Article |
تُعدّ التحولات الديموغرافية عنصرا هاما للمجتمعات الحضارية، فالدول تتابع عمليات المسح السكاني بشكل دوري للإحاطة بالمتغيرات والتحولات السكانية من خلال استعمال الأدوات الإحصائية والأرقام النسبية لأجل وضع برامج وتنفيذ مشاريع تهتم بشرائح المجتمع المختلفة وخلق حالة من التوازن الاجتماعي والتوزيع السكاني.
وهناك دوائر إحصاء عالمية أيضا تجري مسحا سكانيا يشمل الدول والقارات من خلال ترتيب السكان وفقا للديانات والقوميات وثقافات الشعوب المختلفة، وتسعى الأقليات في ظل ذلك كله إلى مضاعفة عددها للحصول على مخصصات واهتمام أكبر من قبل الحكومات والمؤسسات المختلفة، وفرض حالة مخالفة للتوقعات لزيادة نسبة تمثيلها.
وبالعودة إلى المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، فمنذ نكبة عام 1948 شهد تحولات سكانية متنوعة، منها ما أشارت إليه بعض الأبحاث، مثل حدوث قفزة نوعية في سنوات الستين، بحيث تضاعف عدد السكان العرب في سنوات الستين بنسبة 2,5%.
وتشير المعطيات الإحصائية إلى تضاعف آخر في عدد سكان الداخل الفلسطيني بين السنوات 1990-1948، فقد ارتفع عدد السكان العرب من 156 ألف نسمة عام 1948 إلى 875 ألف نسمة عام 1990، ووصل عدد السكان العرب داخل إسرائيل عام 2000 إلى مليون نسمة، أي ازداد بنسبة 6,5% مقارنة مع العام 1948.
إحصائيات ومعطيات
وحسب المعطيات الأخيرة التي نشرتها مؤسسة "ركاز" فقد وصل عدد السكان العرب إلى 1,229,936 نسمة (باستثناء القدس والجولان المحتلين)، أي ما يعادل 8 أضعاف، ويشكلون 16,4% من السكان [جمعية الجليل للبحوث والخدمات الصحية، بنك ركاز للمعلومات].
أما معدل الخصوبة فوصل عند النساء العربيات في سنوات الستين إلى 9,5 ولادات للمرأة، ولكن في بداية سنوات السبعين انخفضت نسبة الخصوبة إلى 4,5 ولادات مقابل 1,5 ولادات عند النساء اليهوديات، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف لصالح النساء العربيات.
وتشير الأبحاث أيضا إلى أن نسبة الخصوبة تتعلق بالقطاعات المتدينة والمحافظة داخل الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة، مثال؛ حافظت النساء المسلمات على معدل ثابت تقريبا ووصل إلى 4,5 ولادات، بينما انخفضت نسبة الخصوبة والولادات عند النساء المسيحيات ووصلت إلى 2,5، وانخفضت نسبة الولادات عند النساء الدرزيات ووصلت إلى 3 ولادات.
يعود الارتفاع الملحوظ في نسبة النمو الطبيعي وزيادة النمو السكاني للداخل الفلسطيني في سنوات الستين والسبعين إلى عدة عوامل، فقد أشارت الأبحاث إلى ارتفاع نسبة الخصوبة والولادة عند النساء العربيات في القطاع المحافظ والمتدين نتيجة لتحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع في نسبة النظافة والصحة، وزيادة في نسبة الأجيال الشابة داخل المجتمع.
بالإضافة إلى انخفاض في نسبة الوفيات نتيجة لتطور البيئة الحياتية والصحية وإقامة العيادات والمستشفيات في بعض القرى والبلدات العربية.
نسبة الولادات
لكن، هناك تراجع في نسبة الخصوبة والولادة عند النساء العربيات في الداخل الفلسطيني، ويعود ذلك إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤثر على التوزيع السكاني والديموغرافي للعرب في البلاد.
