تعج البلدة القديمة من الخليل في هذه الأيام من شهر رمضان بالمواطنين الذين زحفوا إليها من كل حدب وصوب، لتظهر بحلتها الجميلة كما كانت في سابق عهدها، تملؤها الحياة والروحانية الدينية.
زوار البلدة يعزون هذا الازدحام في رمضان إلى ما تحتضنه هذه المدينة العتيقة من مساجد عدة، اعتاد أهالي الخليل الصلاة فيها قديما دون غيرها لتوسطها أسواقهم التجارية، فهي تعيدهم بذكراها إلى عبق التاريخ والماضي الجميل.
الحاج أحمد أبو صبحة من بلدة يطا جنوب الخليل يقول أثناء تجواله في زقاق البلدة القديمة بالخليل: 'أتيت إلى هنا لأصلي في الحرم الإبراهيمي الشريف، ولأزور وأصلي أيضا في مسجدي السنية والقزازين لما لهما من أثر كبير في نفسي يتعلق بماضٍ مجيد كنا فيه سادة هذه البلدة ومن يحكم فيها'.
وأثناء حديث الحاج أبو صبحة اغرورقت عيناه بالدموع رغم حرصه على عدم إظهارها، لكنها انفجرت وانهمرت متزامنة مع قوله: 'يا هل ترى بترجع أيام الماضي وبرجع عز العرب والمسلمين مثل ما كان قبل الاحتلال'.
من ناحيتها، أعربت الحاجة سعاد الحروب من بلدة دير سامت غرب الخليل أثناء سيرها في البلدة القديمة مع أبنائها وأحفادها، عن أملها بأن تعود البلدة القديمة إلى حيويتها من جديد، وأن يواصل المواطنون زيارتها بعد شهر رمضان، وقالت: 'نحن الذين نستطيع حماية بلدتنا القديمة من الاحتلال ومن التوسع الاستيطاني فيها فهجرانها بعد رمضان هو السبب الرئيس الذي يمنح الاحتلال ومستوطنيه فرصة التوسع في جنباتها'.
وقال قاضي الخليل الشرعي الشيخ حمدي الزغير: تقع في البلدة القديمة عدة مساجد إضافة إلى الحرم الإبراهيمي الشريف، يجب المحافظة عليها والصلاة فيها، لأن الاحتلال يسعى إلى تهويدها، وهي مسجد السنية والقزازين وابن عثمان والكيال والعمري والأقطاب والبركة.
وأضاف: هناك 'زقاق البلدة القديمة' بجوار سوق الخضار المركزي القديم، الذي أحكم الاحتلال سيطرته عليه إلى حد ما، ومسجد 'السنية' وهو مسجد كبير له باحات واسعة مزروعة بالعنب، وبعد أن كان مركز تجمع لأهالي محافظة الخليل، أصبح فارغا في كثير من الأحيان بسبب المضايقات الإسرائيلية للمواطنين والإجراءات التي جعلت إمكانية الوصول إليه من طريق واحدة فقط، بعد أن كانت له عدة مداخل أغلقها الاحتلال.
على بعد عدة أمتار من مسجد السنية يقع مسجد 'القزازين الكبير'، داخل المنطقة المعروفة بالقزازين في البلدة القديمة وهو مسجد كبير يقع على بركة ماء كبيرة، وكانت ترتاده أعداد كبيرة من المصلين والمواطنين وأصحاب المحال التجارية الواقعة حوله حيث إنه يتوسط المدينة العتيقة تقريبا.
وما بين حارة الداريين وسوق اللبن بجانب منطقة السوق التي تتفرع منها أربعة شوارع إلى أجزاء البلدة القديمة، يقع المسجد العمري.
وبمحاذاة السوق القديمة 'الحسبة' الذي أقام عليها الاحتلال البؤرة الاستيطانية المسماة 'أبراهام أبينو' يقع مسجد 'الأقطاب' وهو أثري قديم لا تزيد مساحته على 50 مترا مربعا، وقد طاله أذى المستوطنين أكثر من مرة، وهو مسجد تابع لوزارة الأوقاف وهي المالك الوحيد له.
وفى منطقة السهلة في البلدة القديمة بني مسجد 'الكيال' في أوائل السبعينات على أرض تابعة لوقف آل الكيال، وتبلغ مساحته حوالي 40 مترا مربعا، وهو يقع في منطقة لا يسمح لغير المستوطنين بالتجوال فيها، حيث أجبر المستوطنون أصحابها على النزوح منها وتفريغها من أصحابها الأصليين بقوة السلاح، والضغط عليهم من خلال قطع سبل عيشهم ومنعهم من إدخال المواد والأدوات الأساسية لبيوتهم والإغلاق المتكرر عليهم.
بدوره، دعا مدير أوقاف الخليل الحاج زيد الجعبري، إلى تكثيف الحضور إلى مساجد البلدة القديمة وأحيائها في شهر رمضان وغيره، وإلى ضرورة اتباع كافة الوسائل الكفيلة بتأكيد الحق الوطني في الحرم الإبراهيمي والدفاع عنه بكل الوسائل الممكنة.
وناشد الجعبري أهالي محافظة الخليل المواظبة على صلاة كافة الفرائض بالحرم الإبراهيمي الشريف وفي المساجد المحيطة به، والتسوق من أسواق البلدة القديمة والعودة إلى السكن فيها، 'لإفشال المخططات الرامية إلى المس بعروبتها وإسلاميتها، فهي ستبقى فلسطينية عربية رغم مخططات الاحتلال التي تهدف لتفريغها من أهلها وقاطنيها'.
وأشار إلى أن مؤسسات عدة في محافظة الخليل، تحاول من خلال فعاليات مختلفة إعادة إحياء البلدة القديمة وتسليط الأضواء على ما يجري فيها، منوها إلى أن على المواطن أيضا الحرص على زيارة البلدة القديمة من أجل حمايتها من التهويد ومن عبث الاحتلال ومستوطنيه.
المصدر: وكالة وفا