إعداد محمد أحمد أبو زر
شتدت اشتباكات الفلسطينيين والعصابات الصهيونية، كانت القوات البريطانية تساعد العصابات الصهيونية وتنحاز لهم، وتقدم لهم السلاح والذخائر والتأييد المعنوي والمادي، وأما المادي فكان يتمثل في الأسلحة والذخائر وتسليمهم المراكز والمعسكرات التي تحت سيطرة قوات الانتداب البريطاني، وكان الكثير من جنود العصابات الصهيونية وقادتهم قد شاركوا في الحرب العالمية الثانية من رتبة جندي إلى رتبة جنرال، فكانوا أكثر عدداً وتنظيماً وتسليحاً وإعلاماً، حيث كان الإعلام الغربي منحازاً لهم، أما الجانب الفلسطيني فكانت بريطانيا تلاحق الفلسطينيين، فمجرد وجود قطعة سلاح بسيطة تقوم بريطانيا بسجن صاحبها أو بإعدامه، كما كان الفلسطينيون أقل أعداداً وتنظيماً وتسليحاً، فكانت النجدات تأتي من قرية أو من القرى المجاورة على شكل فزعة بسلاح بسيط وذخائر قليلة جداً، وهي شبه تالفة، فكانوا فقط يقاتلون (بحب الوطن) والنخوة والشهامة.
ارتكبت العصابات الصهيونية مجازر عديدة منها مجزرة اللد ودير ياسين، فكانت المجزرة الأخيرة واحدة من أهم أسباب النزوح على مستوى الوطن الفلسطيني، ثم تبين بعد ذلك أن هناك مجازر كثيرة ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مجزرة الدوايمة، ومجزرة الطنطورة، وليس هنا المجال لبحث هذه المجازر، ذات ليلة في شهر كانون الأول من عام 1947، أقدمت العصابات الصهيونية على نسف وتدمير بناية في بيارة تعود ملكيتها لآل أبو زر وعبد الرحيم أبو حجلة، حدثت اشتباكات بين العصابات الصهيونية وشباب عرب الجرامنة، وخوفاً من المجازر غادر عرب الجرامنة قريتهم المويلح في أواخر هذا الشهر، فقسم منهم توجه إلى عزبة سرطة جنوب كفر قاسم، وتوجه آخرون إلى قرية كفر برا وتسمى المنطقة “الزاقور” وتوجه بعضهم إلى قرية مجدل الصادق في معركة رأس العين حيث استشهد القائد الشيخ حسن سلامة، ولقد شارك عرب الجرامنة في الدفاع عن مجدل الصادق تحت قيادة المجاهد ” حمد زواتا” وهو من قرية زواتا نابلس، ولقد شارك في هذه المعركة رجالات من قبيلة الحويطات حيث يشهد لهم الجميع بالجرأة والشجاعة والبطولة، وبعد سقوط مجدل الصادق في يد الاحتلال، نتيجة لاختلال توازن القوى، هاجر قسم من عرب الجرامنة إلى قرية الزاوية/ قضاء نابلس، أي بالقرب من أراضيهم في الجبل الأزرق وكسفا وأم الحمام وأبو سمارة التي تقع هي أيضاً إلى الغرب من قرية رافات، وقسم آخر منهم هاجر إلى قرية دير بلوط/ قضاء نابلس.
بدأ شباب عرب الجرامنة بالتسلل إلى داخل الأراضي المحتلة، ليستعينوا بما يحضرون على الإنفاق على أسرهم، وكانت تحدث أحياناً اشتباكات بين هؤلاء الشباب واليهود الذين يحتلون أراضيهم وأراضي فلسطين، حيث كان يحضر هؤلاء الشباب الأسلاك النحاسية والخيام والفرشات والبرتقال والأبقار والخيول وماتورات المياه يبيعونها ليسدوا بها حاجاتهم.
استشهد من هؤلاء الشباب أثناء التسلل الشهيد محمود محمد مصطفى أبو منيف، ولا يفوتنا أن نذكر أنه قد استشهد على أرض المويلح عبد الله موسى حميد وعلوش، واستشهد الشهيد أبوعلي اليازوري الذي كان يعمل في بيارة راشد كنعان.
بقي عرب الجرامنة غربي رافات يعتمدون في معيشتهم على قطعان الأبقار التي عندهم، وكذلك على ما يحضرون من خلال التسلل إلى داخل الوطن، وكذلك في فلاحة أراضيهم في الجبل الأزرق وأم الحمام وكسفا وأبو سمارة.