فقد أشارت الإحصائيات الأخيرة التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية في القدس إلى تراجع كبير في نسبة الخصوبة عند النساء العربيات، وبخاصة النساء المسلمات.
وفي التالي انخفاض في عدد الولادات، فقد تراجع مجمل عام الولادات عند النساء العربيات من 6 ولادات في العام 1980 إلى النصف تقريبا (ثلاث ولادات) بين الأعوام 2009-2005، وهناك عدة عوامل ساهمت في هذا التغيير ومنها؛ الارتفاع في نسبة التعليم عند النساء، وخروج النساء والانخراط في سوق العمل، بالإضافة إلى تردي الحالة الاجتماعية والاقتصادية المفروضة على الداخل الفلسطيني.
يلاحظ تراجع النمو السكاني وانخفاض نسبة الخصوبة والولادة عند النساء العربيات من كافة الشرائح الاجتماعية، فخلال العقدين الماضيين انخفضت نسبة الخصوبة والولادة، وهذا لا يبرر نسبة الزيادة الطبيعية وارتفاع عدد السكان الإجمالي.
فلانخفاض نسبة الخصوبة مؤشر خطير جدا، ويتوقع أن تنخفض نسبة الولادة أكثر بسبب السياسات الإقصائية المفروضة على الداخل الفلسطيني لتصل إلى نسب أقل من النسب الموجودة حاليا، وبالمقارنة هناك ارتفاع كبير في نسبة الخصوبة، ومن ثم ارتفاع في متوسط عام الولادة عند النساء اليهوديات من الوسط المتدين (الحريدي) تحديدا.
الخطر الديموغرافي
هذا الانحدار يجيب عن تساؤلات بعض الأكاديميين والمفكرين وبعض السياسيين الكبار في المؤسسة الإسرائيلية، فقد طرحت نظريات "الخطر الديموغرافي" و"القنبلة الموقوتة" في إشارة إلى التهديد المنوط بارتفاع وزيادة النمو السكاني للمجتمع العربي في الداخل.
لقد عملت المؤسسة الإسرائيلية منذ قيامها على تغيير الطابع الديموغرافي من خلال إعادة بناء توزيع سكاني مختلف يضمن أغلبية يهودية، وساعد في تحقيق هذا الهدف سيطرة المؤسسة الإسرائيلية على المؤسسات والمرافق السيادية المختلفة، فأقامت لجان مركزية متخصصة في الشؤون السكانية من أجل معالجة السرطان الخطير الذي يهدد المؤسسة الإسرائيلية.
ومن أجل الحفاظ على الطابع اليهودي للمؤسسة شرعت تبحث عن وسائل غير مباشرة للحد من شدة النمو والزيادة السكانية للعرب في الداخل، ولفهم المنظومة الفكرية التي صممت وما زالت تعمل حتى يومنا هذا لتغيير الطابع الديموغرافي وخفض نسبة الولادة والخصوبة في المجتمع العربي يمكن مراقبة أحد التصريحات لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" عام 2003 الذي قال "إن المشكلة الديموغرافية تكمن في عرب إسرائيل".
في النهاية لا بد من الإشارة إلى نجاح المؤسسة الإسرائيلية ومساهمتها غير المباشرة ولو جزئيا عن طريق خفض المستحقات المتعلقة بالأولاد والسياسات الممنهجة الأخرى في تشجيع ظاهرة خفض نسبة الولادة داخل المجتمع العربي.
وهذا ما قد يؤثر سلبا وفي المستقبل القريب على مركبات الهوية الفلسطينية وقد يؤدي إلى تغيير في المفاهيم القيمية والتربوية التي يتغذى عليها الداخل الفلسطيني بكل مركباته وشرائحه، ومن ثم تغيير المنظومة الفكرية والعقائدية والتماشي مع ما بعد الحداثة، وفي التالي التخلي عن الجذور التاريخية والأرض.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام
|
Preview Target CNT Web Content Id |
|