حرب شاملة يشنها الاحتلال على المقدسيين بلا توقف وبلا استراحات؛ تتجند فيها دولة الاحتلال بكل أجهزتها ومستوياتها ووزاراتها ومؤسساتها وجمعياتها الاستيطانية والتلمودية والتوراتية.
أزمات ومشاكل بل ومصائب متتالية تضرب المقدسيين وتجعلهم في حالة استنفار دائم وتأهب لمواجهة مخططات الاحتلال ومشاريعه التهويدية.
وعلى أكثر من جبهة يشعر المقدسي أنه في دائرة الاستهداف في أدق تفاصيل حياته، من أجل أن يبتعد عن الحسّ الوطنيّ والهمّ العامّ للقضية ويلتفت لهمومه الشخصية.
احتلال يريد أن يوصل الإنسان المقدسي إلى قناعة بأنه وحيد وأعزل في المعركة والميدان، لا تنفعه لا حاضنة شعبية ولا وطنية، وأن "الكف لا يمكن لها أن تناطح المخرز".
ويحاول الاحتلال فرض قوانين ودساتير تشرعن المشاريع والمخططات الاستيطانية، ولعل قانون ما يسمى أساس القومية الصهيونية واحد من هذه المشاريع الخطرة، كل هذا مع ذروة الهجمة على المدينة وسكانها، ومع ما يشهده المجتمع الصهيوني أفرادًا وأحزابًا وحكومة ودولة من عنصرية وجنوح نحو اليمين والتطرف.
صدفة أم مخطط؟
الكاتب المقدسي راسم عبيدات يرى أن الأحياء أو المناطق التي اختير تطبيق قانون تسوية الأملاك فيها، لم تكن بمحض الصدفة؛ "فحكومة الاحتلال وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال"، يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الاحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، أو عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية".
وقال عبيدات في حديث لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "ما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال" خصص موازنة بقيمة 100 مليون شيكل للسنوات الخمس القادمة، للقيام بعملية تسوية الأملاك في القدس، وكذلك في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني 48، فهذا الصندوق القومي اليهودي يدعي أن الحديث يدور عن آلاف الدونمات في النقب والقدس التي اشترتها شركات فرعية لـ"كاكال" على مر السنين، ولكن لم يتم تسجيلها في الطابو".
وأشار إلى أنه وعلى مدار 54 عامًا من الاحتلال، في أغلب القرى والبلدات المقدسية التي تقع تحت سيطرة بلدية الاحتلال، لم تجرَ عملية تسجيل للأراضي والعقارات، وهذا يعنى عدم وجود مخططات هيكلية لتلك القرى والبلدات، وبالتالي عدم منح تراخيص للبناء للسكان، وعملية الحصول على تراخيص، هي عملية بيروقراطية معقدة تمتد من 10-15 عامًا، ما يضطر السكان للقيام بالبناء غير المرخص، وغالباً ما ينتهي ذلك بعد كل الغرامات والمصاريف والتكاليف التي تدفع إلى الهدم القسري الذاتي أو بواسطة "بلدوزرات" وجرافات الاحتلال، وعملية الترخيص في القدس مكلفة جداً؛ فرسوم الترخيص تصل لما بين 30-50 ألف دولار للشقة الواحدة بمساحة (100م2).
وأفاد بأنه في سياق إطلاق مشروع تسوية وتسجيل الأراضي والعقارات في مدينة القدس؛ يقف المواطن المقدسي حائرًا؛ هل يتعاطى مع عملية التسوية والتسجيل أو يرفض ذلك من منطلق سياسي؛ لكون ذلك مخالفًا للقانون الدولي، والقدس مدينة محتلة وفقه، أو يقوم يسجّل لأن ذلك يضمن له حقوقه في أرضه وعقاراته ويحميها من عمليات التزوير والبيع والتسريب، أو أن ذلك سيجر عليه وبالاً من المصائب؟!
ولفت إلى أن المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني في المنظمة أو في السلطة ومرجعياتها المشكلة باسم القدس، ليس لديهم لا رؤية ولا منهجية ولا إستراتيجية، ولا قرار ولا إمكانيات مادية ولا آليات لكيفية مجابهة ومواجهة هذا المخطط والمشروع التهويدي.
