جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
توفيق فياض كاتب رواية وادي الحوارث توفيق فياض ليس من سكان وادي الحوارث ولكن كتب رواية أسماها وادي الحوارث والتي لم يسعفني الحظ والبحث لايجاد نسخة منها وقراءتها وحقا له علينا ان نعرف اهلنا في الحوارث بكاتب الرواية التي اسماها على مسمى بلدهم من كتاب القصة والرواية المبدعين، ولد في قرية المقيبلة في المثلث – قضاء جنين فلسطين عام (١٩٣٨) ودرس في الناصرة. انهى دراسته في المدرسة الثانوية في الناصرة, عمل موظفا في مصلحة الجمارك بميناء حيفا. عام ١٩٧٠ اعتقل مع شبكة اتهمتها إسرائيل بالتجسس لصالح سوريا ضدها، واطلق سراحه عام ١٩٧٤ ضمن عملية تبادل أسرى مع مصر ونفي إلى القاهرة ثم انتقل إلى دمشق وبيروت وتونس . وهو مقيم في تونس منذ عام 1982م حتى اليوم . خضع في شهر ايلول 2007م لعملية قلب مفتوح في أحد مستشفيات مدينة تونس، تكللت بالنجاح أصدر مسرحية بعنوان بيت الجنون عام 1964 في حيفا. له مجموعة قصصية بعنوان الشارع الاصفر صدرت بحيفا عام 1968 إضافة الي أربع روايات من أهمها حبيبتي ميليشيا عام 1967 و وادي الحوارث المنشورة بتونس عام 1994 كما وترجم من العبرية الي العربية الرواية الشهيرة خربة خزعة للكاتب الاسرائيلي المعروف يتزهار سميلانسكي عن دار الكلمة ببيروت عام 1978. ومن مؤلفاته ايضا: المشوهون - رواية. البهلول (مجموعة قصصية ) وقصة الأطفال : حيفا والنورس، وتحمل جميع ابداعاته الهم الفلسطيني والحنين الى الوطن، والتي يعبر عنها باحساس مرهف وصدق خالص وأمل كبير بالعودة. بعد إطلاق سراحه من السجن وتسليمه لمصر بتبادل الأسرى بعد حرب عام ١٩٧٣ يقول عن تلك التجربة: خرجت من وطني فلسطين سنة ١٩٧٤ ضمن عملية تبادل لأسرى الحرب بين مصر والكيان الصهيوني، وكنت آنذاك في السجن، وقد كان خروجي إبعادا قسريا ، وليس مجرد خروج فحسب، وقد عرفت ذلك وأنا ما أزال داخل السجن، حيث اكتشفت بعد اقتيادي من سجن (شطة) في منتصف الليل مقيدا، ومعصوب العينين، ليقطعوا بي الصحراء باتجاه مصر لتسليمي للجيش المصري، ولكن رفضي كان دون جدوى، وحين استل الضابط المصري سكينه ليبعد عني الضابط الصهيوني الذي كان يقودني بحركة متعالية، وراح يقطع قيدي البلاستيكي المنغرس في معصمي ، غصصت بالدمع، وتيبس لساني ففقدت القدرة على الكلام، كانت لحظة من أصعب لحظات حياتي .. فقد عرفت أنني أصبحت بعيدا عن وطني، وأنه صار ورائي، وأن هذه اللحظة هي اللحظة التي ستغير تاريخ حياتي ومجراه .. أيضا. تم تكريمه من قبل ديوان العرب حيث قدم له درع المجلة تقديرا لعطائه الأدبي والفكري ونضع بين ايديكم هنا قصة من كتاباته حيفا والنورس حيفا والنورس حيفا بنت صغيرة سمراء ، تعيش مع والديها في بيت من التّنك على شاطئ البحر في بيروت . وحيفا لا تحبّ بيتها كثيراً، لأنّه يصير حاراً جداً عندما تطلع الشّمس في الصّيف . وفي الشّتاء يسيل الماء من شقوق السّقف ، وتكاد تقتلعه الرّياح الباردة. لكنّ حيفا كانت دائما سعيدة ،لأنّها تحبّ البحر كثيراً ، وتحبّ تلك الطّيور الجميلة البيضاء ، التي ترفرف فيالفضاء دائماً ، وتحوم فوق قارب جدها العجوز حين يذهب في البحر بعيداً ، وتدلّه على الشّاطئ . وحيفا تحبّ جدها كثيراً ، لأنه يقول لكلّ الأطفال دائما : "حيفا جميلة ".ويأخذها في القارب معه ، ويجري فوق الموج . ذات يومٍ رأته يحمل الشّباك ويتجه نحو القارب . سبقته وجلست في القارب مثل عادتها ، لكنّه أخذها بين ذراعيه هذه المرة وأنزلها ، ثم قال : " اليوم لا تذهبين معي يا حيفا". قالت حيفا :"لماذا ياجدي؟". قال الجدّ:" لأني سأذهب بعيدا جدا هذا اليوم " وعندما صعد إلى القاربقال: " هناك حيفا ثانية خلف البحر ، جميلة مثلك ، وتنتظرني دائماً ، حين أعود سوف أحدثك عنها كثيراً ". ثم دفع القارب بيديه القويتين إلى الماء ، وراح يبتعد شيئاًفشيئاً، بينما وقفت حيفا على الشاطئ حزينة. عندما اختفى القارب خلف الأمواج ،جلست حيفا على الرّمل وراحت تبكي. سمع نورسٌ أبيضٌ كان يرفرفُ فوق الموج بكاء حيفامن بعيد ، أسرع الطّير إليها وراح يحوم حولها ،ويصفّق بجناحيه. " لماذا أنت حزينة هكذا يا حيفا؟" قال الطّير وارتفع ثانية. رفعت حيفا رأسها ونظرت إلى النّورس وهي تمسح دمعها . وحين اقترب منها مرّةً أخرى قالت : " لأنّ جدّي يحبّ بنتاً غيري اسمها حيفا ، وقد تركني وذهب إليها ". ضحك النّورس كثيرا ، وصفق بجناحيه فوق رأسها. غضبت حيفا وقالت :" لماذا تسخر مني أيها النّورس ؟". "لأنحيفا الأخرى ليست بنتا يا حيفا ، إنها مدينة هناك ، خلف البحر ، جميلة مثلك ، وأناأحبها أيضا ".أجاب النّورس. وقفت حيفا غاضبة وقالت :" إنّك تكذب أيّها النّورس ،إنّها بنت صغيرة ويحبّها جدّي أكثر منّي ". قال النّورس:" أنا لا أكذب يا حيفا .. حيفا التي يحبّها جدّك هي المدينة التي ولد فيها وترعرع عندما كان طفلاً مثلك ،ولذلك سمّاك على اسمها ، لأنّه يحبّك كثيراً". صفّق النّورس بجناحيه عدّة مرّات فوق رأس حيفا ،وارتفع في الفضاء . مدّت حيفا ذراعيها وقالت :" لا تتركني أيّهاالنّورس ، أريد أن أسألك سؤالاً آخر ". " أنا ذاهب كي أرى حيفا من فوق البحر معجدّك ،وعندما أعود سوف أحدّثك عنها كثيراً " ، قال الطّير وابتعد. ابتسمت حيفا ،وراحت تلوّح للنّورس بيديها الصّغيرتين . وعندما اختفى خلف الموج ، جلست حيفا علىالرمل ، وراحت تنتظر جدّها حتّى يعود. وحين مالت الشّمس إلى المغيب ، وتعلّقت فوق البحر مثل مثل برتقالة ، كانت حيفا لا تزال تجلس على الشاطئ منتظرة جدّها ،وتحلم بحيفا الثانية.