من الرائع أن يتمسك الانسان الفلسطيني بتاريخ بلدته أو مدينته، وأن يقص ويسرد القصص التي يفوح منها عبق الماضي وارث الأجداد.....
فاليوم.....أتيت باليسير اليسير عن بلدتي الأصلية (السوافير) والتي أنا اتبع لجزئها الشرقي أي (السوافير الشرقة)..
تفضلوا.........
السوافير
إن كلمة السوافير اسم للمدينة الفلسطينية الجميلة شافير (بمعنى أرض الوديان), والأرجح أن المدينة المسماة "شافير" بمعنى (سوق) المذكورة في العهد القديم هي "السوافير الشرقية "، والتي تقع بمنطقة السهل الساحلي، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 50مترا، ومحاطة بثلاث وديان تصب جميعها في البحر المتوسط وتشكل ثلاث قرى هي السوافير الشرقية، والسوافير الغربية، والسوافير الشمالية، وتمثل شكل مثلث قائم الزاوية يتجه ضلعه الأطول اتجاه الشمال الغربي.
وتقع السوافير على السهل الساحلي على الطريق العام المؤدي إلى المجدل وغزة جنوبا، وإلى الرملة والقدس شمالا .. ضمن قضاء غزة (والذي يضم مدينتي غزة و54قرية) إذ تبعد السوافير عن مدينة غزة حوالي 32 كيلو مترا، وعلى بعد 6كم جنوب شرق مدينة أسدود، ويحيط بها قرى: القسطينة، بيت عفا، الجلدية، بيت دراس، تعبية، وعبدس، وجولس، وتل الترمس، وكرتيا، وحتا .
ويذكر المؤرخ الكنعاني المولود في فلسطين (يوسابيوس) والمتوفى عام 340م أو عام 344م، أنها تأسست في موقع بلدة شافير، وهي (شافير) قرية تقع بين عسقلان وبيت جبرين، وهذا الاسم سماها به الرومان أيضا، أما الصليبيون فقد سموها زيوفير وكانت ملكا لأسقف القدس، أما العثمانيون فسموها سوافير الخليل .
وفي السوافير مدرسة حكومية للبنين سنة 1922م بدأت بمدرس واحد بمنطقة البنوات وفي سنة 1945م أصبح عدد تلاميذها 282 طالبا ويدرسهم 6 معلمين، منهم ثلاثة عل حساب أهالي السوافير، وتمثل هذه المدرسة سبعة فصول للابتدائي حيث بلغ عدد سكان السوافير 2680 شخصا بينما بلغ عدد من تعلم منهم 500 شخص، ولكل قرية من قرى السوافير الثلاث مسجد مستقل بها، ومنازلها مبنية من الطوب وبعضها من الحجارة .. ومن الخرب التي تقع في السوافير : الصهاريج ـ خربة قرقفة (أي الجمجمة أو القمة).
وتشتهر السوافير بزراعة الخضار والفاكهة بسبب خصوبة التربة وغزارة المياه وعذوبتها (عمق الآبار فيها حوالي 36-40 مترا) وكذلك بسبب غزارة الندى صيفا.
ومن هذه الخضار والفواكه: الحنطة والشعير والعدس والكرسنة والفول والحمص والذرة والسمسم والزيتون والبطيخ والعنب والمشمش والتوت والتين واللوز والجميز والخضراوات والقطن، وكانت الزراعة البعلية هي عماد القرية في الزراعة.
أما الحيوانات والطيور التي تشتهر بها السوافير فهي الجمال والمواشي والجاموس والغنم والماعز والحمير.
جذور سكان السوافير :
ينحدر أهالي السوافير من أبيهم قحطان ثم كهلان ثم قضاعة ثم بلي ثم بكر ثم معمر ثم أحمد، وبعض سكان السوافير هم من سيناء بمصر، والغور بالأردن، والبعض الآخر هم من مهاجري شبه الجزيرة العربية من مدينة ذمار شرق مدينة صنعاء بحوالي 80كيلو مترا، ثم انتقلوا بعد ذمار إلى شمال الجزيرة العربية ثم إلى الأردن في الفحيص وماحص ثم إلى فلسطين في الخليل (في صميل) ثم إلى السوافير حيث انتشروا في أراضيها التي قسموها إلى 18 بلوك.
