تكتسب حيفا أهمية استراتيجية في فلسطين. فهي الميناء الأول والأكبر في منطقة البحر المتوسط. وهي مصفاة النفط والخزانات البترولية الضخمة وهي منطلق السكك الحديدية والطرق البرية الواسعة. التي تصل الشمال بالجنوب في فلسطين وهي مطارها الدولي. وهي أخيراً المخزن البشري والنضالي لفلسطين. كل هذه الأشياء جعلت عصابات الأرغون وشتيرن. عصابات الصهاينة يضعون جل إمكاناتهم لإحتلال هذه المدينة لما ستؤمنه لهم من حسم المعركة على أرض فلسطين. فوضعوا الخطط، وأعدوا العدة، وبدؤوا ينفذون. بدأ الصهاينة تحرشاتهم واعتداءاتهم أولاً على الأحياء العربية في المدينة واستخدموا عدة أساليب منها أعمال القنص في الشوارع. وتلغيم بعض المواقع بالديناميت. إلى ارتكاب المجازر في البناء وفي القرى المجاورة ومن ثم إلى الهجوم المباشر الواسع النطاق على المدينة.
أول حادثة ارتكبها الصهاينة كانت في 28/12/1947 بعد قرار تقسيم بشهر في مصفاة حيفا. حيث كان أفراد من العرب أمام بوابة المصفاة الواقعة على الطريق بين حيفا وعكا. وكانوا يطلبون الحصول على عمل في المصفاة المذكورة أو أنهم جاءوا بقصد المراجعة لأمور خاصة بهم فمرت بالقرب منهم سيارة مملوءة بمسلحين من عصابة الأرغون التي كان يرأسها الإرهابي "مناحيم بيغن" فألقت عليهم قنبلة يدوية. وأخذت بإطلاق رشقات من بنادقهم. فقتلت منهم ستة أشخاص وجرحت العشرات. وكان القنبلة دوي كبير فهاج العمال العرب الموجودون داخل مباني المصفاة والمقدر عددهم بـ /1700/ عربيا على الموظفين اليهود المقدر عددهم بـ /400/ فهاجموهم بأدوات العمل والفؤوس. فقتلوا العشرات منهم. وجرحوا العشرات وأنقذ الجيش البريطاني من تبقى.
وقدرت الهاغانا عدد القتلى بـ 41 قتيلاً في حين ذكر في كتاب يهودي أن القتلى بلغوا 70/ بينما أبناء حيفا يقولون أن اليهود أقاموا جنازة جماعية لخمسين شخصاً. وما أن أستوعب الصهاينة الثمن الباهظ الذي دفعوه حتى أخذوا يعدون للإنتقام. فبعد ثلاثة أيام أي في 31/12 أعطي الأمر بتطويق قرية بلد الشيخ التي تبعد 5 كم عن حيفا من ثم مهاجمتها. فتصدى لهم أبناء القرية وبعض جنود الفيلق العربي المرابط هناك. ودارت معركة ذهب ضحيتها أكثر من سبعة عشر عربياً حسب ما ذكره أهل القرية. وثلاثة عشر قتيلاً يهودياً حسب إعترافات صحف العدو.
مجزرة دار حجير:
وبعد أربعة أيام أي في ليلة 4/1/1948 تسلل بعض الصهاينة إلى قرية الطيرة فوضعوا بنزين وديناميت تحت بوابات منازل تقع على أطراف القرية من الشمال وفجروها. فدمروا منزلا من طابقين وقتل /17/ شخصاً من عائلة حجير فهرع أهل القرية إلى المكان ورأوا ما رأوا من وحشية حيث الأطفال والنساء والشيوخ تحت الانقاض. فأخرجوا الجثث على أضواء الفوانيس. وفي الصباح هاجت القرية وقرر أبناؤها تكثيف الحراسة وعند الظهر شيع الشهداء في جنازة واحدة ورفع أثناء ذلك أسعد غنام يهتف طالبا للسلاح وداعيا لليقظة ومنددا بالتهاون. وفي المقبرة جيء بأخبار بأن اليهود هاجموا القرية من الجهة الشرقية فتركت النعوش في أرضها وانتشر أهل القرية وشددوا الحراسة ونزل من كان يقطن المساكن المطرفة للبلدة. وعندما تحققوا من عدم صحة ذلك عادوا وألحدوا شهداءهم التراب.
المصدر: كتاب طيرة حيفا
احمد مصطفى الباش