أنا خليل إبراهيم قاسم القط من أم الفرج قضاء عكا – مواليد 1926.
أم الفرج تقع غربي النهر، ومن جهة العرب هناك المزرعة ونهاريا (فيها يهود)، جاء هؤلاء اليهود واشتروا أرض التويني وعملوها نهاريا.
أم الفرج جميلة فيها ليمون وزيتون وسهل، تحدها الكابري من جهة القبلة (القبلية)، وتحدها من الشمال الزيب والبصة.
من عائلات أم الفرج، بيت الحاج موسى، هويدي، القط، العريض، عبد العال، درا، أصلان، وزين الدين، وحسين العبد الله.
وكانت الحياة بالبلد صافية، لما طلعنا فكرت الناس أنه الوضع مثل 1936، حيث خرجت الى لبنان وعادت الى بلادها، نحن غادرنا إلى ترشيحا والكابري، ترشيحا هي الوحيدة التي كان فيها مقاومة، وفوقها قلعة جدّين، وشرق ترشيحا تأتي سحماتا وسبلان.
نحن الشعب الفلسطيني خرجنا بلا مقاومة، كنا مع محمد سعيد بترشيحا نطوق قرية جدّين المحتلة، ولكن جاءت الأوامر بالإنسحاب.
لقد بيعت فلسطين بيع.. نحن مستعدين لنحررها.. ولكن الدول العربية منافقة وخاينة.
مختار القرية محمد قاسم علي سالم، وقبله كان محمود الحاج موسى (أبو عيسى)، كنت أجلس عنده تحت النخيل، كان هناك مضافة خاصة.
كان في مدرسة.. ولكن قبل ذلك كان في شيخ إسمه حسن حسين سالم، وبعد ذلك أنشأت الحكومة البريطانية مدرسة بجانب جامع أم الفرج وكان فيها شيخ من سخنين يعلّم الأولاد، والشيخ اليمني من اليمن كان يعلّم عنا.
يا ريتنا متنا ولم نخرج من فلسطين، لقد أُهنّا هنا في لبنان. أنا مستعد أول واحد أدخل فلسطين وأموت هناك.
أما الجامع، فقد بناه أهل أم الفرج.. وكانوا يصلّون فيه.. وعندما لجأنا، أنا رجعت على البلد، وكانت كلها مدمّرة ولم يبق سوى الجامع. وبقي بيت أصلان في البلد، وعائلتين من بيت عبد العال.
كان يأتي للجامع شيخ من عكا نهار الجمعة، وعبد الحاج موسى كان يؤذن والناس يصلون خلفه.
بلدنا مسالمة ليس فيه دم بين ابنائها بعضهم البعض وليس فيها مشاكل.. الفقير الذي لا يملك بستان عايش مثله مثل أصحاب الملك.
خير الله كان كثير وهناك شغل كثير.
عند المرض كانت الحكمة كنا نذهب الى عكا وعند اليهود، كان في واحد إسمه "كيوي" وآخر "نتان".. وكانا جيدين.
كان عندنا مجبّر إسمه أسعد القط، أبي كان مجبّر ولا يأخذ نقود مقابل التجبير.. كان يُجَبِّر لله..
مياه القرية كانت تأتي من النهر، المياه تجري الى البلد لوحدها.
وكان هناك بيارات حول البلد، ومياه الباشا كانت تنزل من الكابري الى عكا، وتمرّ بالبلد على بعد حوالي نصف كلم.. كانت الناس تملي الماء وتشرب..
في القرية بين 3 – 4 دكاكين، وكان عند حسين سالم دكانة، ونعيم الحسن.
كان في فرن لأحمد الخربيطي (أبو محمود)، يخبز عليه شحادة الصفوري وهو بنصف البلد.
كان في قهوة الناس تجلس وتسهر فيها.. والناس كانت تتزاور فيما بينها.
والحلاق إسمه محمد حسن العريض "أبو غانم" من أم الفرج، ونعيم الحسن.. كان عنده غرفة يحلق فيها..
كان يأتي ناس من صفد يعمروا البيوت، كان واحد إسمه أبو إبراهيم، وأبو محمود صفدية معليمن..
نحن جماعة مزارعين وعنا بساتين ونزرع الخضار.. ونشحن الخضار وبالشاحنات للمدينة. وكان في أرض وقف إسمها الحمرات، يضمّنوها رخيصة للناس وأيضاً أرض المرج.
ما كنت ألعب الكرة.. الناس كانت تنزل الى عكا وحيفا للتنزه واللهو.
كان في معصرة على الحجر والفرس عند بيت زمز لعصر الزيتون، وكان يُدفع زيت أو نقود مقابل العصر..
أنا كنت أشتغل أنا وصغير، أنا ربيت أخوتي وأولادهم وأولاد أولادهم، لحد الآن عندي شباب يحبوني كثيراً..
بيتنا عبارة عن أربع عمدان وباطون وكبير.. ونحن هنا بلبنان كنت أدخل تهريب على فلسطين.. ورأيت قريتنا.. وبيتنا وكانت الجرافات جرفته..
عندما خرجنا.. لم نخرج معنا شيء..
من وجهاء البلد كان فارس أفندي أبو نايف، كان يحل المشاكل ويُصلح العالم. أنا زرت معظم القرى بفلسطين وأيضاً بلبنان. ولكن بلدة واحدة بفلسطين تسوا كل الوطن العربي والدول العربية.
كنا بفلسطين نزور القرى مشياً لأنه القرى كانت قريبة علينا.
برمضان، كنا نصوم ونصلي والحمد لله.. وأنا صغيرا كنت أصلي وأصوم أيضاً.
كان في مسحر ويطبّل مثل هنا بلبنان. وبالعيد كنا نذبح معزى ونعمل كعك، والأولاد تلهو وتتأرجح وتنزل إلى عكا ونركب على الخيل وننزل على البحر بعكا.
أما عادات الزواج، كان أهل العريس يخطبوا العروس وويتفقوا على الفيد، والأعراس تحصل ويحضروا حداي من دير القاسي والبعثة ودير الأسد وحطين ويركبوا العريس على الفرس ويأخذوه الى البساتين والناس تجلس تحت الشجر وتدبك ويغنون، ويحضرون شعراء من عمقا وحطين والزينة، وتُذبح الذبائح ويقيمون العرس. هكذا كانت أجواء العرس.
في مقبرة بجانب دار الحاج موسى، وهي للبلد.
ثورة 1936، طلع رباح العوض من الغابسية قائد فصيل، ومن حجر الكروم أولاد فرحات، كان في قيادات كثيرة.. ولكن لم يقاوموا بشكل جيد.
اليهود جبناء.. أجبن شعب هو الشعب الإسرائيلي.
مثل ما أخذت فلسطين بالقوة، لا تُردّ إلا بالقوة.. يا ريت نموت بالداخل.
نحن اشترينا سلاح من أموالنا.. أنا أخذت بارودة من ترشيحا سنة 1948، كانت الناس تهرب الى لبنان من دون ما يشوفوا اليهود.
نحن فررنا الى الغابسية ثم ترشيحا وبقينا هناك، ثم جاء الطيران وكان يقصف على ترشيحا، ثم خرجنا الى دير القاسي ثم المنصورة، ثم الى لبنان ومنها الى الرميش.. وصار اليهود والدروز يأخذون كل ما في البيوت من أشياء بعد خروجنا.
عند خروجنا كنا بأيلول والطقس حار.. لم نأخذ شيء مهم..
واليهود دمروا كل البلد..
ثم من الرميش الى البرج الشمالي ثم عنجر وبقينا ستة اشهر وفي بداية فصل الشتاء نقلونا الى نهر البارد.
الحياة بالبرج كانت داخل الشادر، والأكل قليل جداً، وبعنجر بقينا سنة وكان في غرف باطون مثل الأرض.
ونحن بطرابلس لقينا معاناة، الثلج كان كثيراً والناس كانت تموت من البرد.. لم نكن نستطيع النوم. كنا حينها نأخذ مساعدات الإعاشة فقط..
أنا عملت بليرتين لبناني، ومن نهر البارد جئنا الى البص.. وأنا عمّرت بيتي هذا.. فأنا كنت عامل وشغّيل وعملت في أماكن كثيرة.
سوف نرجع عاجلاً أم آجلاً.. لا أريد تعويض عن بلدي، بدي أعمل براكيّة زينكو وأعيش هناك.
ولن أتنازل عن فلسطين.