دراسة: بيت المقدس وجدار الفصل العنصري
إعداد: د. أحمد الريماوي.
في مسمّياته المختلفة التي حملها معه منذ الإعلان عن بنائه "الجدار"، "السِّياج"، "السِّياج الأمني"، أو كما يطلق عليه الفلسطينيون منذ البداية "جدار الفصل" العنصري، ومؤخراً، عندما أطلق عليه مجلس الوزراء الفلسطيني مسمّى "جدار الضّم والتوسُّع"، وكما شبّهه المعارضون بِ"أبرتهايد" جنوب إفريقيا، وكذلك بِ"سور برلين"، فإن أصول هذا الجدار الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية تعود إلى ما بعد حرب حزيران/يونيو 1967م، حيث تم إعداد اقتراح برسم حدود قابلة للدفاع عنها من طرف واحد، والخروج من بقية المناطق التي تم احتلالها، كذلك عندما اقترح بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي بعد تقاعده، إعادة كل المناطق باستثناء القدس، إلى عام 1994م، عندما وضع وزير "الأمن الداخلي" الإسرائيلي، موشيه شاحل، خِطّة للفصل متزامناً مع إعلان إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل عن رغبته في فك الارتباط مع الفلسطينيين، بقوله: "أخرجوا غزة من تل أبيب"(1).
أثارت "إسرائيل" حوله الأكاذيب بأنه مجرد جدار إسمنتي لا يتعدى "الخط الأخضر"، سابق الترسيم، والفاصل بين الأراضي المحتله عام 1948م، وتلك الخاضعة للاحتلال عام 1967م، والتي تخضع المنطقة "A" منها للسيادة الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو 1993م.
ويستقطب موضوع إنشاء جدار الفصل العنصري بين "إسرائيل" والفلسطينيين في الضفة الغربية وحول القدس، اهتماماً خاصاً على كل المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، وحتى الإسرائيلية نفسها، بعد أن أخذت تعبيراته المادية تتجلّى كأسوار سجون ومعتقلات، وبعد أن أحال التجمّعات السكانية الفلسطينية إلى مناطق معزولة ومنفصلة عن بعضها البعض، واقتطع أكثر من 58% من مساحة الأراضي الفلسطينية في الضفة، وحوّل حياة الفلسطينيين فيها إلى نموذج للمعاناة اليومية التي لا تطاق، إلى جانب تحويله
موضوع الفصل العنصري وبناء الجدار إلى عنصر مركزي من عناصر الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي. وغني عن القول إن موضوع الفصل العنصري ليس جديداً في المشروع الصهيوني، إذ يقع في صُلب العقيدة والممارسة، ويشكّل مرتكزاً في الخطاب السياسي الإسرائيلي، القائم في الأساس "على سيكولوجية الغيتو"، وفصل اليهود عن الشعوب التي ينتمون إليها، وعلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، على قاعدة مقولة هرتزل Herzel "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
غير أن إنشاء الجدار الفاصل، وتنفيذ خطة الفصل العنصري بين "إسرائيل" والفلسطينيين في الضفة الغربية بدأ عملياً في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون أول 1987م، وما تركته من تداعيات خطيرة على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني الإسرائيلي، حين عرض حزب العمل خطة لفصل الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة عام 1948م، تحت اسم خطة "هالوفيم"، وذلك بهدف عزل الضفة عن مناطق عام 1948م، والحيلولة دون قيام الفلسطينيين بعمليات عسكرية داخل مناطق ما سمي بِ(الخط الأخضر) أي العمق الإسرائيلي، لكن خروج حزب العمل من السلطة في "إسرائيل"، ومجيء حزب الليكود أجّل البت عملياًّ في موضع إنشاء الجدار الفاصل، بسبب تحفظات الليكود من أن يصبح هذا الجدار حدوداً سياسية بين "إسرائيل" والكيان الفلسطيني الذي بات قيد التشكل إثر التوقيع على اتفاقية أوسلو (1993م). وبعد عودة حزب العمل ثانية إلى السلطة عام 1995م، طلب إسحق رابين من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آنذاك موشيه شاحال وضع خطة مفصّلة للفصل عن الفلسطينيين بالتعاون مع رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي وبقية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وبعد أن انتهى شاحال من وضع الخطة، وجد المسؤولون الإسرائيليون تكاليفها باهظة جداً، فجرى التغاضي عنها، غير أنه في مطلع عام 1996، تم استبدال "خطة شاحال" بخطة فصل جديدة هي خطة "متساديم" أي "خطة القلاع"، تقوم على بناء سياج أمني فاصل، وحواجز على امتداد الخط الأخضر، الغاية منها منع عبور السيارات والأفراد والسِّلع الفلسطينية إلى "إسرائيل"، لكن للمرة الثانية عارض اليمين الإسرائيلي تنفيذ هذه الخطة خشية أن يتحول هذا السِّياج (الجدار) إلى حدود سياسية ورسمية(2).
بدأت بوادر الفصل تأخذ واقعاً معلناً بعد أن كان مبيّتاً فور اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية في أيلول/سبتمبر 2000م، والتي أخذت اسم "انتفاضة الأقصى"، وبدأت خطوات الانفصال الأولى بين الشعبين الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، وفي هجمة عسكرية احتلالية على الضفة الغربية، أُطلق عليها حملة "السور الواقي" في أواخر شهر آذار/مارس 2002م، بحجة ضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، أعلن إثر فشلها في تحقيق غايتها وهدفها عن النية في الفصل وفك الارتباط من خلال جدار إسمنتي فاصل، أو "عازل" تبنيه الحكومة الإسرائيلية.
وكان باراك الأكثر حماساً لتطبيق هذه الخطة عندما شرع بتكليف مستشاره الأمني دان شفتان الأستاذ المستشرق في جامعة حيفا، بوضع وثيقة نظرية لموضوع الفصل وبناء الجدار العازل. ويمكن اعتبار كتابه:"الفصل الإجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني"(3). وثيقة نظرية مفصلة لجميع جوانب الفصل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والجيوسياسية والأمنية. والواقع أن نظرة متفحّصة على جدار الفصل بعد أن تم إنشاء مقاطع طويلة منه، تبين أن ما يحصل على الأرض من تجلّيات وتداعيات لسياسات الفصل، وبناء الجدار التي دعا إليها حزب العمل، وتبناها وأشرف على تنفيذها الليكود ورئيس الحكومة الإسرائيلية شارون، هو تطبيق حرفي لما ورد في "وثيقة دان شفتان"(4).
1- الكيان الصهيوني يُقر مسار الجدار حول بيت المقدس(5):
حدّدت الحكومة الإسرائيلية الأول من أيلول/سبتمبر 2005م، موعداً لاستكمال بناء الجدار في محيط مدينة القدس، وذلك بعد أن أقرّت مجدّداً مسار جدار الفصل العنصري في محيط المدينة الذي يعزل مخيم شعفاط وبلدة كفر عقب نهائياً عن المدينة، لتفصل بذلك أكثر من 100 ألف مقدسي من حملة هوية القدس الزرقاء عن المدينة، وسيكون بإمكان حملة هوية القدس الزرقاء، الذين سيجدون أنفسهم خارج الجدار، الدخول إلى المدينة عبر (12) نقطة عبور في الجدار، أكبرها حاجز قلنديا "الذي أطلقت عليه سلطات الاحتلال تسمية معبر عطروت"، وحاجز (300) قرب بيت لحم، وحاجز سيقام على مدخل شعفاط. وتبنّت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها، يوم 10 تموز/يوليو 2005م، توصيات ستقدمها إلى المحكمة العليا الإسرائيلية في محاولة لإقناعها برفض (13) التماساً ضد مقاطع للجدار في محيط المدينة قدمها فلسطينيون ضد الجدار، معتبرةً أنها بهذه القرارات تكون قد استجابت لقرارات المحكمة بأن الجدار يقام "لأغراض أمنية"، ولبّت احتياجات "النسيج الحياتي" للسكان الفلسطينيين.
وقال وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي آنذاك أيهود أولمرت متحدثاً للإذاعة الإسرائيلية العامة أن "أعمال البناء قد تنتهي بحلول أيلول/سبتمبر، إذا ما جرت الأشغال كما هو مقرّر"، وقد تم ما قرّرته الحكومة الإسرائيلية في الموعد المحدّد.
وقال:"إن سكان القدس الفلسطينيين الذين سيبقون خارج الجدار، سيواصلون الحصول على جميع الخدمات الاجتماعية والبلدية المتاحة لهم بموجب الإقامات التي يحملونها". وقال:"لن يكون سوى (55) ألف شخص هم جزء صغير من سكان شرق المدينة على الجانب الآخر من الجدار، وستقدم لهم تسهيلات مريحة لعبوره. ومن المقرر لهذا الهدف إقامة (12) نقطة عبور في الجدار".
وينص الترسيم الأخير للجدار على جعل مخيم شعفاط وقرية كفر عقب في الجهة الشرقية من الجدار. وفي المقابل سيضم الجدار كافة الأحياء الاستيطانية في القدس الشرقية وكذلك المستوطنات المجاورة للقدس مثل معاليه أدوميم، أكبر مستوطنة في الضفة الغربية مع ثلاثين ألف مستوطن. وهي المرة الأولى التي توضع فيها مناطق تابعة مبدئياً للحدود البلدية للقدس التي ضمها كيان الاحتلال الصهيوني كاملاً، في الجانب الشرقي للجدار الفاصل.
وبحسب قرار الحكومة الصهيونية، فإنه سيتم الطلب من المستشفيات الموجودة في القدس الشرقية إقامة فروع لها على مقربة من الحواجز، والطلب من المراكز الصحية إقامة فروع لها في المناطق التي سيعزلها الجدار، كما أنه سيتم توفير خدمات مؤسسة التأمين الوطني في نقاط العبور بوسائل الحاسوب والعمل اليدوي، وأيضاً من خلال الإنترنت وعبر الهاتف وعبر سلطة البريد.
أما ما يتعلّق بقرار وزارة الداخلية الإسرائيلية، فينصّ القرار على أن "الخدمات التي تتطلب إبراز بطاقة الهوية ستوفّر من خلال سلطة البريد، حيث تتم إقامة فروع لوزارة الداخلية قرب نقاط العبور للخدمات التي تتطلب إبراز بطاقات الهوية"، كما سيتم إقامة فروع للبريد قرب نقاط العبور، فضلاً عن إقامة مكاتب لسلطة ترخيص السيارات على نقاط العبور ذاتها، وأخرى لمكاتب البطالة.
