لن تلبس بلدة بروقين بعد اليوم حلتها مع حلول الربيع.. فما عادت أشجار لوزها قادرة على حمل أزهار شهر آذار ولم تعد ينابيعها تروي عطش أرضها بعد أن جارت عليها المستوطنات الإسرائيلية بملوثاتها وعاثت بتربتها فسادا بمكباتها العشوائية.
الحاج أبو محمد السعايدة، من بلدة بروقين قضاء مدينة سلفيت، لم تسعفه سني عمره السبعين لنسيان صورة الأرض التي كبر على ترابها وشاب بين تلالها وتوضأ بمياهها.. تلك الأيام التي قارنها الحاج أبو محمد بما تمر به بلدته الصغيرة اليوم كانت أليمة وحزينة.
يروي أبو محمد معاناة سكان القرية وقد بدت على تقاسيم وجهه تعب السنين التي قضاها وهو يحاول الوصول إلى أشجار زيتونه، قائلا :"لم تعد بروقين كما كانت، معالمها تغيرت وتربتها ومياهها وطبيعتها، مدخل القرية التي كانت تزينه أشجار اللوز والزيتون حلت محلها انهار المياه العادمة والروائح الكريهة، تجد البعوضة قد النحلة بسبب المجاري والملوثات".
تلوث مضاعف
ويتابع الحاج أبو محمد وصفه :"ظهرت أمراض في البلدة لم نكن نسمع بها من قبل، طعم الخضار والفواكه قد تغير ولم يعد للطعام الذي نتناوله طعما، حتى الأراضي لا تنتج كما السابق، وهناك أراضي أصبحت جرداء بفعل المخلفات.
تتشابك حروفه في وصف المعاناة ويضيف :"ناهيك عن عدم قدرتنا الوصول إليها بسبب قربها من المستوطنات الإسرائيلية، حيث بنيت المستوطنات على أراضي القرية السهلية التي كنا نعتمد فيها على زراعة القمح والخضار وغيرها، أما الوعرة فنزرع بها الزيتون، وكل ما مرت السنين صغرت بروقين بسبب سيطرة الاحتلال على أراضيها".
ويتابع بالقول :"كنا نزرع الأرض قمح وقطانة، أما اليوم لا نستطيع وصلها، فأنا املك حوالي 20 دونما جميعها تقع على الجهة الجنوبية من شارع مستوطنة بركان، يمنع علينا الوصول إلى تلك الأراضي، فحسب قرار الاحتلال الذي جاء فيه يمنع على المواطنين الوصول إلى الأراضي على مساحة 150 مترا من الجهة الشمالية والجنوبية لشوارع المستوطنات، هكذا حرمت من ارضي".
لم يستسلم الحاج أبو محمد لأوامر الاحتلال مؤكدا "استعنا بالصليب الأحمر لزراعة أرضنا، فقام المستوطنون بقلع ما غرسناه.. أنا أذهب لأرضي كما لو كنت أذهب لسرقة شيء منها، لا أقدر تفقدها وتفقد أشجار الزيتون إلا وانا متخفي، وهي ارضي من حقي، بأي عرف وبأي دين مكتوب يحدث لنا ذلك؟".
ويشير أبو محمد أن كثير من الماشية بالقرية ماتت بسبب الملوثات، كما هو الحال بالأشجار والمزروعات، فالبلدة تتكبد الكثير جراء تلوثها بالمياه العادمة والمياه الصناعية من المستوطنات التي تصب فيها، وجميعها مواد خطرة جدا.
آثار جمة
وحول ما تواجهه بلدة بروقين، يتحدث رئيس بلديتها عكرمة سمارة، نعاني من مشكلة حقيقة وخطيرة بسبب المياه العادمة التي تصب فيها، حيث نواجه خطرين من الجهة الشرقية والشمالية.
ويضيف موضحا :"تصلنا المياه العادمة من مدينة سلفيت التي تختلط بالمياه العادمة لمستوطنة ارئيل من الجهة الشرقية، أما الشمالية حيث المستوطنات الصناعية ومنها بركان والتي تنجم عنها مياه خطرة جدا بسبب صناعاتها الكيماوية، وهذا كله قد اثر على الثروة الحيوانية والزراعية للبلدة، حيث لا تبعد المستوطنات عن البلدة سوى 60 مترا".
وأوضح سمارة، بروقين "تعاني من نسبة تلوث عالية، وقد سببت المياه العادمة تلوث ينابيع البلدة الثلاثة التي كنا نعتمد على مياهها مما يضطرنا إلى شراء المياه من الشركة الإسرائيلية وبكمية غير كافية حيث تضخ لنا 280 كوب كل 24 ساعة فقط لبلدتنا وقرية كفر الديك".
ويضيف فائلاً :"لقد خسرنا ثروتنا الحيوانية التي يعتمد عليها المواطنين بمعيشتهم، حيث كانت البلدة تمتلك أكثر من خمسة آلاف رأس من الماشيةوالآن لا تجد سوى المئات منها بسبب نفوق العديد وبسبب ازدياد التلوث وخوف المواطنين من تناول منتجاتها، فكان منهم العزوف عن تربيتها بالإضافة إلى افتقارنا للمراعي بسبب مصادرة الأراضي".
ناهيك عن الأمراض التي أصيب بها أهالي المنطقة-كما أكد رئيس بلدية بروقين- فهناك أمراض لم نكن نسمع عنها سابقا، كانتشار الأمراض الجلدية منها انتشار مرض ذبابة أريحا وأمراض السرطان بكافة أشكالها.
ويقطن في بلدة بروقين أربعة آلاف نسمة، وتبلغ مساحة البلدة 25 ألف دونم وكان قد تم مصادرة أكثر من ثمانية آلاف دونم (دونم=1000 مترمربع) من أرضها من قبل الاحتلال
بروقين- رنا خموس- إنسان اون لاين - 2010-03-08