أنا يوسف مصطفى الحاج يوسف من بلدة الخالصة قضاء صفد، مواليد 1931.
الخالصة قرية من قرى الحولة، الخالصة كان فيها مركز بوليس وأوتيل وفيها مطاعم وسوق الخالصة الشهير، وكانت الناس تأتي من رام الله إلى سوق الخالصة، ومن سوريا ومن لبنان يأتون لبيع منتجاتهم بالخالصة وبهذا السوق، وهو يوم الثلاثاء، ومن حيفا ويافا يأتون إليه أيضاً.
من عائلات الخالصة، الحمايدة، القواسمة، الخطايبة وهم أجدادي من أهل والدتي.
مختار الخالصة هو محمد الحمادة وكان مميزاً جداً بالتعامل ومختلف عن الآخرين، كل لبناني كان يصر على أن يذهب ويعمل بفلسطين، كان المختار يعطيه ورقة على أنه من الخالصة.
كان في مضافات بالخالصة، ويستقبلوا الجميع بإحترام.. وسكان الخالصة كلهم مسلمين. وفيها مسجد والشيخ عبد الرزاق الحميد، ومن عمّر المسجد هو الشيخ عبد الله الحميد من الخالصة، وكان كل عيد رمضان يجمّع الأيتام عنده بالبيت، ويذبح الذبايح ويطعموا الأيتام حتى يشبعوا.
كان في مدرسة كبيرة وأهل الحولة يأتون ليتعلموا فيها، تُدرّس للصف السابع، مديرها كامل الزعموت من الصفصاف وهو آخر مدير فيها.
أنا درست فيها للصف السابع وأكملت تعليمي بلبنان في مرجعيون.
كان هناك دكاكين، كان ابن عمي موسى الحاج أحمد يوسف عنده دكانة مشهورة، كان يشتري كل غلّة من الحولة.. وكنت أنا ورجل آخر نعمل على سيارة نقل خاصة به لنقل الحبوب الى حيفا ويافا ونذهب بسيارات الأجرة، ووصلت لمدن الخليل وعكا وزرت صفد.
البيوت بالخالصة كان فيها قناطر وقرميد، كانت حارتنا اسمها حارة العمرات، لأن والدي عّم البيوت من آل المر.
عند خطبة العروس، كان الكبار يذهبون يخطبون العروس للعريس، ويحددوا موعد العرس... كان تُذبح الخرفان ويحضرون المناسف.
كل أهل الحولة يأتون ليشاركوا بالعرس، ويظلوا يدبكون حتى الفجر ثم يذهبون للنوم وفي الصباح لا شغلة ولا عملة حتى المساء.
كان يأتي الحدَي ويسحجوا.. كان في رجل من حطين هو ورفاقه كان يقول (وهوه بعين واحدة) أنا الحطيني أعور بعيني اليميني..
كان في ملحمة كان الذبح كل يوم يتم بالخالصة لرجل اسمه دقماق، وكان عندنا حلاق من كفر تبنيت (عند قلعة شقيف)، كان يأتي نهار الثلاثاء..
لم يكن عندنا زيتون ولكن نحضر الزيتون من دير ميماس عند معبر فاطمة.
وكان بالقرية فرنان، واحد لعمي محمود الحاج عبد الله (عم أبي) وكان مستأجر الفرن واحد من لوبية، لوبية قرية تحتها كفر جن كان فيها اليهود وفي الشجرة والناصرة..
كان في بيت ابن عمي كامل الحسين موتير كهرباء، والبيوت الأخرى تستعمل الكاز..
من ألعابنا الطابة، نعمل طابة من قماش ونعلب فيها والكورة كذلك..
والماء كانت تأتي من عين الذهب وهي نعمة من الله، وبالصيف تأتي باردة وبالشتاء دافئة..
عندنا مقبرة مشهورة فيها شجرة كبيرة جداً، وهي مغطية كل القبور.
كانت الناس تروح الى الحج بالباخرة من حيفا، وعند عودتهم يرجعوا الى حيفا والناس تذهب لاستقبالهم.