ويشير قرار الحكومة الصهيونية إلى أنه سيتم توفير مواصلات عامة للطلاب الذين يدرسون في مدينة القدس، إلا أنه سيتم أيضاً استئجار غرف دراسية خلف الجدار لحين إقامة مدارس هناك، و"تشغيل وَرْدِيات إضافية في المدارس في حال نقص الأبنية المعروضة للإيجار بحلول العام الدراسي الجديد، وعلى المدى البعيد، إقامة مؤسسات تعليمية جديدة من أجل إلغاء الوَرْدِيات الإضافية".
وعلى المعابر فإنه ستتم إقامة مسار خاص للمواصلات العامة إلى جانب مسار السيارات الخاصة على أن تكون الأولوية للمواصلات العامة.
وفيما يلي النص الحرفي لقرار الحكومة الصهيونية:
المؤسسات المعنية تعمل حالياً على التحضير لاستكمال بناء السياج الأمني (الجدار العازل) في حاضن القدس طبقاً للمسار والشكل الذي قرّرته الحكومة. من أجل التمكّن من إغلاق السّياج (الجدار)، فإن المؤسسات المختلفة (بما في ذلك الوزارات، وبلدية القدس، وشرطة "إسرائيل"، وأجهزة أمنية أخرى)، كلٌّ في مجال اختصاصه، عليهم القيام بالتحضيرات للتأكد من الروتين اليومي لحياة السكان في العاصمة، في المجالات المختلفة سيتأثر بأدنى حد ممكن. هذه التحضيرات تتعلق أيضاً ب (13) التماسٍ ضد مقاطع مختلفة من السِّياج (الجدار) الأمني، تبحث الآن من قبل محكمة العدل العليا، والمتعلقة بقانونيّة السّياج (الجدار)، وادعاءات بتأثيرات على حياة السكان وحرية الحركة.
في هذا المجال فإن التالي ينطبق على السياج الحياتي للسكان العرب في شرق القدس: أولئك الذين تتركز حياتهم في مختلف المجالات خارج المدينة، أولئك الذين يعيشون خارج حدود البلدية رغماً عنهم، والذين يحافظون على صِلات مع المدينة، سكان شرق القدس العرب، الذين سيتركون خلف الجدار، والذين يتمتعون بكافة الخدمات كمقيمين، وأولئك المقيمين في مناطق السلطة الفلسطينية الذين سيتركون داخل الجدار، أو الذين يعيشون في منطقة القدس ويجب حصولهم على الخدمات في المدينة لأسباب مختلفة.
من أجل التقدم في القدرة على إغلاق السّياج (الجدار) بالسرعة الممكنة، في وقتٍ تتمّ فيه الاستجابة للحاجات القصوى للسّياج الحياتي، وتطبيقاً لقرارات محكمة العدل العليا، فقد عيّن رئيس الوزراء إرئيل شارون ووزير الصناعة والعمل أيهود أولمرت - رئيس للجنة وزارية- ومديرين عامّين مهمتها التحضير لهذا الوضع، متابعة قضايا النسيج الحياتي لسكان القدس فيما يتعلّق بحاضن القدس، والإجابة على هذه المشاكل التي تنشأ من خلال حاضن القدس.
واللجنة بحثت القضايا المختلفة المتعلقة بالحفاظ على النسيج الحياتي والتحضيرات الضرورية لكل وزارة ومؤسسة، للتأكد من أن عدد الذين سيدخلون من خلال المعابر سيكون قليلاً، وزيادة مستوى الخدمات لأولئك السكان الذين سيتركون خلف السّياج (الجدار).
الحكومة ناقشت هذه القضايا واستمعت إلى إيجازات من رئيس مجلس الأمن القومي غيؤرا إيلاند ومدير بلدية القدس، وأيضاً ممثلين من وزارات التعليم والثقافة، والرياضة والصحة، والسياحة والمواصلات والداخلية، وأيضاً دائرة التشغيل وسلطة البريد وشرطة إسرائيل والقيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، حول قضايا تتعلق بعمل هذه المؤسسات.
وقد شكر رئيس الوزراء شارون كل وزارة، خاصة الوزير أولمرت، على العمل المهم الذي قاموا به فيما يتعلق بحاضن القدس، وبتوفير الإجابات على القضايا المتعلقة بالنسيج الحياتي، وأشار رئيس الوزراء إلى الحاجة الطارئة لإنهاء العمل في حاضن القدس. لذا فإن الحكومة قررت ما يأتي:
الحكومة تولي أهمية قصوى للإنهاء الفوري للسِّياج الأمني (الجدار العازل) في منطقة القدس من أجل تحسين مستوى الأمن الشخصي لسكان "إسرائيل" بشكل عام ولسكان حاضن القدس بشكل خاص. التعامل مع السكان في مناطق حاضن القدس نتيجة لبناء السِّياج الأمني (الجدار العازل) سيكون هو مفصّل تالياً:
وزارات الحكومة ستنهي تحضيراتها لتوفير الخدمات المنصوص عليها تالياً حتى الأول من أيلول/سبتمبر 2005م، وذلك في إطار ميزانياتهم المقرّرة:
أ- إنشاء "سلطة حاضن القدس" للتعامل مع سكان تلك الأحياء التي تقع في داخل الحدود البلدية ولكنها خارج السياج (الجدار).
ب- إنشاء مناطق للبائعين بالقرب من نقاط العبور، واستخدام مفتشي البلدية لفرض النظام العام حول نقاط العبور.
ج- إنشاء مراكز خدمة بلدية بالقرب من نقاط العبور في إطار خدمات الحكومة.
وطريق بالاتجاهين للمشاة والسيارات والمواصلات العامة.
2- وزارة الدفاع وبالتنسيق مع وزارة الأمن الداخلي ستوفر بالتعاون مع وزارة المواصلات طريقاً مستمراً بالاتجاهين للمشاة والسيارات للسكان، وأيضاً من قِبل مواصلات عامة مرخّصة.
أ- تحديد مسارات للمواصلات للسكان على نقاط العبور في حالة سيناريوهات مختلفة (هجوم إرهابي "استشهادي"، حوادث سير..الخ).
ب- إنشاء البنية التحتية التي تمكن الوزارات الحكومية من توفير الخدمات على نقاط العبور.
ج- استئجار غرف دراسية ووَرْدِيّات تعليم إضافية.
3- بلدية القدس وبالتعاون مع وزارة التعليم، والثقافة والرياضة ستقوم:
خارج حاضن القدس:
أ- تنظيم مواصلات منظمة للطلاب إلى المدارس داخل القدس بحلول العام الدراسي المقبل.
ب- استئجار غرف تدريس تلبّي الاحتياجات الأمنية وتجهيزها لاستيعاب المزيد من الطلاب بحلول العام الدراسي القادم.
ج- بناء مؤسسات تعليمية من أجل خفض مصاريف الاستئجار والمواصلات على المدى البعيد.
داخل حاضن القدس:
أ- استئجار غرف تدريس طبقاً للاحتياجات مع حلول العام الدراسي الجديد. ب- تشغيل وَرْدِيّات إضافية في المدارس في حال نقص الأبنية المعروضة للإيجار بحلول العام الدراسي الجديد.
ج- على المدى البعيد إقامة مؤسسات تعليمية جديدة من أجل إلغاء الوَرْدِيّات الإضافية.
د- تشجيع المستشفيات على إقامة فروع لها خلف الجدار.
4- وزارة الصحة: بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة:
أ- تقوم بإنشاء إجراءات نقل تمكّن من الخدمة السريعة والإنسانية لأولئك الذين هم بحاجة لها، وبالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة.
ب- إنشاء إجراءات نقل تسهل الخروج للأطباء والمعدات من داخل حاضن القدس.
ج- تشجيع المستشفيات في القدس الشرقية على إقامة فروع لها خارج السّياج (الجدار).
د- تشجيع مؤسسات الرعاية الصحية على توسيع نشاطاتها إلى خارج السياج (الجدار).
هـ- وبالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، يتم إصدار التصاريح اللازمة للطواقم الطبية لتسريع مرورها عبر المعابر.
و- خدمات التأمين الوطني عبر "الانترنت" والبريد.
5- وزارة المواصلات وسلطة البريد:
أ- إنشاء وحدات بريد قريبة من نقاط العبور.
ب- توفير الخدمات الحكومية في مراكز البريد كما هي اليوم.
ج- توسيع هذه الخدمات في إطار القانون.
د- بالإبقاء على المفاوضات ما بين سلطة البريد والمؤسسات الأخرى لإنشاء نقاط توزيع بريد مركزية.
6- وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسة التأمين الوطني:
1- توفير خدمات مؤسسة التأمين الوطني في نقاط العبور بوسائل الحاسوب والعمل اليدوي.
2- توفير الخدمات من خلال "الانترنت"، توفير الخدمات عبر الهاتف، توفير الخدمات عبر سلطة البريد.
3- الأولوية للمواصلات العامة المرخّصة.
7- وزارة المواصلات:
1- الأولوية على نقاط العبور ستعطى للمواصلات العامة، وإنشاء مسارات للحافلات إلى جانب السيارات الخاصة.
2- بناء مواقف للحافلات.
3- إنشاء نقاط خدمات لدائرة المواصلات (الترخيص).
4- توفير الخدمات عبر سلطة البريد.
8- وزارة الداخلية:
الخدمات التي لا تتطلب إبراز بطاقة الهوية ستوفّر من خلال سلطة البريد، تتم إقامة فروع لوزارة الداخلية قرب نقاط العبور للخدمات التي تتطلب إبراز بطاقة الهوية.
9- وزارة العمل والصناعة والتجارة وخدمات البطالة:
تحديد عدد مرات ظهور أولئك الذين يسكنون خلف السّياج (الجدار) سيكون مرّة شهرياً، وإنشاء مراكز استقبال في فروع يتم افتتاحها على نقاط العبور. وقرّرت الحكومة أيضاً إضافة (17) مليون شيكل*(6) لميزانية وزارة الأمن الداخلي ودفعة لمرّة واحدة قيمتها (8) ملايين شيكل بما في ذلك (3) ملايين شيكل لاحتياجات التعليم إلى ميزانية بلدية القدس ليكون بإمكانها القيام بالنشاطات المذكورة أعلاه. أما الميزانية المطلوبة لإنهاء التحضيرات وتوفير الخدمات العامة للعام 2006م وما يليه فإنها ستحدّد من خلال مفاوضات ما بين وزارة المالية ووزارات الأمن الداخلي والتعليم والداخلية وبلدية القدس، كجزء من المفاوضات حول ميزانية العام 2006م، مع الإشارة أن على بلدية القدس أن تلزم نفسها فوراً لاستئجار مبانٍ، والتعاقد مع شركات حافلات على المدى البعيد. النقاشات بين وزارة المالية ووزارة التعليم بمشاركة بلدية القدس يجب أن تستكمل نهاية شهر تموز/يوليو من العام الحالي. الحكومة فوّضت الوزير أولمرت متابعة تطبيق ما قرّرناه، وستقوم المصادر الأمنية بإغلاق السّياج (الجدار) فقط بعد أن يوصي الوزير أولمرت بأن احتياجات نسيج الحياة قد تم توفيرها.
المحكمة العليا الصهيونية تسمح ببناء الجدار حول بيت المقدس(7):
سمحت المحكمة العليا الصهيونية، اليوم الأربعاء، للمؤسسة العسكرية الصهيونية، باستئناف بناء جدار الفصل العنصري في المنطقة المسمّاة "غلاف القدس"، بعد أن تم وقف البناء فيه، لحين النظر في دعاوي رفعها مواطنون إلى المحكمة مطالبين بوقف بناء الجدار على أراضي القرى العربية شمالي مدينة القدس. وأشارت صحيفة "هآرتس" العِبرية، إلى أن المحكمة المركّبة من ثلاثة قضاة، أقرّت بأنه بإمكان المؤسسة العسكرية استئناف بناء السّور (الجدار) في المنطقة المحاذية لقرى بير نبالا، وبيت حنينا، والجيب، وجديرة، وقلنديا، والرام، والتي تقع شمالي مدينة القدس، مدّعية بأنه تم إنشاء طرق التفافية "للفلسطينيين فقط" لتقليص الضرر الناجم عن بناء السّور (الجدار).
2- أهداف خِطة بناء جدار الفصل:
تهدف خِطة بناء جدار يفصل الضفة الغربية عن الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1948م إلى:
- تحديد ممرات عبور خاضعة للرقابة، تساعد "إسرائيل" على منع دخول الأشخاص غير المرغوب بهم، وإدخال البضائع والأشخاص من هذه المعابر فقط.
- وضع دوريات مجهزة بوسائط كشف متطورة، لتراقب حركة المرور على هذه الممرات، وإقامة سياج (جدار) ملائم في جزء صغير من هذه المناطق.
- تحديد نقاط دخول الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948م، وتحديد أعداد ونوعيات الذين سيسمح لهم بالخول بناءً على الأوضاع والتقارير الأمنية اليومية.
وأكد واضعوا الخطة:"أنها لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بعمليات ترسيم الحدود، وإنما بترتيبات أمنية مؤقتة ومرنة لا تؤلف استباقاً للمفاوضات بشأن التسوية الدائمة بأي شكل من الأشكال".
وقد انطوت الخِطة على أبعاد أمنية خطيرة. ولم ينس واضعوا الخطة إخراج مدينة القدس العربية منها، على اعتبار أنها عاصمة "موحدة لإسرائيل"، وذلك حسب البنود الآتية:
- عدم وجود أي فصل ضمن الحدود البلدية للقدس، لكي تبقى مدينة موحدة ضمن حدودها التي حددها القانون الإسرائيلي.
- إغلاق معظم الطرق الفرعية المؤدية إلى القدس من الضفة الغربية.
- تحديد ستة مداخل إلى القدس حول الحدود البلدية للمدينة، تحت إشراف الشرطة.
- تشديد القيود على دخول القدس والهجرة إليها (من جانب العرب طبعاً)، والتشدد في تنفيذ ذلك.
ولم يتم تنفيذ الخطة في حينه لأسباب عديدة، سياسية ومالية. وساعد على تناسيها انتهاء الانتفاضة الأولى، وبدء مفاوضات أوسلو، ومن ثم متابعة المفاوضات في طابا وشرم الشيخ وسواها. وبعد قمة كامب ديفيد الثانية، التي جمعت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون والرئيس ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود باراك شهدت المنطقة أزمة سياسية مرجعية لعملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، وفي ظل اشتداد انتفاضة الأقصى، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك عام 2000م بالحديث عن خطة فصل من جانب واحد، كرد فعل على الانتفاضة الشعبية. وأوعز إلى مؤسساته الأمنية بتطبيق خطة للفصل، تتمثل في إجراءات عملية تكرس هذا الفصل، وتخلق واقعاً سياسياً وجغرافياً وعسكرياً جديداً بقوة الدبّابات.
لأسبابٍ عديدة لم يستطع باراك المضي قدماً في خطته، ولما جاءت حكومة
شارون، وازدادت وتيرة العمليات الاستشهادية، باشرت الحكومة الجديدة تنفيذ خطة بناء جدار الفصل، أو ما أطلقت عليه اسم الجدار الأمني، على خلفية رؤية شارون السياسية، للحل المؤقت، وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود مؤقته على نسبة لا تتجاوز 42% من مساحة الضفة الغربية.
3- مسار الجدار حول شرقي القدس
طبقاً لخِطة الحكومة الإسرائيلية، فإن الجدار العازل سيحيط أيضاً بالقدس الشرقية، من خلال فصلها عن باقي مناطق الضفة الغربية. وقد تم اتخاذ القرارات الخاصة بمسار الجدار الفاصل في هذه المنطقة، واستصدار المصادقات للشروع في العمل ضمن ثلاث مراحل أساسية:
1- في حزيران/يونيو 2002م، وضمن القرار المبدئي لإقامة الجدار بأكمله، تمّت المصادقة على المسار الخاص بالمرحلة (أ)، والذي يشتمل على مقطعين في شمالي القدس وجنوبها. ويمتد المقطع الشمالي على طول حوالي عشرة كيلو مترات، من معسكر عوفر غرباً ولغاية حاجز قلنديا شرقاً. أما المقطع الجنوبي فهو يضم حوالي عشرة كيلومترات من شارع الأنفاق غرباً ولغاية مدينة بيت ساحور (جنوبي جبل أبو غنيم- هارحوما) شرقاً. وقد تم الانتهاء من إقامة هذين المقطعين في تموز/يوليو 2003م.
2- في شهر أيلول/سبتمبر 2003م، صادقت لجنة الوزراء للشؤون الأمنية على مسار الجدار في باقي المناطق حول القدس، باستثناء المقطع المحاذي لمستوطنة معاليه أدوميم، وهذا في إطار المصادقة على المراحل (ج) و(د) من الجدار بأكمله. وقد تناولت هذه المصادقة ثلاثة مقاطع ثانوية.
- المقطع الأول يمتد على طول (17) كيلومتراً، من الطرف الشرقي لمدينة بيت ساحور جنوباً ولغاية الطرف الشرقي لبلدة العيزرية شمالاً.
- المقطع الثاني طوله (14) كيلو متراً، ويمتد من الطرف الجنوبي لقرية عناتا وحتى حاجز قلنديا شمالاً.
- أما المقطع الثالث فقد تم بناؤه على امتداد (14) كيلومتراً، ويحيط بخمس قرى من الناحية الشمالية الغربية للقدس (بير نبالا، الجويدة، الجيب، بيت حنينا البلد والنبي صمويل) المحاذية للحدود البلدية. إن معظم المقاطع في هذا الجدار مبنيّة على شكل سور، علماً أن التقدم في أعمال الإقامة في هذه المقاطع ليس متماثلاً، حيث انتهى العمل في بعض المقاطع منذ مدة، بينما لم يبدأ العمل في بعض المناطق الأخرى.
3- في شهر شباط/فبراير 2005م، وفي أعقاب قرار الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا، في شهر حزيران/يونيو 2004م، والذي شطب أحد مقاطع الجدار الفاصل تحت مبرّر انعدام النسبية، صادقت "حكومة إسرائيل" على المسار المعدَّل للجدار الفاصل بأكمله. وقد اشتمل المسار المصحّح على عدد من التغييرات الملحوظة في مناطق مختلفة، غير أن المسار السابق في منطقة القدس بقي إلى حدٍّ كبير على حاله، باستثناء إضافة حوالي أربعين كيلومتراً (40 كم) حول مستوطنة معاليه أدوميم والمستوطنات المحاذية لها (كفار أدوميم، عنتوت، نوفي برات وكيدار). ومع هذا، لم تصادق الحكومة على بدء العمل في هذا المقطع، واشترطت هذا بالحصول على "مصادقة قانونية إضافية" من المستوى السياسي.
إن المبدأ السائد في تحديد مسار الجدار في منطقة القدس هو الوصول إلى التماس ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الحدودي للبلدية. وقد تم تعريف منطقة نفوذ القدس مرة أخرى في العام 1967م، بعد أن ضُمّت إلى القدس مناطق إضافية من الضفة الغربية (حوالي 70,000 دونم) والتي تم ضمّها إلى "إسرائيل". ويعيش اليوم في هذه المناطق- التي ضمها- حوالي (220,000 فلسطيني). لقد تم الحفاظ على مبدأ التماس مع
الحدود البلدية، بصورة عامة، على امتداد المسار كله، باستثناء حالتين شاذتين وبارزتين: حي كفر عقب ومخيم اللاجئين شعفاط، وهما منطقتان سيتم فصلهما عن باقي أجزاء المدينة، على الرغم من وجودهما داخل منطقة نفوذ بلدية القدس.
على مقربة من حدود القدس، يوجد عدد من المدن (من بينها رام الله وبيت لحم) والمدن الصغيرة التي يعيش بها مئات آلاف الفلسطينيين المرتبطين بالقدس بطرق وأشكال متنوّعة. وتمتاز هذه العلاقات بالقرب المتميز خاصة بالنسبة للقرى والبلدات المحاذية للحدود الشرقية للقدس: الرام وضاحية البريد، وحزمة وعناتا والعيزرية وأبو ديس، والسواحرة الشرقية، والشيخ سعد (فيما يلي الضواحي)، والتي يعيش فيها أكثر من (100,000) مائة ألف مواطن. وترتبط هذه الضواحي، من خلال البناء الكامل والمتواصل، مع الأحياء الواقعة داخل مناطق نفوذ القدس، ولم تكن للحدود البلدية، على وجه التقريب، أية أبعاد وتأثيرات على واقع حياة السكان من الناحيتين، حتى الفترة الأخيرة. ومع أنه كان يطلب من سكان هذه الضواحي الذين يحملون هويات فلسطينية التزوّد بالتصاريح من أجل الدخول إلى شرق القدس، غير أن معظمهم كان يدخل دونما تصاريح، على سبيل العادة.
إن تحديد مسار الجدار على طول خط الحدود البلدي، يتجاهل بصورة فظَّة نسيج الحياة، الذي تطوّر على مدار السنين، ويهدّد بتدميره بصورة تامة:
أ- على ضوء الصعوبات في العثور على سكن في شرقي القدس، انتقل عشرات آلاف المواطنين للسكن في الضواحي. وما يزال هؤلاء يحتفظون ببطاقات الهوية الإسرائيلية، ويحصلون على الكثير من الخدمات داخل المدينة.
ب- يدرس آلاف الأولاد الذين يقطنون في الضواحي ضمن جهاز التربية والتعليم في شرق القدس، والكثير من الأولاد الذين يعيشون داخل مناطق نفوذ البلدية، يدرسون في مدارس موجودة خارج مناطق نفوذ البلدية. وهناك أيضاً علاقات متبادلة، وإن كانت بمدىً أقل، في مجال التعليم العالي.
ج- لا يوجد في الضواحي ولو مستشفى واحد. ويحصل معظم السكان على الخدمات الصحية في المستشفيات والعيادات الموجودة في شرق القدس. والنساء اللواتي يقطنّ في الضواحي يصِلن بصورة دائمة تقريباً إلى مستشفيات القدس من أجل الولادة، حيث أن الوصول إلى مستشفيات بيت لحم ورام الله مرهون باجتياز حاجز معزّز (حاجز "الكونتينر" وحاجز قلنديا، بالتناسب) وقد يستغرق الوصول وقتاً طويلاً.
د- يتم تشغيل جزء كبير من القوى العاملة من الضواحي في القدس (بجميع أجزائها). وتعتمد لُقمة عيش أصحاب الحوانيت والمحال والمصانع على الزبائن الذين يأتون إلى القدس، وقد تم إغلاق الكثير من المحال التجارية منذ الشروع ببناء الجدار العازل.
هـ - يرتبط سكان شرقي القدس بأواصر القربى والعلاقات الاجتماعية الوثيقة مع سكان الضفة الغربية عامة، ومع سكان البلدات المجاورة بصورة خاصة.
وتدعي "إسرائيل" أن البوابات التي سيتم إقامتها على امتداد الجدار الفاصل ستتيح انتقال الناس من ناحية إلى أخرى، وتحول دون المَس بهذا النسيج الحياتي. غير أن التجربة التراكمية المتوفرة حتى الآن فيما يتعلق بتفعيل مثل هذه البوابات في شمال الضفة الغربية، تدل على محدودية هذه الخدمة: إن المرور عبر هذه البوابات يستوجب الحصول على تصاريح، ويتم تعريف الكثير ممن يرغبون بالعبور عبر هذه البوابات على أنهم "ممنوعين" لأسباب متنوعة وغريبة، ويتم فتح معظم البوابات لساعات محدودة فقط خلال اليوم، وبطريقة لا تستجيب مع متطلبات السكان، كما أن المرور عبر هذه المعابر مرهون في أحيان متقاربة، بالانتظار الطويل، بسبب التأخير في فتح البوابات وكذلك بسبب الطوابير التي تتكوّن.
المتحدثون الرسميون باسم "إسرائيل" يصرِّحون في كل مناسبة أن الاعتبارات التي تقف وراء اختيار المسار الذي تم تحديده كانت من نوعين: الاعتبارات الأمنية والاعتبارات الخاصة بتقليل حجم الضّرر الذي يلحق بالسكان الفلسطينيين. غير أن الاعتماد منذ البداية على الحدود البلدية كنقطة تعاطٍ مركزية تشطب منذ البداية هذين الاعتبارين: فمن ناحية يُبقي الجدار أكثر من (200.000) فلسطيني متعاطفين مع نضال شعبهم، في الطرف الإسرائيلي من الجدار، ومن الناحية الأخرى، يفصل الجدار بين الفلسطينيين الذين يعيشون على طرفي الجدار، من خلال أقصى المس بالنسيج الحياتي القائم بينهم.
إن الالتصاق بالحدود البلدية والمبررات المختلفة التي تم تقديمها تقود إلى الاستنتاج بأن الاعتبار المركزي في اختيار المسار هو الاعتبار السياسي: انعدام الاستعداد لدى الحكومة لدفع الثمن السياسي المرتبط باختيار أي مسار يظهر وكأنه مس بالأسطورة القائمة على أن: "القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل". واستكمالاً لإجراءات تهويد القدس وتغليفها وعزلها، فقد تم بناء الجدار*(8) بطول 22.5% كيلو متراً في الشمال والجنوب من المدينة المقدسة، وتبلغ مساحة هذه المرحلة التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية (50) كيلو متراً، مع جدار عمق ثانوي بطول كيلو متر واحد، وبذلك يكون طول الجدار بأكمله حسب مركز الدراسات العربية (644) كم. ومع اكتمال الجدار في القدس أصبح طوله الإجمالي (70) كيلومتراً تقريباً، مما أدى إلى فصل ما يقدّر بِ (289) ألف مواطن فلسطيني من القدس عن باقي أرجاء الضفة الغربية، بربط مسار الجدار بطرق فرعية ومستوطنات تشكل معاً حاجزاً فاجعاً يبدأ من رام الله حتى بيت لحم، ماراً بضاحية أبوديس ليضم فعلياً 5.6% من الضفة الغربية.
هذا وتم إنشاء ما يقارب من (33) كيلو متراً من غلاف القدس في الشمال، أربع كيلومترات منها تبدأ من حاجز قلنديا حتى مخيم "عوفر" العسكري في منطقة رام الله، ووفقاً لشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية (PENGON) فإن جدار القدس الشمالي يفصل (10) آلاف نسمة من حاملي الهوية المقدسية الذين يعيشون في قرية كفر عقب ومخيم قلنديا للاجئين عن المدينة وروابطهم العائلية والاجتماعية، بالإضافة إلى حرمانهم من الخدمات العامة، وذلك فقط لإعطاء عدد من المستوطنين غير الشرعيين سهولة وحرية في التنقّل والحركة من داخل الأراضي المحتلة إلى مستوطناتهم غير الشرعية.
أما الطريق الدائري الذي تم بناؤه ليصل المستوطنات المتناثرة حول القدس، فقد طوّق الضواحي الفلسطينية، كما سلب (658) دونماً لذات الهدف، فيما دمّر ما يقارب من (40) منزلاً فلسطينيّاً، تاركاً المواطنين الفلسطينيين المتبقين محبوسين بين الطرق والجدران.
4- مكوِّنات الجدار(9):
1- أسلاك لولبية شائكة، وهو أول عائق في الجدار.
2- خندق بعرض أربعة أمتار وعُمق خمسة أمتار، يأتي مباشرة بعد الأسلاك.
3- شارع مسفلت بعرض (12) متراً، وهو شارع عسكري لدوريات المراقبة.
4- يليه شارع مغطّى بالتراب والرمل الناعم بعرض أربعة أمتار، لكشف آثار المتسللين، حسبما زعم الاحتلال، ويمشط هذا المقطع مرتين يومياً صباحاً ومساءً.
5- ويلي الشارع الجدار، وهو عبارة عن جدار إسمنتي بارتفاع متر، ويعلوه سياج معدني إلكتروني بارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار، رُكّب عليه معدّات إنذار إلكترونية وكاميرات وأضواء كاشفة وغيرها من عناصر البنية التحتية الأمنية.
6- وبعد الجدار أنشيء شارع رملي وترابي، ثم شارع مسفلت وبعدها خندق مماثل للخندق الأول ثم أسلاك شائكة لولبية.
كما عمد الإسرائيليون إلى تثبيت أسلحة رشاشة بالجدار ذات مناظير عبارة عن كمرات تلفزيونية صغيرة يمكن التحكّم فيها من مواقع للمراقبة عن بعد. ويذكر تقرير "واقع الجدار" الصادر عن مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، أن الجدار سيتفرع عن جدار ثانوي عبارة عن أسلاك شائكة. وهذا المخطط الصهيوني سيخلق ثلاثة معازل "غيتوهات"*(10): الغيتو الشمالي ويضم الجزء الشمالي الغربي من جنين إلى قلقيلية، والغيتو الجنوبي في جنوب الضفة الغربية، أما الغيتو الثالث غيتو القدس فإن الجدار في القدس يحيط بالمدينة المقدسة ودائرة المستوطنات الإسرائيلية حولها، وبذلك يكمل عزل القدس عن الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، يمر الجدار خلال القرى والأحياء المجاورة، ويفصل العائلات ويمزّق الروابط الاجتماعية والاقتصادية، ويعزل المناطق التي يعتبرها الكيان الصهيوني لا تنتمي للقدس. ويفقد محافظة القدس 90% من أراضيها.
5- بناء الجدار حول بيت المقدس:
ورد في تقرير للبي بي سي(11):"أن "إسرائيل" بدأت في بناء جدار أمني الكتروني. ذكرت التقارير(12):" أن خِطّة إقامة سور أمني (جدار) حول مدينة القدس كان يجري التخطيط له منذ فترة طويلة، ولكن تم تقديم تنفيذه بسبب الهجمات الانتحارية(الاستشهادية) الفلسطينية الأخيرة"، وتقول التقارير(13):"إن السور الواقي (الجدار) سيغطي ثلاثة جوانب من القدس شمال وجنوب وشرق، وهي الجهات التي يمكن الوصول منها إلى الضفة الغربية. وقد حضر وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر مراسم البدء في بناء السّور (الجدار)، وقد قامت الجرافات بالفعل بتسوية تلّة صغيرة لإفساح الطريق أمام السور (الجدار). وسيبلغ ارتفاع السّور (الجدار) حوالي 4،5 متر، ويقول المتحدّث باسم وزارة الدفاع أموس سارون إنه سيتم إكمال بناء أجزائه الشمالية والجنوبية في غضون ثلاثة أشهر".
مصادرة الأراضي وتجريفها:
في رسالة لممثل فلسطين لدى هيئة الأمم المتحدة آنذاك، ناصر القدوة لرئيس الأمن جون نغروبونتي في أوائل شهر تشرين أول/أكتوبر من العام 2004م، أكد القدوة "أن استمرار بناء الجدار العازل يعني استمرار الاستيلاء على الأراضي وفرض سياسة الأمر الواقع، والاستيلاء على الأراضي الزراعية، في انتهاك واضح وصريح لميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة، التي تم التأكيد عليها من قبل مجلس الأمن وتنطبق على الأراضي المحتلة عام 1967م. وأوضح أن الجدار التهم مساحات واسعة من الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى مخططات ضم شرق مدينة القدس المحتلة"، حيث طال الجدار الجهة الجنوبية منها، مما أدى إلى خنق المنطقة وعزلها عن محيطها.
وتمخّض عن إقامة الجدار ثلاث مناطق جغرافية، ونوعين من العوائق والمناطق الجغرافية، هي غلاف القدس، إذ تم عزل حوالي (300) ألف مواطن فلسطيني يعيشون في القدس مع الأحياء العربية، وذلك بعد إقامة جدار بطول (11) كيلو متر جنوب المدينة لعزلها عن قطاع بيت لحم، وحفر خنادق ووضع أبراج وحواجز في محيط المدينة. أما العوائق التي تم ترسيمها عبارة عن نوعين من العوائق، واحدة ضد الأشخاص وأخرى ضد السيارات، أما العائق ضد الأشخاص، فهو عبارة عن جدار الفصل العنصري، أما العوائق ضد السيارات، فتتضمّن أسيجة وقنوات عميقة، على أن تمر السيارات من معابر مؤقتة يتم من خلالها نقل البضائع من شاحنة إلى أخرى(14).
وتتحدث المخططات عن تشكيل (10) سرايا من حرس الحدود الإسرائيلي لتعزيز القوات على طول خط التماس، شكلت منها خمس سرايا للعمل في غلاف القدس. وبلغت مساحة الأراضي المجرّفة في القدس (7946) دونماً، وهذه الأراضي المصادرة والمجرّفة ليست أراضي بور، وليست عبارة عن صحراء، بل هي أخصب الأراضي الزراعية في فلسطين، وأجمل المحميات الطبيعية، وقد تأثرت التجمّعات السكانية، حيث فقد الأهالي (2422) دونماً من أراضي القدس.
ويذكر مركز المعلومات الوطني الفلسطيني في الهيئة العامة للاستعلامات في تقرير حول واقع الجدار، صدر في ديسمبر/ كانون أول 2003م، أنه منذ التاسع والعشرين من شهر مارس/ آذار 2003م، بدأت القوات الإسرائيلية بحملة محمومة للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وضمّها إلى "إسرائيل"، لإقامة الجدار الفاصل والمناطق العازلة، بما فيها غلاف القدس.
وتتجلّى الآثار السلبية المترتّبة على إقامة الجدار في تهجير السكان من مدينة القدس المحتلة، وتخفيض عدد السكان العرب داخل المدينة، والحفاظ على ما تسميه بالتوازن الديمغرافي، وهذا ما أكدت عليه جيسيكا مونتل، المدير العام لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسليم". ولهذا السبب عملت "إسرائيل" على ضمّ أراضي قرية النعمان شرق بيت لحم، والتي تتاخم حدودها مدينة القدس المحتلة، بقصد تهجير سكانها بالقوة.
اسم التجمّع |
المساحة الكلية |
المساحة المصادرة |
نسبة المساحة المصادرة |
بيت حنينا وشعفاط |
16250 |
15290 |
94% |
بيت صفافا، وشرفات |
5300 |
4510 |
85% |
الطور، والصوانة، والشياح |
2210 |
1510 |
68% |
العيسوية |
2700 |
2320 |
86% |
السواحرة الغربية، وسلوان، وراس العمود، وجبل المكبر، والثوري |
10050 |
7770 |
77% |
الشيخ جراح |
750 |
630 |
84% |
صور باهر، وأم طوبا |
7900 |
6570 |
83% |
وادي الجوز |
640 |
330 |
51.5% |
المجموع |
45800 |
38930 |
85% |
وأخذ زعماء الحركة الصهيونية استكمالاً للتوسع البشري يخطّطون للتوسّع الجغرافي، فبعد عدوان 1967م، تمسّك اليهود بمبدأ عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967م، وامتزجت الحجج الأمنية بادعاءات اقتصادية ودينية وسياسية. ولتثبت التوسع الإقليمي شرعت في خلق حقائق استيطانية بشكل مكثف في بعض المناطق العربية المحتلة بعامة وحول القدس الشرقية بخاصة، بما في ذلك جدار الفصل العنصري، وذلك لإزالة وتعديل حدود ما قبل 1967م.
موقف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان: "بتسليم"
على ضوء واقع الحياة الذي نُسِجَ في أجزاء كبيرة من المدينة، منذ ضمّ شرقي القدس إلى "إسرائيل" في العام 1967م، فإن كل حلّ أمني يعتمد على إقامة أحادية الجانب لمعيق محسوس، بما في ذلك الجدار الذي سيقام على الخط الأخضر، سيمس حقوق الإنسان بصورة قاسية. ينبغي على "إسرائيل" أن تحقق واجبها بالحفاظ على أمن مواطنيها بوسائل أخرى، تتمشى مع احترام حقوق الانسان لجميع الذين يعيشون تحت سيطرتها.
6- المضمون السياسي لجدار الفصل العنصري:
تدل القراءة السياسية العامة للجدار، بأنه تصميم لنماذج معسكرات الاعتقال التي كانت تؤسّس في التاريخ للدولة القاهرة الفاشية. وقُصد من خط الفصل أن يضع وراءه معظم المستوطنات الإسرائيلية، التي بُنيت شرق الخط الأخضر في أراضي الضفة الغربية، ومن ثم ضمّها إلى "إسرائيل". ويبلغ طول الخط الأخضر (وهو خط حدود الضفة الغربية قبل 5حزيران/يونيو 1967م) (307) كيلو متراً. أما طول خط الفصل فسيصل إلى (900) كيلو متر.
وإذا ما أخذنا القرارات الصادرة عن مجلس الأمن*(16) مثل 338 و 242 والتي تعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة "أراضٍ فلسطينية محتلة"، فسنجد أن قيام "إسرائيل" ببناء جدار الفصل، هو سرقة موصوفة للأراضي الفلسطينية تحت شعار الأمن، وانتهاك لحقوق الأنسان، وتخريب للبيئة الفلسطينية، لأن السلطات الإسرائيلية تقتلع مئات الآلاف من الأشجار، لكي تبني هذا الجدار، وهي مستمرة ببناء مستوطنات جديدة، وشَقّ طرق التفافية، وبناء نقاط تفتيش، وحواجز عسكرية ومناطق مغلقة، لتضع أكثر من مليوني مواطن تحت رحمة (400) ألف مستوطن إسرائيلي غير شرعي (200 ألف منهم في القدس الشرقية). ولكي تؤكد السلطات الإسرائيلية على أن خط الفصل ليس ترسيخاً للحدود، (لأنها تنوي ضم المزيد من الأراضي)، فهي تكرّر مقولة إن الخط يهدف إلى ضمان تحقيق أمن "إسرائيل" والمستوطنين. وقد أكد الإسرائيليون بمختلف فئاتهم (اليمينية واليسارية) بأن ليس لهذا الخط علاقة بأي حل للقضية الفلسطينية، وإنما هو مجرّد إجراء أمني وخطوة سياسية تكتيكية في مصلحة "إسرائيل" المستقبلية. ويُجمِع الإسرائيليون على تأييد خطة الفصل، بما في ذلك حزب العمل، حيث عبّر كل من حاييم رامون وبن يامين بن إليعازر وعميرام متسناع (الزعيم الجديد المستقيل للحزب) عن تأييدهم لخطة جدار الفصل. وجاء في برنامج حزب العمل الانتخابي للدورة الانتخابية في 28يناير/كانون الثاني 2003م:"في ظل غياب اتفاق سياسي، يحقق الخط فصلاً أمنياً عن الفلسطينيين".
وقد وصف زعماء حزب العمل جدار الفصل بأنه ليس مجرّد إجراء أمني فقط،وإنما هو إجراء تكتيكي سيشكل جزءاً من خطة السلام وسيحولها إلى حقيقة، إن أتيحت لهم فرصة العودة إلى سُدّة الحكم. وأصدر بن يامين بن إليعازر (وزير الدفاع معظم فترة رئاسة شارون الأولى للحكومة الإسرائيلية) أوامر متكرّرة لتنفيذ بناء الجدار، حتى أنه أصدر أوامره لبناء خمسة معابر في المناطق التي يلتقي فيها الخط الأخضر مع خط الفصل، آخذاً بعين الاعتبار أنه سيتم بناء خط للفصل. "وتقول سلطات المطارات إن بناء المعابر مخطط له حتى قبل بدء الانتفاضة"(17)، وهذا يعني أن جدار الفصل هو جزء من خطة أكبر تمتد جذورها إلى ما قبل الانتفاضة.
وباختصار، ينطوي البعد السياسي لبناء الجدار على تكريس الحقائق المادية التي أوجدتها سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية منذ حرب حزيران/يونيو 1967م، من استيطان ومصادرة أراضي وإجراءات عقابية بحق الفلسطينيين، كالحصار والعزل والأطواق والاعتقالات الجماعية، وبالتالي تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتحويلها إلى معازل على مساحة لا تتجاوز نسبة 42% من مساحة الضفة الغربية، وِفق رؤية وبرنامج شارون للحل المؤقت. ويحول هذا الجدار دون قيام أي شكل لدولة فلسطينية عاصمتها القدس، فالجدار يطمس فكرة قيام الدولة نهائياً.
وجاء قرار الحكومة الإسرائيلية بإقامة جدار الفصل واستغلاله لأسباب سياسية، وهو التخلُّص من السكان العرب الذين يسكنون داخل حدود البلدية، وإخراجهم خارج الجدار (منطقة شمال القدس) ومنطقة شمال شرق القدس، وشرق القدس، الأمر الذي يعني إخراج ما يزيد عن (100) ألف مواطن مقدسي خارج حدود البلدية، وبالتالي حسب القانون الإسرائيلي من يسكن خارج حدود "دولة إسرائيل" لمدة سبع سنوات يفقد حق الإقامة فيها.
وهذا يعني أن جدار الفصل الذي يقام الآن تحت حجج أمنية هو بعيد كل البعد عن الأمن، بل جاء لتحقيق مجموعة من الأهداف(18):
أ- هدف سكاني وهو التقليل من نسبة السكان العرب داخل حدود بلدية القدس.
ب- تنفيذ الرؤية الإسرائيلية بإقامة القدس الكبرى، وضم جميع المستوطنات الواقعة شرق المدينة أو شمال غرب المدينة (جبعات زئيف).
ج- وضع مدينة القدس في قلب "دولة إسرائيل"، كعاصمة سياسية إدارية حضارية.
وسيؤثر وضع الجدار على مفاوضات المرحلة النهائية على اعتبار أن "إسرائيل" تقوم بفرض الوقائع على الأرض، وهذه الحقائق تشمل المصادرة واستغلال قانون الغائبين وجميع القوانين الأخرى، سواء أكانت صادرة في الفترة البريطانية (قوانين الطواريء) أو بعدها، مثل قانون أملاك الغائبين الصادر عام 1950م، وذلك من أجل حسم موضوع القدس، وخاصة أن السيادة الدينية حسب اتفاق وادي عربة بين الأردن و"إسرائيل" هي الأردن. وبالتالي إذا أخذنا بعين الاعتيار أن أكثر من 86% من مساحة القدس تقع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة، فإن المساحة المتبقية للفلسطينيين هي 14% فقط من مساحة القدس، وجاء قانون أملاك الغائبين للسيطرة على ما تبقى من ال14% الأمر الذي يعني أن هناك جهود حثيثة لحسم معركة القدس قبل مفاوضات المرحلة النهائية لصالح "إسرائيل"(19).
7- الآثار المترتبة على جدار الفصل العنصري:
يعتبر القرار الإسرائيلي بإنشاء جدار الفصل في محافظة القدس تتويجاً لسياسة عنصرية، مهّدت لها السلطات الصهيونية منذ الاستيلاء على مدينة القدس في حزيران/يونيو عام 1967م، فالجدار يقطع أيضاً نسيج الحياة اليومية للمجتمع الفلسطيني، هذه الحياة التي لا تعني شيئاً لمصمّمي الجدار كما يقول أفنيري:"فالضفة الغربية خالية من غير اليهود"، وذلك تجسيداً للأسطورة التي روّجتها الصهيونية عن فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر:"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"(20).
فقد عمل الجدار على تقسيم محافظة القدس إلى ثلاثة مقاطع معزولة عن بعضها البعض من جهة، وعن باقي مدن ومحافظات الضفة الغربية من جهة أخرى، بحيث عزلت البلدة القديمة مع مجموعة من الأحياء المحيطة- بناءً على المخطط الهيكلي لبلدية القدس الإسرائيلية المعدل في العام 1998م- عن أيّ امتداد وتواصل مع باقي المناطق المحتلة، فيما فصل الجدار الأحياء والضواحي الشرقية للمحافظة عن المدينة، وأحيط بحواجز ونقاط تفتيش من كل الاتجاهات، وانقطع التواصل مع القرى والبلدات في الشمال، والشمال الغربي للمحافظة، وحال الجدار دون دخول المواطنين إلى المدينة، مما زاد من معانات المواطنين في المحافظة(21).
لم تقتصر التأثيرات السلبية لجدار الفصل العنصري في محافظة القدس على تقطيع أوصال المحافظة، وحرمان الآلاف من الوصول إلى المستشفيات والمدارس وأماكن العمل والعبادة، ومصادرة الأراضي والممتلكات، بل طالت هذه التأثيرات العائلات والأسر الفلسطينية على جانبي الجدار، فلم يراعِ مسار الجدار- الذي أعدّته وصادقت عليه الحكومة الإسرائيلية في مطلع العام 2002م- التشابك الجغرافي وعلاقة المجتمع الواحد لسكان المحافظة، بل تجاوز هذا المسار كل المواثيق والمباديء الإنسانية والقرارات الدولية المتعلقة بالوضع السياسي لمدينة القدس، فقد توغل الجدار مسافة تزيد عن أربع كيلومترات شرقي الخط الأخضر، مما أوقع قرابة (200) ألف فلسطيني داخل نطاق حدود بلدية القدس الإسرائيلية، فيما حرم أكثر من (200) ألف فلسطيني من سكان الضواحي من دخولها، وحصرت أحياء بكاملها على جانبي الجدار، لتشكل معازل منفصلة عن أي امتداد وتواصل فيما بينها، فقد كانت المناطق والضواحي الشرقية لمدينة القدس من أكثر المناطق تضرُّراً، حيث حصر الجدار (60) ألف نسمة من سكان هذه الضواحي داخل قراهم، وقد برزت جراء هذا الواقع جملة من القضايا المهمة تتعلق بواقع العائلات الفلسطينية التي فصلها الجدار(22).
وكان ذلك أكثر وضوحاً في بلدة السواحرة بشقيها الغربي والشرقي التي يبلغ عدد سكانها (25) ألف نسمة، حصر منهم (10) آلاف شرقي الجدار، وهم من حملة هوية الضّفة الغربية، ترتّب على هذا التقسيم تفرقة عائلات كاملة عن بعضها، مثل: عائلة (عبيدات) وعائلة (شقيرات والجعافرة)، في حين حرم السكان من حملة هوية الضفة الغربية من دفن موتاهم وزيارة القبور في الجهة الغربية من الجدار. في بلدات (العيزرية وأبو ديس) عزل الجدار أحياء بأكملها بسكانها عن هذه البلدات، ففي حي (أم الزرازير) غربي (أبو ديس) والذي تسكنه عشر أسر من عائلة (عياد) تضم (51) فرداً (وهم من حملة بطاقات مختلفة)، تم اقتطاع هذا الحي من بلدة (أبوديس)، بحجة ضمّه إلى المخطط الهيكلي لبلدية القدس في العام 1994م، وقد فقد سكانه أي اتصال مع البلدة، في حين تقوم سلطات الاحتلال منذ أكثر من سنة بممارسة الضغط على السكان، لحملهم على ترك بيوتهم وأراضيهم، والتوجه إلى شرقي الجدار (أبوديس)، وقد صدر قرار من وزارة الدفاع الصهيونية في شهر تموز/يوليو2004م، يطالب (23) فرداً من أفراد هذه الأسر بمغادرة المنطقة خلال مدة عشر أيام من تاريخه، بحجة أنهم يقيمون في بيوتهم وممتلكاتهم بشكل غير قانوني، بعد أن قامت سلطات الاحتلال بضم المنطقة التي يسكنون فيها دون السكان إلى حدود بلدية القدس المصطنعة، فيما يعد ذلك انتهاكاً خطيراً لأبجديات حقوق الإنسان، حيث فرّق هذا القرار بين الإخوة والأبناء والآباء. ولدى توجّه عائلة (عياد) مجتمعة إلى القضاء الإسرائيلي للبحث عن حلّ لمشكلتهم، صدر قرار مؤقت من مكتب وزير الأمن الداخلي الصهيوني يوم 23 أيلول/سبتمبر 2004م، بالسماح لهم بالبقاء في منازلهم حتى يتم النظر بالقضية في المحكمة(23).
ولم يكن حي (خلة عبد) في (أبوديس) بأحسن حال، فقد تم استهداف الحي منذ اليوم الأول من البدء ببناء الجدار، عندما استولى مجموعة من المستوطنين على بيتين في الحي، وتم تأمين الحماية لهم من قوات الاحتلال الصهيوني، وذلك تمهيداً لإنشاء بؤرة استيطانية في الحي، كما تبع ذلك صدور قرار عن وزارة الدفاع الصهيونية بتاريخ 23 تموز/يوليو 2003م بمصادرة (43) دونماً من الأراضي الزراعية للحي نفسه لصالح استكمال بناء الجدار، ووجهت سلطات الاحتلال إنذاراً لعائلة (القنبر) المقيمة في الحي، تطالبهم فيه بإخلاء بيوتهم ومغادرة المنطقة بحجّة الإقامة على أراضٍ أصبحت من أملاك الدولة. ويضم هذا الحي أكثر من ثلاثين فرداً من العائلة نفسها يحملون بطاقات هوية مختلفة(24).
كذلك فإن الجدار الفاصل قام بشقّ حي (صوانة صلاح)، بالقرب من جامعة القدس في (أبوديس) إلى قسمين، مما قسّم عائلة (السرخي) على جانبي الجدار، فيما وقعت العديد من المنازل الأخرى- التي كانت تابعة لمدينة القدس والتي اعتاد سكانها على دفع الضرائب و"الأرنونا" إلى بلدية القدس- في الجهة الشرقية للجدار. استهدفت "إسرائيل" العائلات مختلفة الهوية بشكل ملحوظ بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، من خلال إجراءات سحب هوية المقدسيين والمقدسيات الذين يقيمون مع عائلاتهم خارج حدود بلدية القدس، وعدم السماح لأفراد عائلاتهم من حملة هوية الضفة الغربية أو قطاع غزة بالإقامة في القدس، وذلك استكمالاً لسياسة التهويد التي تمارسها "إسرائيل" ضد مدينة القدس. ظهرت انعكاسات هذه السياسة جليّة وواضحة بعد أن تم بناء جدار الفصل العنصري، حيث ترتّب عليها تشتيت (800) أسرة من حملة الهويات المختلفة على طرفي الجدار في منطقة (أبوديس والعيزرية والسواحرة الشرقية)، هذه الأسر تواجه اليوم مستقبلاً غامضاً تحديداً بعد تجميد إجراءات لمّ الشمْل من قِبل الحكومة الإسرائيلية في العام 2002م، بحيث لم يترك أمام هذه العائلات أي خيار للتواصل والعيش المستقر(25).
إن التعامل الإسرائيلي مع قضية لمّ شمْل العائلات الفلسطينية، ينطلق من مصلحة "إسرائيل" ورؤيتها في عدم تهديد الطابع اليهودي والأغلبية الصهيونية في مدينة القدس، مما يحرم هذه العائلات في الوقت الراهن من أن يعيشوا في بيت واحد وفي أسرة واحدة في المدينة، في الحفاظ على انتمائهم للمدينة المقدسة، والحفاظ على تواصلهم مع أفراد أسرهم في الضفة، بعد الانتهاء من بناء جدار الفصل، وخاصة إذا طبق بحق المقدسيين القرار المعلن من قبل الحكومة الصهيونية بمنع أهالي القدس من التوجه إلى الضفة الغربية، ابتداءً من شهر تموز/يوليو 2005م، أسوةً بباقي الأهل من العرب في فلسطين المحتلة عام 1948م(26).
لقد التصقت هذه التبعيات والآثار السلبية بواقع بناء الجدار حول مدينة القدس، فهي تبرز وتتفاقم أينما وجد الجدار، ففي شمال المحافظة قسم الجدار ضاحية (السلام) غربي قرية (عناتا) شمال القدس إلى شطرين، في حين تسلّمت (100) أسرة من سكان الضاحية من حملة هوية الضفة الغربية إشعارات بمغادرة منازلهم وأملاكهم، كذلك الأمر في ضاحية (البريد والرام وسميراميس والمطار وأم الشرايط) الواقعة في شمال القدس، والتي فصلها الجدار عن المدينة، حيث يحمل جزء كبير من هؤلاء السكان الهوية الزرقاء، وينطبق الأمر على الشمال الغربي من المحافظة، حيث أخرجت عشرات العائلات المقدسية من نطاق المدينة(26).
أما على المستوى الاقتصادي فقد استثمر الفلسطينيون خلال (35) عاماً أموالاً طائلة في شمال القدس، والسبب في ذلك قلة الضرائب وسهولة الحصول على تراخيص البناء، مما أدى إلى إنعاش السوق التجاري والمصانع في المنطقة. وجاء جدار الفصل لضرب هذه المصالح الاقتصادية عن طريق عزْل المنتج عن المستهلك، إضافة إلى ارتفاع قيمة المواد المصنّعة، لطول المسافات بين شمال القدس والمدينة، بسبب الحواجز وارتفاع التكاليف، الأمر الذي أدى إلى القيام بهجرة اقتصادية باتجاه مدينة رام الله، وتدمير مبرمج للقاعدة الاقتصادية في شمال القدس (المنطقة الصناعية)(27).
وفي دراسة لمعهد إسرائيل لأبحاث القدس عن أثر الجدار عن الحياة الاجتماعية في القدس، تبيّن أن الكثافة السكانية في المنطقة العربية (القدس) تبلغ (2.3) فرد للغرفة الواحدة، بينما في الجانب الإسرائيلي (1.1) فرد للغرفة الواحدة. ونتيجة للهجرة التي تجري الآن من المناطق الواقعة خلف الجدار إلى منطقة القدس، والتي بلغت حسب الدراسات الإسرائيلية (300) فرد في الأسبوع، فقد ازداد الضغط على الوحدة الجغرافية، أي طرأ ارتفاع على الكثافة السكانية مما أدى سلباً على مجمل الأوضاع الاجتماعية، ونذكر منها ظاهرة ارتفاع عدد حالات الطلاق التي وصلت عام 2003م، حسب دراسات المحاكم الشرعية إلى حوالي 15%، ونذكر أيضاً ظاهرة استئجار المنازل وارتفاع قيمة الإيجار التي وصلت إلى (700) دولار للوحدة السكنية متوسطة المساحة والمواصفات. ناهيكم عن انعكاس ذلك على الوضع التعليمي والجامعي، وتفشي ظاهرة التسرّب من المدارس والجامعات بحثاً عن العمل(28).
كما يؤثر بناء الجدار على خدمات التعليم بمستوياتها المختلفة، بما في ذلك الطلبة والمعلمين. ويؤثر أيضاً على تشغيل مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة لهيئة الأمم المتحدة (الأونروا)، ويمنع وصول الطلاب اللاجئين إلى مدارس (الأونروا) والسلطة الوطنية الفلسطينية(29).
|
الموقع
|
داخل/خارج الجدار
|
عدد الطلاب
|
عدد الطلاب من الخارج
|
عدد المعلمين
|
عدد المعلمين من الخارج
|
متضرر
|
متضرر
|
أبوديس بنات
|
أبوديس
|
خارج
|
618
|
4
|
4
|
21
|
6
|
6
|
عايدة بنات
|
مخيم عايدة
|
خارج
|
733
|
3
|
3
|
28
|
1
|
1
|
بيت جالا بنين
|
بيت جالا
|
خارج
|
601
|
1
|
1
|
26
|
6
|
6
|
بيت صفافا
|
بيت صفافا
|
داخل
|
70
|
0
|
0
|
5
|
0
|
0
|
القدس بنين
|
واد الجوز
|
داخل
|
204
|
50
|
39
|
12
|
7
|
7
|
القدس بنات
|
سلوان
|
داخل
|
196
|
5
|
5
|
15
|
5
|
5
|
شعفاط بنين إبتدائي
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
469
|
0
|
0
|
18
|
10
|
10
|
شعفاط بنين إعدادي
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
460
|
3
|
3
|
12
|
9
|
8
|
شعفاط بنات
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
1480
|
178
|
13
|
46
|
34
|
34
|
صور باهر
|
صور باهر
|
داخل
|
542
|
26
|
26
|
20
|
0
|
0
|
إجمالي
|
|
7246
|
296
|
95
|
263
|
87
|
المدرسة
|
الموقع
|
داخل/خارج الجدار
|
عدد الطلاب
|
عدد الطلاب من الخارج
|
عدد المعلمين
|
عدد المعلمين من الخارج
|
متضرر
|
متضرر
|
أبوديس بنات
|
أبوديس
|
خارج
|
618
|
4
|
4
|
21
|
6
|
6
|
عايدة بنات
|
مخيم عايدة
|
خارج
|
733
|
3
|
3
|
28
|
1
|
1
|
بيت جالا بنين
|
بيت جالا
|
خارج
|
601
|
1
|
1
|
26
|
6
|
6
|
بيت صفافا
|
بيت صفافا
|
داخل
|
70
|
0
|
0
|
5
|
0
|
0
|
القدس بنين
|
واد الجوز
|
داخل
|
204
|
50
|
39
|
12
|
7
|
7
|
القدس بنات
|
سلوان
|
داخل
|
196
|
5
|
5
|
15
|
5
|
5
|
شعفاط بنين إبتدائي
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
469
|
0
|
0
|
18
|
10
|
10
|
شعفاط بنين إعدادي
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
460
|
3
|
3
|
12
|
9
|
8
|
شعفاط بنات
|
مخيم شعفاط
|
خارج
|
1480
|
178
|
13
|
46
|
34
|
34
|
صور باهر
|
صور باهر
|
داخل
|
542
|
26
|
26
|
20
|
0
|
0
|
إجمالي
|
|
7246
|
296
|
95
|
263
|
87
|
آثار الجدار العازل على الأديرة حول القدس
استنكر الأرشميندريت عطا الله حنا، الناطق الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة بشدة، ورفض رفضاً قاطعاً بناء الجدار الفاصل، الذي يعتبره عنصرياً وغير أخلاقي ولا إنساني أيضاً. وقال الأب حنا(31):"إن هذا الجدار يهدف إلى عزل الشعب الفلسطيني عن العالم، وجعل الإنسان الفلسطيني يعيش وكأنه في سجن كبير، ويجعل التنقل من مكان إلى آخر أشبه بالمعجزة"، وأوضح الأرشمندريت عطا الله "أن الكثير من الأديرة والكنائس تضرّرت نتيجة مصادرة الكثير من الدونمات"(32)، لذك قامت هذه الكنائس والأديرة بالتحرّك والاتصال ضد هذا الجدار الذي يهدّد الكنائس والمدارس المسيحية وغيرها من المؤسسات الكنائسية، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي يتكبّدها الإنسان الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، نتيجة بناء هذا الجدار. وناشد الأب حنا العالم بأسره، خاصة المرجعيات الدينية والمسيحية وغيرها العمل على إزالة هذا الجدار، لأنه يهدّد بكارثة إنسانية كبيرة.
أما الأب عبد المسيح فهيم من حراسة أملاك الأراضي المقدسة فقال(33):"بالنسبة لنا نحن نرفض شكلاً وموضوعاً هذا الجدار، وإن هناك محاكم بيننا وبين الجانب الإسرائيلي بهذا الخصوص"، وأضاف إلى:"أن الجدار يُعيق دخول وخروج المسيحيين من وإلي العيزرية، كذلك رجال الدين والسائحين مما يؤكد خرْق الاتفاقية الموقَّعة مع الجانب الإسرائيلي التي تنصّ على تسهيل حركة الحجاج المسيحيين إلى كنائسهم في العيزرية. كما أن الجدار تسبّب في خسارة كبيرة في أراضي دير بيت فاجي، إذ أنه بني في أراضي الدير، وبدون إذن مسبق منه، وهذا ما يناقض الاتفاقة المذكورة سابقاً في احترام أملاك وأراضي الأديرة والكنائس، كما تضرّر الكثير من الأشياء مثل اقتلاع الأشجار وهدم الأسوار".
وأشار إلى:"أن منطقة ضاحية البريد حيث يقيم الكثيرون من أتباع الكنيسة المسيحيين، قام الجدار بفصلهم عن كنائسهم، فهم لا يستطيعون الدخول والخروج لإقامة الجنازات ودفن موتاهم. وبمنع طلاب المدارس من الوصول إلى مدارسهم- كما مر سابقاً- أو المشاركة في الاحتفالات الدينية".
وتحدث الأب رازميك، رئيس دير الأرمن في بيت لحم لمجلّة "البيادر السياسي" الفلسطينية، "عن الصعوبات التي تواجههم في الوصول إلى دير الأرمن الذي أصبح خارج الجدار، مما أدى إلى هجرته، وحتى يتم الوصول إليه يتطلّب تصريح، وفي بعض الأحيان يرفض منحنا التصاريح"(34).
وقال الأب رازميك:"لقد قمنا مرات عديدة في تعمير وترميم الدير، إلاّ أن قوات الاحتلال الإسرائيلية تقوم في كل مرة بتدميره، وتدمير آثاره القديمة التي تدل على المكانة المسيحية له، وأيضاً تمنع العمال من العمل فيه، وقد استخدمته كنقطة مراقبة للمكان، وقامت بهدم أسواره، والآن أصبح مهجوراً بعد أن كانت تسكنه عائلتان، مشيراً إلى أنه كانت تسكنه كنسة والبطريك التابع له قبل ستين عاماً"(35). وأنهى حديثه قائلاً:"إن الجدار لا يجلب السلام، وما يجلب السلام هو طريق المفاوضات بين السلطة و"إسرائيل"، وإن الجدار بالنسبة لنا هوسجن ويتم من خلاله تعذيبنا"(36).
أما محامي الأرمن وبطريركية الروم الأرثوذكس، رائد اعمية فقال:"نحن نقوم بمتابعة القضية مع الجانب الإسرائيلي، وخاصة فيما يتعلق بالموضوع مع الجانب الفلسطيني، في ملاحقة هذا الموضوع من حيث الأضرار، وكيفية حماية الأراضي من أي اعتداء داخلي، مثل أراضي دير اللطرون الأرمني التي تضرّرت من جانبين. الأول نتيجة اجتياح بيت لحم، والثاني نتيجة اقتحام الدير، وسرقته واقتلاع كافة أبوابه ونوافذه والذي كان يأوي عائلتين أرمنيتين"(37).
وأشار اعمية:"إلى أن حفر الخندق أدى إلى تقسيم أرض الأرمن، وهي ما يعادل (21) دونماً من أراضي البطريركية، وأنه قام برفع قضية لوقف الاعتداء الإسرائيلي على الأرض، ونتيجة لهذه القضية تم تعديل خط سيره باتجاه السور (الجدار) إلاّ أنه في هذه العملية تسبب بأضرار لأرض الدير، حيث يتعرج السور (الجدار) بشكل جانبي على أرض الدير بمحاذاة مخيم عايدة، والذي ألحق ضرراً ب (18) دونماً، صافي مجمل ما يعادل (40) دونماً. هذا عدا عن اقتلاع أشجار الدير، وحرقه، وسرقته، نتيجة إطلاق النار عليه، واستخدامه ثكنة عسكرية لمراقبة الموقع. مضيفاً إلى أن دير بطريركية الروم الأرثوذكسية المحاذية لمنطقة الحاجز العسكري لبيت لحم، والتي تمتد إلى (300) متر حتى منطقة جروم الحمّص تواصلاً إلى مار إلياس، وتم شق الشوارع فيها وأصبحت نقطة تواصل أو ارتباط حيث تضرّر هذا الدير من الجدار (86) دونماً، وإن هذه الأراضي أتلفت بالكامل وشقت إلى قسمين: خارجة وداخلة"(38).
وأوضح المحامي اعمية إلى:"أن هناك قسماً آخر في منطقة الراس في بيت جالا هو دير الراهبة كترينا "الإفريست"، حيث لحق ضرر في منطقة دير الروم، خصوصاً وأن الجدار يمر في وسطها، وخاصة مع وجود كنيسة بيزنطية يعود تاريخها إلى مئات السنين، وتقدّر الأضرار في هذه المنطقة بما يعادل (40- 42) دونماً، يتم فقدانها بالكامل وخصوصاً أن عرض الشارع سوف يكون (48) متراً"(39). مشيراً إلى أن أراضي الوقفية الأرثوذكسية بمثابة مدينة صغيرة ومحاطة من جميع الجهات، كذلك لا يوجد احترام لا لكنيسة ولا لدير، حتى رجال الدين لا يستطيعون الوصول إلى الأديرة، مشيراً إلى أن الأب المسؤول عن الدير تعرض لأكثر من مرة إلى إطلاق نار، حين عودته إلى الدير. وأنهى حديثه قائلاً:"إن دير بيت فاجي تم بناء الجدار في وسط أراضيه، وما تبقى من أراضيه للبطريركية داخل الجدار. وتعرضت أراضي بيت فاجي إلى أضرار كبيرة، ولكن أراضيه خارج الجدار. أما فيما يتعلق بالأراضي داخل الجدار فلا نستطيع متابعتها بسبب موقعها داخل الجدار"(40).
وأجمعت جميع راهبات الأديرة في منطقة الشيّاح، عند مفترق أبو ديس، على أن الجدار بمثابة سجن فُرض عليهم، وأن هناك صعوبة في وصول الأولاد إلى الأديرة، وعدم منحهم تصاريح من الحكومة الإسرائيلية، وأن الجدار نهب معظم أراضي الأديرة، وخاصة دير بيت فاجي، الذي تعرّض إلى سلْب قسم كبير من أراضيه لبناء الجدار(41).
وعندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 8 ديسمبر/كانون أول من عام 2003م من محكمة العدل الدولية إعطاء الرأي الاستشاري، عما إذا كانت المحكمة تملك سلطاناً قضائياً لإعطاء الرأي الاستشاري، أوضحت المحكمة أهليتها وصلاحيتها في هذا المقام، مستندة إلى البند (65) الفقرة "1"، من قانونها الأساسي، الذي يمكن للمحكمة بموجبه "أن تعطي رأياً استشارياً، بشأن أي سؤال أو قضية قانونية تطلب رأيها فيها، أي هيئة مخوّلة من قِبل، أو بموجب ميثاق الأمم المتحدة، للتقدّم بمثل هذا الطلب". كما اعتبرت المحكمة:"أن موضوع بحث طلب الجمعية العمومية لا يمكن اعتباره مجرد مسألة ثنائية بين "إسرائيل" وفلسطين. ومع أخذ سلطات ومسؤوليات الأمم المتحدة في الاعتبار، في المسائل التي تتعلق بالسلام والأمن العالميين، فإن رأي المحكمة هو أن بناء الجدار يجب اعتباره محط اهتمام مباشر للأمم المتحدة. وتنبع مسؤولية الأمم المتحدة في هذه المسألة من الانتداب وقرار التقسيم المتعلق بفلسطين"(42). وقد كان الرأي الاستشاري للمحكمة واضحاً وجليّاً بعدم قانونية البناء للجدار. إلاّ أن الموقف الفلسطيني بخاصة والعربي والإسلامي بعامة لم يستثمر رأي المحكمة دوليّاً، بالشكل الذي يؤهلهم للتصدّي ولمنع "إسرائيل" من الاستمرار في بناء الجدار بل وإزالته.
إن الحل الأمثل لقضايا ومتعلقات الجدار وما أنتجه وينتجه من معاناة إنسانية للمواطنين في المحافظة، لا يتأتى إلا من خلال إزالته، وإبطال كل الإجراءات والتدابير الناجمة عنه.
الهوامش:
(1) دراسة بعنوان:"جدار الفصل العنصري عقدة- الغيتو- الصهيوني تعود من جديد.. وتطبق على الفلسطينيين بتواطؤ مخجل من العالم"، قدمها المركز الصحافي الدولي، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، ص2.www.asharqalarabi.org.uk/center/dirasat-j-f.htm
(2) مجلة الدفاع الوطني، العدد 49، في 1/7/2004م، بحث، أحمد أبو هدبة،"جدار الفصل العنصري:إسرائيل تسجن نفسها وتحلم بالترانسفير"، ص1-2.
(3) دان شفتان،"الفصل الإجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني"، إصدار جامعة حيفا، ترجمة أحمد أبو هدبة، نشر مركز باحث للدراسات، بيروت.
(4) مجلة الدفاع المدني، العدد 49، المرجع السابق، ص2.
(5) شبكة الإنترنت للإعلام العربي، عبد الرؤوف أرناؤوط،"الجدار حول القدس"، القدس، بتاريخ 10/7/2005 Arabic Media Internet Network
(6)* قيمة الشيكل الإسرائيلي (3،55) من الدولار الأمريكي
(7)المصدر: موقع نداء القدس، وكالات، 19/4/2006م
(8)* انظر خارطة الحاكم العسكري الإسرائيلي حول إقامة الجدار في شمال القدس، ص423.
(9) المركز الصحافي الدولي، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، المرجع السابق، ص8.
(10)* الغيتو: هو المعزل الذي كان اليهود يقيمونه في المدن كحي خاص لهم.
(11) BBC ARABIC.com في 30 يونيو/حزيران 2002م،
(12)BBC ARABIC.com في 30 يونيو/حزيران 2002م،
(13) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
(14) المركز الصحافي الدولي، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، المرجع السابق، ص12.
(15)* يوسف كامل إبراهيم،"جدار الفصل العنصري في القدس ماذا وراءه؟"، الشبكة الإسلامية، الأقصى في خطر، مجلة البيان 232، الإثنين 2/4/2007م.
(16)* أنظر الملاحق الأجنبية، بعض قرارات مجلس الأمن عن بيت المقدس، ملحق رقم (1)، ص 540.
(17) صحيفة هآرتس العِبرية، 29/10/2002م.
(18) حوار مح خليل التفكجي،"الجدار حول القدس- أبعاد ومخاطر"، معهد إريك للمصالحة، التسامح والسلام.
(19) المرجع نفسه.
(20) الكتاب الإحصائي السنوي، القدس، 1998م.
(21) عدنان السيد حسن،"الخطة الإسرائيلية بعد غزة"، صحيفة الخليج الأماراتية، 30/8/2005م.
(22) يوسف كامل إبراهيم،"جدار الفصل العنصري في القدس ماذا وراءه؟"، مجلة البيان.
(23) عبد الوهاب صباح،"الجدار في محافظة القدس"، مركز القدس للديمقراطية وحقوق الإنسان.
(23) عبد الوهاب صباح،"الجدار في محافظة القدس"، المرجع السابق.
(24) المرجع نفسه.
(25) المرجع نفسه،
(26) عبد الوهاب صباح، المرجع السابق.
(27) حوار مح خليل التفكجي،"الجدار حول القدس- أبعاد ومخاطر"، المرجع السابق.
(28) حوار مح خليل التفكجي،"الجدار حول القدس- أبعاد ومخاطر"، المرجع السابق.
(29) وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لهيئة الأمم المتحدة (الأونروا)، تقرير عن آثار الجدار على القدس، في يناير/كانون ثاني 2004م.
(30)* وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لهيئة الأمم المتحدة (الأونروا)، تقرير عن آثار الجدار على القدس، المرجع السابق.
(31) منى جبران،"آثار الجدار العازل على الأديرة حول القدس"، مجلة البيادر السياسي، العدد 858، القدس.
(32) المرجع نفسه.
(33) المرجع نفسه.
(34) منى جبران،المرجع السابق.
(35) المرجع نفسه.
(36) المرجع نفسه.
(37) المرجع نفسه.
(38) منى جبران،المرجع السابق.
(39) المرجع نفسه.
(40) المرجع نفسه.
(41) منى جبران، المرجع السابق.
(42) المرجع نفسه.
المصدر: مركز الشرق العربي للدراسات، 4/1/2011