أما حياة السكان المعيشية واليومية ..فكانت بسيطة، بعيدة عن التعقيد والكبرياء، إذ كانوا يقضون نهارهم في المزارع، يحرثون بالفأس ويبذرون البذور ويغرسون الاشتال، ثم يحصدون الحبوب والثمار، أما لياليهم فكانوا يقضونها على نور السراج (السولار أو الزيت) وكانت عملية البيع والشراء تتم عن طريق المقايضة، إذ كانت تندر العملات والنقود لديهم، وكانت الحمير هي وسيلة المواصلات الرئيسية لأهل القرية، والأكلة الشعبية الفتة والمفتول، والدبكة والسامر للأفراح الذي يستمر 15 يوم متواصلة، ومن ذريات السوافير عائلات كل من آل الكرد وعواد من بيت طيمة، والكرابلية من ترقوميا، وخميس من بيت نتيف، وطينة من بيت يعقوب.
وتقسم السوافير إلى قرى ثلاث هي:
1.السوافير الشرقية:
تبلغ مساحتها حوالي (13831)دونم (الأملاك العربية 13200دونم أي 95%+الأملاك اليهودية 103دونم أي 1%+ أراضي مشاع 528دونم أي 4%) تبلغ مساحة القرية حوالي 40دونم وذلك عام 1922م.
أما عدد سكانها في سنة 1945 فيبلغ 970 نسمة جميعهم من المسلمين يملكون 147 بيتا، ومن أهم عائلاتها (حمدان، البحيصي، بدوان، عثمان، العمصي) وكان المختار حرب أحمد حمدان يمثل عائلة حمدان، والمختار أحمد أبو خضرة العمصي يمثل عائلة العمصي، والمختار زيدان جاد الله محمد البحيصي يمثل عائلة البحيصي.
وبالقرية مسجد تبرعت به عائلة إخميس، وبها بيارة الشوا بمساحة 103 دونم، وبها كذلك بابور طحين ببيارة أبو رمضان، وبها الجسر ذو الأقواس.
2-السوافير الغربية:
تقع في جنوبي السوافير الشمالي وعلى نحو كيلو متر للغرب من السوافير الشرقية، وتبلغ مساحتها حوالي (7523) دونم (الأملاك العربية 7307دونم +مشاع 216دونم) أما مساحة القرية فيبلغ حوالي 25دونم.
أما عدد سكانها سنة 1945م حوالي 1030 نسمة، جميعهم من العرب المسلمين، ومن عائلاتها (عفانة، عطا الله، الأعرج، دبور) أما المختار فكان الحاج حسن محمد عفانة، ومحمد عطا الله.
وعدد منازلها 134 منزل مبنية من الطين والطوب وبعضها من الحجارة، وتحتوي القرية على قطع رخامية، وأعمدة في مقام الشيخ محمد الباز، المدفون في جامع القرية، وأساسات وقطع أثرية ويمر بها خط السكة الحديد المتجه إلى غزة، وبها أيضا مركز الشرطة.
3.السوافير الشمالية:
وتبلغ مساحتها حوالي (5861) دونم (الأملاك العربية 5166دونم + الأملاك اليهودية 450دونم + أراضي مشاع 245دونم) أما مساحة القرية فهو 21 دونم وكان مختارهم هو بهجت محمود إسماعيل، وشاكر يوسف عوض الله، وعدد سكانها سنة 1945 حوالي 680 نسمة جميعهم من المسلمين وبها مسجد خاص بها ومن أهم عائلاتها (إسماعيل، ناجي، عبد الجواد) وفي القرية مقبرة الأربعون شهيد (من الصالحين والأولياء) وبها أيضا 15 بئر.
احتلال القرية:
احتل الإنجليز قرية السوافير من أيدي العثمانيين عند منتصف ليلة 10/11/1917م أثناء الحرب العالمية الأول بعد هزيمة العثمانيين.