كان بالقرب من الخالصة مستعمرات يهودية مثل كفر جلادي، ترسيبا، والمطلّة..
كان اليهود مسلَّحين جيداً ومجهّزين.. ونحن سلاحنا قديم وعمر أكبر مني والفشك خربان كان يأتي من تركيا.
اليهود استعملوا البنادق (الكلاشي) وسكين (سبع طلقات).
ونحن سلاحنا قديم من لبنان وسوريا واشتريناه بفلوسنا.
كان بالخالصة عيادة طبية وهي للإنجليز والمسؤول عنها من صفد، مرّة مرضت فأخذني أبي للدكتور حميّد من صفد وكان جيّد جدّاً. وأذكر محمد حمدان الصالح كان يعمل مجبّراً بالبلد وهناك واحد آخر نسيت اسمه.
أما ثورة 1936: الدعايات، هي التي أقامت الثورة.. كنا نشعر أن هناك مؤامرة تُحاك على فلسطين.. كان بعض العرب يقيمون الحواجز يفتشون العرب ويأخذون كل شيء معهم، ولكن سيارات اليهود كانت محمّلة بالسلاح وتمر مرور الكرام.
مجزرة دير ياسين، أنا كنت بعكا أنا وابن عمي، خالة زوجتي متزوجة من شيخ بعكا بجامع الجزار (هو من شعبا)، ذهبنا لننام عندها عندما منع التجول، وصباحاً كنا بدنا نذهب فوجدنا الملصقات في كل مكان، تقول: لا تنسوا مجزرة دير ياسين ومن استشهد فيها..
هذه الأحداث كلها أرهبتنا ولهذه الأسباب خرجنا من فلسطين. وعندما دخل اليهود الى الخالصة كنا بالخالصة، ولكن قبل ذلك نشر اليهود منشورات تقول فيها لا تخرجوا من قُراكم نعيش سوية.
ولكن جيش الإنقاذ قال لنا أخرجوا مدة أسبوع وتعودون.
كانوا جماعتنا يربطون لهم بالطريق ويهاجموهم، كانوا يربطون لهم عند الناعمة والصالحية والدوارة ويقطعون الطريق بين الخالصة وبين هذه القرى.. جاءت أول سيارة نزلت دواليبها بالجورة والطريق مقطوعة فإسنحبوا وتركوا السيارة، فجئت أنا وإبن عمي فكينا الموتير وكثير من أجزاء السيارة فتعطلت.
كان أهل البلد ينظمون درويات حراسة بالليل، وأنا حرست عني وعن ابن عمتي فقد كان متزوجا زوجتين ومنشغل عن الحراسة.
طلعنا من الخالصة كما ذكرت بسبب الجيوش العربية.
كل أهل الخالصة طلعوا، ولم نأخذ شيء سوى الفرشة والحِرام، وخرجنا مشياً من الخالصة الى لبنان على العديسة . لم يكن حواجز لليهود على الطريق والطقس كان ربيعاً وبقينا 5 شهور فهاجموا دار أحمد بيك الأسعد (كان وزير) نسفوا داره. فطلعنا من العديسة الى عين إينا عند شبعا وبقينا سنة تحت الشجر ولكن عند الشتاء رحلنا عالخيام... على أساس أننا عائدون إلى فلسطين، ثم ذهبنا الى كفر كلى، ثم سكنا بالقاسمية.. بالقاسمية عملنا عريشة لنجلس تحتها، وأنا لحد الآن بالقاسمية.. كانت الحياة عادية.
نحنا مفتاح الحولة أي مفتاح فلسطين.. أنا غوراني.. وأمنيتي أرجع إلى فلسطين..
أنا ما رجعت على الخالصة ولكن من زارها خبرني أن العمرات والجامع والبيوت موجودة ولكن قديم وبالية.
بعد أكثر من 64 سنة بعيد عن فلسطين، لو أعطوني مال العالم كله لا أقبل بديل عن الخالصة... نحن هنا لم نعش بكرامة..
كنا هناك بالخالصة كلنا يحترم الآخر... ويحبون بعضهم البعض..
لن أقبل بديل أو تعويض عن الخالصة وفلسطين..