عقارات القرمي بتصدعات تسببت في حينه بتضرر أكثر من 25 عائلة، أرغمت بعضها على إخلاء منازلها، التي لم تعد إليها إلا بعد أن رمّمتها بصعوبة بالغة بفعل قيود بلدية الاحتلال.
صمود رغم الخطر
أم نضال سلايمة، أحد سكان الحوش المتضررين نتيجة حفريات شركة المياه الإسرائيلية "جيحون"، قالت: "نعيش في النيرسات منذ 70 عامًا، وبسبب الحفريات التي أجرتها البلدية و"جيحون"، حدثت تشققات وتصدعات في منازل الحوش. جاءت البلدية قبل عامين، ووضعت أعمدة حديدية لإسناد الجدران ومنع سقوطها، ومن ثم تركت المنازل دون اكتراث، وهي الآن آيلة للسقوط خاصة في الأيام الماطرة، وإن رمّمناها تمنعنا وتعرقل ذلك".
وتضيف: "مقابلنا يوجد بؤرة استيطانية تحرص بلدية الاحتلال على الاهتمام بأدق تفاصيلها في حين نحن نعيش خطر انهيار المنزل في أي لحظة".
ولفتت إلى أنها ستواصل الإقامة في منزلها بالحوش رغم التصدعات والانهيارات.
الهيكل المزعوم
الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية، وفي حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" يوضح أن القاعدة الأساسية للأبنية في "حوش النيرسات" مملوكية، وبني الطابق الثاني منه في الفترة العثمانية المتأخرة، في حين توجد تحت الأرض أقبية من الفترة الصليبية (الاحتلال الصليبي).
وحول سبب تسمية الحوش بهذا الاسم، قال: إنه أطلق عليه قديمًا اسم "حوش النشاشيبي" لكن فترة الانتداب (الاحتلال) البريطاني ولكثرة الثورات حينها اتخذت مجموعة من الممرضات من هذا الحوش مقرًّا لهن لعلاج الجرحى والمرضى، وقيل أيضًا إن أول قابلة قانونية في القدس خرجت من هذا الحوش؛ فأطلق عليه اسم "حوش النيرسات".
وبين أبو شمسية أن كل منطقة باب السلسلة معرضة للانهيار بفعل عمليات الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال، التي تعتقد بوجود أنفاق تمتد من منطقة باب الخليل إلى منطقة المسجد الأقصى، عبر قنوات وقناطر رومانية موجودة في منطقة باب السلسلة كانت تحمل الجسر الواصل بين التلة الشرقية والغربية في البلدة القديمة.
وأوضح أن طريقة الحفر المستخدمة طريقة جائرة، ولا تتناسب مع مفهوم علم الآثار العالمي، الذي يوضح أن عمليات الحفر يجب أن تتم فقط من خلال "الحفر اليسير" أو "حفر إزالة الردم" لكن سلطات الاحتلال تنفذ عمليات الحفر من خلال استخدام المواد الكيميائية، والآلات الثقيلة ما أدى لحدوث تصدعات كبيرة في "حوش النيرسات" وأحواش أخرى.
وختم أبو شمسية هذه الحفريات تعتمد على رواية يسيفاس نتكياهو التي يقول فيها إنه مدّ في عهد هيرودس قنوات مياه باتجاه ما يسمونه جبل الهيكل أو الهيكل الثاني الذي بناه ووسعه هيرودس، فهم يعتقدون أنهم إذا وصلوا إلى حالة من التواصل بين هذه القناة والقناطر الرومانية الموجودة تحت منطقة باب السلسلة، والتي تحمل الجسر الواصل بين التلة الشرقية والغربية في البلدة القديمة، فهم سيصلون إلى بناء رواية إسرائيلية تدعم زعمهم أنه كان هناك هيكل ثانٍ مد بالمياه عن طريق قناة هيرودس، وسهل الوصول إليه عن طريق الجسر الذي بني في العهد الروماني.
تهويد وتهجير
من جانبه، وفي حديث خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" قال مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري: إنه ومنذ احتلال القدس عام 1967 تم تهجير وهدم أحياء كاملة في المدينة، وخلال الفترات الماضية كان الكثير من الناس يسمعون أصوات الحفر تحت الأرض، وكانت تهتز بيوتهم، ما أدى إلى حدوث بعض الانهيارات في بعض البيوت، والآن أصبح هناك مدينة كاملة تحت الأرض.
وأضاف: "مئات المنازل المقدسية في البلدة القديمة مهددة بالانهيار بفعل الحفريات الاحتلالية وسياسة منع الترميم، حيث تواصل بلدية الاحتلال والمؤسسات الاحتلالية الأخرى تنصلها من مسؤولياتها".
وتابع: "وفي إطار تعجيز الأهالي في الحوش وفي البلدة القديمة إجمالا، وعدت بلدية الاحتلال بإجراء عمليات الترميم لإصلاح التشققات والتصدعات التي أحدثتها حفرياتها، ثم تخلت عن وعودها، وطالبت الأهالي بالترميم على نفقتهم الخاصة، وفي الوقت ذاته فإن البلدية تمنع إجراء عمليات الترميم في القدس عمومًا، كطريقة تهجير جديدة لتوطين المستوطنين وتهويد المدينة".
وبيّن الحموري أن سلطات الاحتلال تسعى لتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي لمدينة القدس، حيث تعمل على تهجير السكان الفلسطينيين وفرض وقائع جديدة على الأرض، في سعيها لتهويد المدينة، وتقليص الوجود الفلسطيني فيها إلى نسبة 15٪، وهو ما يعد مخالفة صارخة للقوانين الدولية التي تعد أي تغيير للواقع الجغرافي أو الديمغرافي أو المساس بمعالم السيادة من الانتهاكات الجسيمة التي يصل بعضها لجرائم حرب.
وذكر أن منظمة اليونيسكو صنفت حائط البراق على أنه معلم إسلامي وأصوله إسلامية، ولا علاقة لليهود به، لكن الاحتلال لا يأبه لا للقانون الدولي، ولا للمنظمات الدولية، ويفعل ما يريد في المدينة المقدسة، ويفرض وقائع جديدة على الأرض.
المصدر: المركز الفلسطيني