(متسلم ميناء يافا، ثم متسلم لواء القدس في أواسط الثلاثينات من أيام الحكم المصري في البلد، ومأمور ضبطية ومالية القدس وغزة ويافا في الأربعينات. عين قائمقاماً في لواء غزة عدة مرات في الخمسينات. واستقرت عائلته في يافا التي تولى قائمقاميتها في بداية الستينات، فكان بذلك أحد رجال الإدارة والحكم البارزين في أواسط القرن التاسع عشر.)
نشأ مصطفى بك السعيد في بيت والده الشيخ سعيد المصطفى، الذي تولى المناصب الإدارية في ألوية جنوب فلسطين. وقد دربه والده على معرفة أمور الحكم وجعله يساعده في وظائفه، وينوب عنه أحياناً حتى يتدرب عليها. وفي فترة الحكم المصري على بلاد الشام، ارتفعت مكانة آل السعيد وتعزز نفوذها. فعين والده متسلماً في لواء غزة وعُين هو متسلماً في يافا. وأبدى الابن مقدرة وكفاءة في القيام بوظيفته، فعين في رمضان 1252ه/ كانون الأول (ديسمبر) 1836م متسلماً في بيت المقدس، بينما استمر والده في حكم لواء غزة. وهكذا تفوق الابن على أبيه وساهم في تعزيز مكانة آل السعيد في المنطقة ووالده في قيد الحياة أيام الحكم المصري. كما تقلد أخوه أحمد وعمه وآخرون من أقاربه وظائف الإدارة والحكم، فأصبحت العائلة من أقوى العلاقات الإقطاعية المشاركة في حكم البلد في ذلك العهد. ولما انتهى الحكم المصري وعاد الأتراك سنة 1841، استمر مصطفى بك ووالده في خدمة الدولة العثمانية. فقد سافر في كانون الأول (ديسمبر) 1840 من يافا إلى عكا، وقدم الطاعة للدولة والسلطان. وقوبل بالترحاب والقبول، وعُين والده في خدمة الدولة، فلم يتأثر من تبدل الحكم. ولما بدأت الدولة تطبيق التنظيمات العثمانية وتقوية الحكم المركزي على حساب الأعيان المحليين لم تتأثر العائلة بذلك، بل إنها ضاعفت قوتها وثروتها على حساب أعيان الريف. وقد خدم مصطفى بك الدولة العثمانية في الأربعينات، فعين مأموراً لشؤون الضبطية والمال في ألوية القدس وغزة ويافا وتوابعها. وقد عمت الفوضى البلد في ذلك العهد لضعف الدولة وعدم نجاح ولاتها في إقرار الأمن. إذ حاول مشايخ الريف وأعيان المدينة ومشايخ العشائر التسلط على شؤون الحكم فكانت مهمة بناء السلطة المركزية الفعالة عملة شاقة استغرقت قرابة عشرين عاماً. وأدى مصطفى بك في ذلك العهد دوراً مهماً، فشن، بحكم وظيفته، مع رجاله الحروب على العشائر البدوية من جهة وعلى الأعيان المتحكمين في لواءي نابلس والقدس من جهة أخرى. وقد قاومه في جبل نابلس محمد الصادق وأخوه، وأعوانه سليمان بك طوقان وعرب الصقر، فدارت بينهم معارك حامية في الأرعينات. وكان مصطفى بك طوال تلك الأعوام الساعد الأيمن لمتصرف القدس، الذي أوكل إليه المهمات الصعبة في ألوية المتصرفية. وقد تولى، مثل واله من قبله، في تلك الحقبة التزام جمع الضرائب من ألوية غزة ويافا والقدس أحياناً لعدم تمكن الدولة من جمعها. وتعددت الشكاوى في تلك الفترة من أن مصطفى بك يجمع الأموال من الأهالي «زيادة عن المربوط عليهم وما داخله في شرط نامة التزامه.» ولم تؤثر تلك الشكاوى فيه، فجمع خلال تولية التزام تلك المناطق ثروة كبيرة أضافها إلى الثروة التي ورثها وأخوه عن والدهما. واستقر وأفراد عائلته في يافا، فبنوا البيوت الفخمة، وأصبحوا من أبرز أعيان المدينة. وفي سنة 1273ه/1856-1857م كان مصطفى بك قائمقاماً في غزة فعزله والي القدس مصطفى باشا ثريا في 18 أيلول (سبتمبر) 1857 وعين مكانه سالم أفندي، ثم عُين بعد ذلك عثمان أفندي القاسم مدة قصيرة، وأعيد مصطفى بك إلى وظيفته قائمقاماً في غزة في 19 شوال 1274ه/ 2 حزيران (يونيو) 1858م. ثم في سنة 1277ه/1760-1861م رُفع من وظيفته في غزة وعُين قائمقاماً في يافا، وكان حينئذ قد تقدم في السن. وكانت الحرب الأهلية بين عائلات جبل نابلس في أواخرها، فخرج مصطفى بك من يافا مع جنوده، وهاجموا القرى، ونهبوا جبع وميثلون وبرقين. وكانت تلك آخر حوادث الحرب الأهلية في جبل نابلس سنة 1278ه/1861-1862م، على قول خلفه في زعامة العائلة حافظ بك السعيد.
أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني
عادل مناع