وأضاف: "ما نراه هو بيانات وشعارات عامة وتصريحات ولقاءات ومقابلات إعلامية من باب رفع العتب ولا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به".
مشروع تهويدي
وأكد أن مشروع تسوية الأملاك والأراضي في مدينة القدس مشروع تهويدي بامتياز، يهدف إلى تعزيز السيطرة على المدينة والسيادة عليها، تحت ما يسمى بـ"القدس الموحدة".
وأضاف أنه يهدف إلى تعزيز الاستيطان وزيادة عملية الاستيلاء على الأراضي وطرد السكان الأصليين وتهجيرهم، وتفعيل وتطبيق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، بحيث تسيطر دولة الاحتلال على أملاك المقدسيين المقيمين في الخارج أو حتى خارج القدس، في مدن الضفة.
ونبه إلى أن هذه العملية من شأنها إضفاء الشرعية على عمليات تزوير وتزييف الأراضي والممتلكات والقيام بتسريبها "قانونيًّا".
ضربة قاصمة
بدوره قال الخبير المقدسي جمال عمرو: إن قانون أملاك الغائبين يعود إلى العهد البريطاني، وأيضًا عبر الفترة الأردنية؛ حيث كان يتم التعامل به، ولكن ليس تعاملًا جائرًا.
وأكد عمرو في تصريح خاص لمراسلنا، أن الاحتلال يستخدم هذا القانون سلاحًا ماضيًا جدًّا لمعاقبة أهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة.
وأشار إلى أن الاحتلال سيوجه ضربة قاصمة جدًّا للعقارات والأملاك المقدسية من خلال التعامل مع قانون تسوية الأراضي.
وشدد على أن قرار تسوية الأراضي سيكون له مخاطر بليغة جدًّا، لافتًا إلى أن القرار يعمل على كشف الكثير من العقارات الجديدة لتصبح نهبًا مسلوبًا في يد ما يسمى "أملاك الغائبين".
ولفت إلى أن ما يسمى "أملاك الغائبين" هي مؤسسة استخباراتية سبق وأن سطت على جميع ملفات الأوقاف الإسلامية في المحكمة الشرعية التي كانت تضم ملفات الملكيات، كما وسلبت ملفات هائلة جدا تضم ورثة ومالكين.
وقال: "نحن أمام احتلال ماكر وفاجر يريد السطو على الأملاك التي تستر عليها المقدسيون باعتبار أن كل شخص حلّ مكان أقاربه"، لافتًا إلى أن هذا القانون سيعرض حوالي 90٪ من أراضي القدس للخطر والنهب.
ونبّه إلى أن المقدسيين سيجدون أنفسهم في واقع مرير بعدم تسهيل أي معاملة إلا بتمريرها على ما يسمى بدائرة حارس "أملاك الغائبين"، مطالبًا بضرورة التوجه جماعيًّا لرفع هذه القضية لمحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان.
ويعد قانون "أملاك الغائبين" من أخطر القوانين التي أقرها الكنيست؛ حيث يعود تاريخه إلى آذار/ مارس عام 1950، وأُقر ليكون الأداة الأساسية لدى "إسرائيل" للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، والوقف الإسلامي.
ويُعرّف القانون كلّ من هُجّر أو نزح أو ترك حدود فلسطين المحتلّة حتّى تشرين الآخِر من العام 1947، من أيّ سبب كان وبالذات بسبب حرب الاحتلال، على أنّه غائب، وتعدّ كل أملاكه (بما يشمل الأراضي، البيوت وحسابات البنوك، وغيرها) بمنزلة "أملاك غائبين"، توضع تحت تصرف "القيّم على أموال الغائبين"، الذي تمنحه حكومة الاحتلال صلاحيات كاملة للتصرف فيها.
ويهدف القانون إلى منع عودة أيٍّ من المهجّرين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم التي تركوها قبيل حرب 1948 أو أثناءها أو بعدها، ويسمح بالاستيلاء على آلاف المنازل والعقارات وملايين الدونمات.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام