انتصار الدنان - صيدا
07 فبراير 2021
قبل عشرة أعوام، انطلق المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية "هوية"، وهدفه حفظ الذاكرة الفلسطينية ونقلها من جيل إلى جيل، في سبيل خدمة عودتهم إلى بلداتهم الأصلية في فلسطين والعيش فيها بحرية وكرامة. ويشرح مدير مشروع "هوية"، ياسر قدورة، أنّ مشروعهم تأسس "انطلاقاً من قناعتنا بأنّ المشروع الصهيوني استهدف الإنسان بقدر ما استهدف الأرض في فلسطين، وروّج لنظرية أرض بلا شعب، وعمل جاهداً لفرض روايته بأنّ الفلسطينيين ليسوا أبناء هذه الأرض وأنّهم خرجوا منها طوعاً عام 1948. وفي الوقت ذاته، وجدنا أنّ مشاريع ومؤسسات كثيرة ركّزت في دراساتها وعمليات توثيقها على المدن والقرى بتاريخها وجغرافيتها من دون أن تتناول مكوّنات الشعب الفلسطيني، تحديداً العائلة الفلسطينية، باستثناء عدد قليل من العائلات التي كان لها حضور سياسي أو دور اقتصادي في البلاد. بالتالي، كان مشروع هوية للعناية بتوثيق تاريخ كل عائلة فلسطينية وتثبيت حقها في موطنها فلسطين".
ويوضح قدورة أنّ "مشروع هوية لم يكن لمجرّد التوثيق وإعداد أرشيف يشبه عددا كبيرا من السجلات والوثائق المتوفرة لدى الدول والمنظّمات، إنّما أردنا أن يكون هذا التوثيق ذا فائدة، من خلال تحقيق أهداف عدّة، أبرزها توفير رواية متكاملة مدعومة بالشواهد والوثائق لكل فرد فلسطيني للمطالبة بحقه في فلسطين. فالذاكرة الشفوية وشجرة العائلة والصورة والوثيقة كلها أدوات لخدمة الرواية الفلسطينية التي يحملها أي فرد أو أي عائلة".
ويسعى مشروع "هوية"، من خلال نشاطه وفعالياته، إلى تعزيز التواصل والتلاحم ما بين أفراد العائلة الواحدة، وكذلك ما بين عائلات البلدة الواحدة، من خلال صور وطرق مختلفة. في حين يعمل على انخراط الشباب فيه من خلال نشاطات مختلفة، لأنّه المستهدف الأساس من "هوية".
يضيف قدورة: "أمّا بالنسبة إلى برنامج الذاكرة الشفوية، فهو يهدف إلى تسجيل روايات شهود النكبة بالصوت والصورة، حرصًا على نقلها إلى الأبناء والأحفاد، بما فيها من معلومات مصحوبة بمشاعر الحنين والانتماء. وفي هذا الإطار، وثّقنا نحو 1000 مقابلة، معظمها من لبنان وسورية والأردن، بالإضافة إلى بعض المقابلات من أماكن أخرى. أمّا عن جمع شجرة العائلة الفلسطينية، وهو من أبرز المجالات التي تخصص فيها مشروع هوية، فقد بذلنا جهداً في بداية الأمر لجمع ما هو متوفّر في المراجع القديمة والمواقع العائلية، قبل أن ننتقل إلى العمل الميداني والإلكتروني مع العائلات بشكل مباشر. وقد تمكنا من جمع أكثر من ستّة آلاف شجرة عائلة منتشرة في القارات الخمس". ويتابع أنّ "بنك الصور، من جهته، يعمل على جمع الصور القديمة والحديثة للبلدات والعائلات الفلسطينية، وقد تجاوز عدد الصور في موقع هوية 27 ألف صورة، 21 ألفاً منها تتناول العائلات والأفراد، وستة آلاف صورة للمدن والقرى الفلسطينية. وكان التركيز الأساسي على صور من وُلدوا في فلسطين قبل النكبة".