أثناء الاحتلال البريطاني .. شارك أهالي السوافير في الجهاد ضد البريطانيين واليهود، حيث شاركوا في ثورة سنة 1929، كما شاركوا في إضراب سنة 1936 الذي امتد 173 يوما.
وفي حين زود الإنجليز أهل القرية ثلاثة بنادق لحماية القرية، نجدهم قد زودوا اليهود بجميع أنواع الأسلحة والذخائر، فما كان من أهل القرية إلا أن اشتروا بعض قطع الأسلحة من أموالهم الخاصة ومن ذهب نسائهم، وهكذا شارك رجال السوافير في حماية أراضيهم من هجمات المستوطنين اليهود وكذلك من اللصوص المسلحين الذين هاجموا البلدة مرتين وردوهم على أعقابهم بتوفيق الله ثم بقوة السلاح وشجاعة الرجال.
وفي فجر يوم 9/5/1948 قام مؤذن القرية، عبد الهادي سالم حمدان إلى المسجد لآذان الفجر، فانطلقت الدبابات والمدافع الرشاشة ومدافع المورتر والهاون في كل اتجاه، تحصد كل من يقف بطريقها من الرجال والنساء والمساجد والمنازل ..ثم اقتحم لواء غفعاتي القرية خلال عملية باراك … وتم احتلال قرى السوافير الثلاثة في 18/5/1948م بعد أن استشهد الكثير من أهلها ومنهم أحمد عبد الهادي إبراهيم حمدان .. محمد فارس صلاح حمدان،،أحمد محمد أبو عيشه، وقد فر أهلها جهة الجنوب إلى بلدة حتا وبلدة الفالوجة المجاورتين للسوافير .. ومن هناك بقي أهلها يتسللون إلى قريتهم الأصلية السوافير لأخذ بعض أمتعتهم وحليهم وممتلكاتهم، وكذلك كانوا يتسللون إلى مزارعهم من القمح والشعير ويدرسونها لتوفير الطعام لهم ولأبنائهم الذين هربوا للقرى المجاورة.
وفي 9/7/1948م صدرت الأوامر العربية إلى الكتيبة المصرية السادسة بقيادة جمال عبد الناصر لاستعادة القرية .. فنظم عبد الناصر مناورة استكشافية لموقع قرى السوافير، فاخترق صفوف العدو لهذه الغاية.
وقد كتب عبد الناصر في مذكراته (إن يوم إعلان الهدنة كانت قرى السوافير الثلاث.. خالية حتى من الجنود الإسرائيليين تقريبا، ويضيف بلهجة ساخرة : آثرت قيادتنا العامة أن تمنح قواتنا فرصة اقتحامها).
وبعد مهاجمة اليهود لقرية حتا والفالوجة وطرد أهلها، فر أهالي السوافير إلى الجنوب حتى وصلوا إلى جباليا وخانيونس ودير البلح، وبعد أن ضاق بهم العيش، رحل بعضهم إلى شرق الأردن للبحث عن لقمة العيش إلا أن معظمهم بقي في خانيونس ودير البلح.
لقد أقام اليهود على أنقاض قرية السوافير مستعمرات لهم منها : مستعمرة دغانيم ومركاز شابيرا سنة 1948م وعين تسوريم، وشافير ومسؤت يتسحاق سنة 1949م، زراحيا سنة 1950م نير بنيم سنة 1954م.
أما الآن فلم يبق أي أثر لمنازل القرية الأصلية حيث أقام اليهود أبنيتهم الجديدة بدلا من أبنيتها ومساجد أهلها الأصليين، ولم يبق من الآثار سوى مضخة مياه إسماعيل السوافيري وشجرة تين أبو وضحة وبستان البحيصي وجميزة البحيصي.
وفي الختام .. من يدري فلعل الله ساق اليهود لبلادنا ليكون فيها هلاكهم، كما كان ذلك في حروبهم مع روما.
وأخيرا ..لا..لن ننس ترابك يا سوافير