للمرة السابعة خلال عدة أشهر استفاق سكان خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، اول امس الأربعاء، على قوات كبيرة من جيش الاحتلال معززة بجرافات وآليات تقتحم خربتهم وتشرع بعملية هدم واسعة لمنشآتهم.
لم تكتف قوات الاحتلال هذه المرة بهدم وتفكيك الخيام، بل عملت على الاستيلاء على كافة مقتنيات السكان من متاعهم وطعامهم، فضلا عن إحضار حافلات عسكرية لنقلهم بالقوة وطردهم من الخربة نهائيا إلى مكان آخر بالأغوار الوسطى.
تزامنا مع ذلك، أغلقت قوات الاحتلال كافة المداخل والطرق المؤدية إلى خربة حمصة ومنعت الصحفيين والحقوقيين وممثلي المؤسسات الدولية من الاقتراب من المنطقة للاستفراد بسكانها وتسهيل عملية تهجيرهم.
بعد مشقة طويلة، وسلوك عدة طرق وعرة، تمكنا من الوصول إلى منطقة مطلة على خربة حمصة وتبعد عنها بضعة كيلو مترات، من هناك كان ظاهرا للعيان الحركة الحثيثة لجرافات الاحتلال وآلياته التي كانت تعمل على هدم الخيام والمنشآت ومن ثم الاستيلاء عليها ونقلها إلى مكان بعيد ثم العودة لتكرار ذلك مع منشآت أخرى.
المواطن حربي أبو الكباش أحد مواطني الخربة والذي تعرضت منشآته للهدم للمرة السابعة، يقول لـ"وفا": إن ما يجري الآن في خربة حمصة يمكن وصفه بأنه نكبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهو لا يقل خطورة عن نكبة عام 1948 ونكسة عام 1967.
يتنقل أبو الكباش مع عائلته وغيره من عائلات الخربة بين سفوح الجبال في العراء، وفي ظروف شديدة الصعوبة بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الأغوار، والتي تزيد عن 40 درجة مئوية، محاولين الإفلات من جنود الاحتلال الذين يحاولون الإمساك بهم لنقلهم بالحافلات عنوة وإخراجهم من الخربة.
بدوره، يؤكد مسؤول ملف الأغوار بمحافظة طوباس معتز بشارات أن عملية الهدم في خربة حمصة كانت متوقعة، لأن الاحتلال يصر على تهجير السكان من هذه المنطقة، فما قام به الاحتلال وما يريد القيام به في تجمعات أخرى يصب في موضوع ضم الأغوار الذي يطبقه على الأرض تدريجيا.
ويضيف: "أن ما يقوم به الاحتلال في الخربة للمرة السابعة، يدلل على إرهابه واستهدافه الوجود الفلسطيني بالأغوار، حيث أصبحت اليوم حوالي 11 عائلة تضم 63 مواطنا بلا مأوى أو متاع أو طعام، والآن نعلن حمصة خربة منكوبة وعلى الجميع تحمل مسؤولياته تجاه أبناء شعبنا والوجود الفلسطيني".
من جهته، يوضح مدير عام توثيق انتهاكات الاحتلال في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قاسم عواد، أن عملية الهدم في الخربة تعتبر الأوسع والأشرس، حيث شملت كافة المساكن والمنشآت ومرفقات الحياة، والأخطر هو إحضار قوة عسكرية كبيرة مع حافلات لنقل المواطنين بالقوة من خربة حمصة إلى خارجها، وهذا يعتبر جريمة تهجير قسري إجباري باستخدام القوة المفرطة.
وأضاف أن ما جرى في حمصة اليوم يدلل على جريمة حرب مكتملة الأركان، حيث تم عزل المنطقة عن البعثات الدبلوماسية والدولية والخدمات الإغاثية والصحية، وبقي السكان بلا مأوى أو طعام وشراب منذ ساعات الصباح الأولى وحتى اللحظة.
وأشار إلى أن الاحتلال يحاول من خلال ذلك تبرير عجزه عن تحقيق مكاسب في مناطق أخرى مثل حي الشيخ جراح وبيتا وغيرها من مناطق الصمود الفلسطيني التي تستطيع حشد زخم شعبي كبير لإفشال مخططات الاحتلال، مستغلا وجود عدد سكان قليل في هذه المناطق وبعدها الجغرافي لارتكاب جرائم أكبر بحق السكان ومحاولات تهجيرهم، فعمليات الهدم في الأغوار سهلة على الاحتلال، لذلك يجب التحشيد والمناصرة، حيث تم إطلاق نداء استغاثة للمواطنين للتوجه إلى خربة حمصة لحماية السكان.
وأوضح عواد أن الاحتلال يحاول أيضا السيطرة على 270 ألف دونم من أراضي المواطنين ما بين حاجز الحمرا وحتى الحدود الشرقية مع الأردن، ويسعى لإخلاء المنطقة بالكامل، وإذا حقق الاحتلال ما يريد في حمصة سيتبعه عمليات هدم وتهجير في مناطق أخرى، مؤكدا أنه سيتم إعادة بناء الخربة الليلة، كما سيتم إعلام المؤسسات الدولية بأن جريمة حرب وقعت في هذا المكان.
يشار إلى أن خربة حمصة الفوقا هي خربة فلسطينية هدمها الاحتلال بشكل كامل بعد احتلال الأغوار عام 1967 وهجَّر غالبية سكانها، ويستولي الآن على 70% من أراضيها، ويغلقها بأوامر عسكرية ويمنع سكانها من البناء فيها بحجة أنها "منطقة إطلاق نار"، كما تعرضت الخربة منذ أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي للهدم ست مرات أولها في شهر تشرين الثاني من العام الماضي ثم تلتها عمليات هدم متلاحقة خلال شهر شباط.
ووفقا لإحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في ذلك الوقت، فإن عمليات الهدم في خربة حمصة أدت إلى تهجير 60 فردا بينهم 35 طفلا، ووصفت الأمم المتحدة هذه العملية بأنها أكبر حادثة من حوادث التهجير القسري منذ سنوات.
المصدر: وكالة وفا