"78 عامًا من اللجوء... والحلم لا يموت"

محمد سويد - هوية
صيدا - لبنان
تموز/يوليو 2025
في مدينة صيدا جنوب لبنان، حيث تختلط رائحة الزعتر بملح الذاكرة، توثق مؤسسة "هوية" للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية سيرة من لا يزال الحنين يسكن وجدانهم كما السنين: الحاج فوزي عبدالله إبراهيم طحيبش، من مواليد عام 1947 في قرية عمقا قضاء عكا، وزوجته الحاجة هدية طحيبش، بنت عمه وشريكة المعاناة منذ النكبة حتى اليوم.
عاش الزوجان نكبة عام 1948 بكل تفاصيلها، وما زالا بعد 78 عامًا من اللجوء والشتات، يرفضان التوطين والتعويض، متمسكين بحلم العودة الذي لا يشيخ.
يتحدث الحاج فوزي عن قريته، عن أرضه، عن بيت والده، لا من خيال، بل كما رواها له والده ووالدته، اللذان زرعا فيه ذاكرة لا تُنسى.
يقول: "أبي كان يملك محل لبيع الخضار يروي لي كيف كانوا يفلحون الأرض ويعيشون حياة بسيطة بكرامة. حين جاءت العصابات الصهيونية، أجبرونا على الخروج من ديارنا، خوفًا على بناتنا وأطفالنا."
ومازال الحاج فوزي يحتفظ بشهاده ميلاده في فلسطين
وفي عام 1980، تحقق له ولأهله جزء من الحلم: زار فلسطين مع والده ووالدته، في زيارة نادرة عن طريق الأردن التقى فيها أقاربه في قرية طمّون.
يصف الحاج فوزي تلك اللحظة: "اللقاء كان مغموسًا بالدموع. بعد أكثر من ثلاثين عامًا، عانقت عمي. ثم ذهبت إلى عمقا، إلى بيتي. لكن وجدته مسلوبًا. عائلة يهودية يمنية كانت تسكنه. هم جاؤوا من اليمن، ونحن أصحاب الأرض، طردونا منها."وختم الحاج كلامه حلمي أن أرجع إلى فلسطين
أما الحاجة مريم، فقد روت لنا كما سمعت من والدتها، كيف خرجت وهي طفلة صغيرة حملتني أمي بين يديها.
قالوا: أسبوع أو اسبوعين وبترجعو
وهكذا ضاعت السنين. كل شي كان فجأة، الهجرة، اللجوء، الوعود الكاذبة."
اليوم، وبعد عقود طويلة، لا تزال قلوبهما معلقة هناك، في عمقا، حيث وُلد الحاج، وحيث دُفن الحنين.
وحين سألناهما عن التعويض أو التوطين، كان جوابهما واحدًا، واضحًا، لا يحتمل التفسير:
"الواحد بيتخلى عن روحه؟ فلسطين روحنا وحياتنا. فيها مسرى النبي، والقبلة الأولى. نحنا ما منبيع أرضنا، ويلي ببيع أرضه ببيع عرضه."
وما زال شاهد النكبة الحاج (فوزي طحيبش) يحتفظ بشهادة ولادته الأصلية الصادرة من فلسطين قبل النكبة، شاهداً حياً على حقه وجذوره التي لا تمحوها سنوات التهجير. ورقة صفراء صامدة في وجه النسيان، تحمل في طيّاتها تاريخ وطن وهوية لا تسقط بالتقادم.
هكذا، تبقى حكاية الحاج فوزي والحاجة مريم شاهدة على أن الجرح الفلسطيني لا يندمل، لكنه لا يستسلم. حلم العودة لم يمت، لأنه ببساطة... لم يُخلق ليموت.