كثرت شكاوى اليهود إلى لجان الهدنة لكثرة حوادث التسلل التي يقوم بها هؤلاء الشباب، بالإضافة إلى أن الكثير من أهل القرى المجاورة كانوا يتسللون ويشتبكون مع العدو الصهيوني المحتل، ومن قرية رافات الذين استشهدوا من خلال مشاركاتهم لشباب عرب الجرامنة بالتسلل نذكر الشهيد إبراهيم الشيخ يوسف والشهيد زيدان حسن زيدان جودة، والشهيد سليم عياش، رحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جناته.
بينما كان عدد من شباب عرب الجرامنة يقومون برعاية مواشيهم من الأبقار في أرض الجبل الأزرق وكسفا هاجمتهم دورية إسرائيلية مسلحة وقادت الأبقار إلى داخل الوطن المحتل، وقتلت الشهيد المرحوم عمر أبو زريق، وأخذت مع الأبقار التي نهبتها موسى أبوعايش وعزت أبو وردة، وبذلك نهبت أهم مورد رزق لعرب الجرامنة الذين كانوا يعيشون على تربية هذه الماشية، وبعد مداولات طويلة قامت بها لجان الهدنة الدولية عوضت العصابات الصهيونية عن كل رأس بقر عشرة دنانير فقط لا غير.
ساءت حالة عرب الجرامنة الاقتصادية بشكل كبير، فزاد التسلل إلى داخل الوطن المحتل، وزادت الاشتباكات مع العصابات الصهيونية، وكثرت شكاوى اليهود إلى لجان الهدنة الدولية والتي كانت تبلغ الشكاوى إلى الحكومة الأردنية التي أصبحت هي المسؤولة عن الضفة الغربية.
لقي عرب الجرامنة الاحترام والتقدير والتعاون التام من القرى التي سكنوا فيها أو جاوروها وهي قرى الزاوية ورافات ودير بلوط، حيث كانت لهم علاقات مصاهرة وجيرة في الأراضي قبل هجرة عام 1948.
قامت الحكومة الأردنية بإحضار سيارات وأخذت العدد الأكبر من عرب الجرامنة إلى مخيم بلاطة قرب نابلس، حيث عانوا مرارة العيش وشظف الحياة، فقد واجهوا مشكلات السكن وقلة العمل والأمطار والوحل حتى أن بعضهم كان يتسلل من مخيم بلاطة إلى داخل الوطن المحتل.
بقي عدد من عائلات عرب الجرامنة في رافات وعددها 5 بيوت وفي عام 1958-1959م غادر عدد من هذه البيوت إلى مخيم بلاطة وبقيت أسرتان في قرية رافات وهما خالد ناصر محمود أبو زر، وعبد الرحمن أحمد أبو زريق، وما زالت هذه العائلات تسكن في قرية رافات.
وعندما استقر عرب الجرامنة في مخيم بلاطة توجه العديد منهم للعمل في الزراعة في منطقة غور الصافي في الأردن، ثم عمل عدد منهم في الزراعة في منطقة غور دامية واشتغل عدد آخر منهم في ورشات البناء في نابلس، ثم بدأ اهتمامهم بالتعليم الأكاديمي أو في المهن اليدوية، وبدأت أحوالهم المادية تتحسن إلا أن الوطن بقي مسيطراً على نفوسهم ومشاعرهم، وشارك عدد منهم كطلائع من مقاتلي حركة فتح الفلسطينية التي انطلقت في 1/1/1965م، شاركوا في القتال على أرض الضفة الغربية وفي داخل فلسطين، وكذلك عبر الأردن وفي لبنان، واستمرت مشاركاتهم في العمل الفلسطيني في كل المجالات القتالية والمدنية.
يتواجد عرب الجرامنة الآن في الضفة الغربية في الأماكن التالية: فمنهم من يسكن في قرية رافات ومنهم من يسكن قرية بديا، وعدد كبير منهم يسكن في مخيم بلاطة قرب نابلس، وعائلات أخرى تسكن في مخيم عسكر، ومنهم من يسكن في مدينة نابلس وفي مدينة طولكوم، وبعضهم يسكن في رام الله، وتسكن بعض العائلات في قرية بورين وقرية روجيب وقرية عصيرة الشمالية وقرية كفر قليل وكلها من قرى محافظة نابلس وهكذا.
كان الشتات الفلسطيني، ندعو الله أن يكون “يوم العودة” قريب وما ذلك على الله بعزيز.