المباني في القرية:
وجد في الطيرة طرازان للأبنية حديث وقديم. أما الحديث فجدرانه مبنية من الحجر وسقفه من الأسمنت المسلح بالحديد. أما القديم وهو ما يعطي للقرية تاريخها وانتماءها فالبيت أشبه ما يكون بالقلعة المحصنة التي لا يمكن الدخول إليها إلا من بابها.
يسمى البيت القديم بالحوش الذي بدوره مؤلف من عدة منازل تنتمي جميعها لجد واحد. واجهة هذا البيت عبارة عن سور ضخم في وسطه مدخل البيت وهو عبارة عن باب كبير وعالي ليدخل منه الجمال والحيوانات الأخرى وفي وسطه إلى الأسفل باب صغير يدخل منه أصحاب البيت. وهذا الباب مصنوع من خشب قوي وسميك وأحياناً يكون مصفحاً بالصاج وعليه الشعارة مثبتة بإسفين حديد وتستعمل لقرع الباب والاستئذان بالدخول. هذا البيت يبدأ بساحة كبيرة تعتبر ملعباً للأطفال ومربطاً للدواب المركوبة. ومرعى للطيور الداجنة. ويزرع في وسط هذا البيت شجرة غالباً ما تكون من التين والتوت يستظل أصحاب البيت بظلها.
تشكل منازل العائلة الجدران الجانبية والخلفية لهذه القلعة وتكون بذلك مغلقة من كافة جوانبها.
عند دخولها المنازل تراها بشكل بهو كبير أبعاده لا تقل عن ثمانية أمتار طولاً وستة عرضاً وبارتفاع أربعة أمتار. الجدران فيه سميكة تصل إلى ذراع ونصف الذراع.
للمنزل باب خشبي. فوقه قوس من الحجر ومن فوق القوس نافذة محصنة بشبكة قضبان حديدية. عرضها ذراع وطولها اثنان. مقابل مدخل المنزل عقد فوقها نافذة مقابل نافذة البيت الرئيسي. وذلك للتهوية.
يهتم الفلاح بمظهر بيته من الخارج فيجعل حافيته من حجارة مسمسمة النقش ويعلوها الحنت. كما يهتم بمظهره الداخلي. إذ يحافظ على قصارته بالطين الجبري والرمل الناعم ويقوم بطراشته بالكل على جانبي الهو هذا يوجد حجرات للأبناء المتزوجين. ومستودعات للغلال والبذار وحجرة للضيف ومنامته إذا كان صاحب البيت ميسور الحال.
حجرة النوم تكون على شكل منصة ترتفع عن الأرض متراً واحداً، أما المنطقة المنخفضة فتكون للدواب ومخازن التبن وأدوات الزراعة. خاصة في الشتاء.
ولكل منزل من هذه المنازل طابونه الخاص. وخابيته الكبيرة التي تتسع لسبع جرار من الماء.
الأدوات الموجودة في المنزل: خزانة ملابس وعلاقة للألبسة.
التكوين السكاني والاجتماعي في الطيرة:
من خلال ما تقدم من البحث نرى أن الطيرة قرية زراعية. يعتمد تكوينها الاجتماعي على الأسرة الريفية. وإن اتجه بعض أهلها في الأربعينيات إلى العمل في مدينة حيفا وفي "المنشآت العسكرية" كعمال مأجورين. بحيث شكلوا شريحة لا بأس بها من العمال. ظلت هذه الأسرة مرهونة بتشكيلها الاجتماعي بشكل أساسي إلى وجود الرجل "الأب" الآمر الناهي في شتى مجالات الحياة. فهو في الكروم يحرث ويزرع وفي السهول يحصد ويقلع ويسقي الأرض وهو المدبر لشؤون البيت وحاجياته من لباس وتزويج للأبناء والبنات وهو في المضافة مع أبناء بلدته يتشاور معهم بشؤون العائلة الأكبر. إما النساء والأبناء فيقدمون له الطاعة والاحترام.
والأم كعنصر أساسي مساعد لها دورها الهام في حياة الأسرة، تساعد الأب في الحقل وتربي الدواجن، وبعض أفراد الماشية والحيوانات المدجنة في البيت كالأرانب، وتنظيف الحظائر. وتحلب النعاج والأبقار. وتنظم شؤون منزلها كالغسيل والطبخ وتنجيد الفراش. وتطريز الألبسة والأغطية في أوقات الفراغ. وهي بشكل ما تمثل سلطة الأب الغائب على الأبناء.
والأولاد: فالصبي منهم مع أبيه على الأغلب أو في المدرسة، أو في ملاعب القرية (البيادر). وإما الفتاة فهي مع أمها تساعدها في شؤون البيت أو مع مثيلاتها من الفتيات، تلعب معهن أو تتنافس وإياهن في تطريز الأشكال الجميلة على القماش.
وكون القرية زراعية، فقد فرضت على الإنسان أنماطا معيشية تتناسب معها وهي هذه الأنماط تتعلق بسلوك الفرد وتفكيره وعاداته وتقاليده. في علاقاته الاجتماعية، في الأعراف والعادات الشعبية وغيرها.
وقد أثر في هذه الأنماط المعيشية موقع القرية الجغرافي "المناخ والتضاريس" التاريخ وطبيعة البنية السكانية فيها.
المصدر: كتاب طيرة حيفا/احمد مصطفى الباش
بتصرف