ويلفت قدورة إلى "برنامج تدريب حول الهدف المرجوّ من المشروع، استهدف فئة الشباب بالدرجة الأولى، وقام على دورات سريعة خاصة بتوثيق العائلة والبلدة الفلسطينيتين، وتتضمن تعريفاً بعلم الأنساب وأهميته وضرورة الاستفادة منه في البعد الوطني، بالإضافة إلى شرح عدد من قواعد العمل ومصادر المعلومات وتحليل الوثائق التاريخية. وقد شارك في هذا البرنامج أكثر من 400 شاب وشابة من دول عدّة".
يُذكر أن مشروع "هوية" نظّم، في خلال الأعوام الماضية، فعاليات تخدم فكرته بشكل مباشر، فكانت ملتقيات مع جمعيات وروابط القرى بشكل سنوي، ومشاركات في معارض بهدف التعريف بالبلدات الفلسطينية، خصوصاً تلك التي هُدمت. أمّا أبرز الفعاليات فهي "يوم القرية الفلسطينية" الذي ينظم سنوياً ليركز على قرية فلسطينية بكل تفاصيلها وسكانها وتراثها، ويجمع عائلات البلدة في يوم تراثي طويل.
وعن التحديات التي واجهت مشروع "هوية"، يقول قدورة إنّ "التحدي الأبرز هو التعاطي مع العائلة الفلسطينية المنتشرة في مساحات جغرافية واسعة ومتباعدة وفي ظروف وبيئات متعددة. ثمّ جاءت أحداث سورية التي أدّت إلى تهجير عشرات آلاف العائلات الفلسطينية، وكانت بمثابة نكبة جديدة أدّت إلى مزيد من تشتيت العائلات وتفكيكها، تبعتها موجة هجرة جديدة لعائلات فلسطينية كثيرة من لبنان. وقد زاد هذا الأمر من صعوبة الإحاطة بملف العائلة الفلسطينية بالعموم. أمّا في ما يخصّ الفرص، فكان أبرزها ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ صار لكلّ بلدة فلسطينية صفحاتها الخاصة على هذه المواقع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عائلات كثيرة أنشأت صفحات ومدونات. وصار متاحاً التسجيل والتوثيق مع أشخاص عبر القارات. وبفضل ذلك، صار التعرّف على العائلات الفلسطينية التي هاجرت إلى أميركا اللاتينية، مطلع القرن الماضي مثلاً، أمراً متاحاً وسهلاً.
ومع حلول الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس مشروع "هوية"، أطلق موقعه الإلكتروني الجديد، الذي يمكّن المستخدم من الوصول إلى المعلومة بشكل أسهل وأسرع. والمميّز كان استحداث قسم الوثائق الذي يتضمن آلاف الوثائق المصنّفة وفقاً للعائلات والبلدات، من قبيل وثائق الزواج وبطاقات الهوية وطلبات الحصول على الجنسية، وأخرى جُمعت من العائلات أو استُخرجت من سجلات عدّة أفرجت عن بعض ما لديها من وثائق تاريخية. ويُصار إلى تحديث هذا القسم بشكل يومي ليضمّ مزيداً من الوثائق.ويؤكد قدورة أنّ "مشروع هوية يتطلّع في المرحلة المقبلة إلى زيادة انتشار فكرته بين أبناء شعبنا الفلسطيني، فيُشتمَل الداخل كما الخارج بجغرافيته الواسعة، خاصة القارتين الأوروبية والأميركية. فيكون الجميع شركاء في الحفاظ على الجذور والهوية". ويشير إلى أنّ "يتطلب منّا تنويع الوسائل وزيادة عدد البرامج واعتماد أكثر من لغة في هذا المشروع. هذه المسؤولية ننظر إليها كواجب وطني حتى مع تحقيق العودة، إن شاء الله".