شهادة السيدة ازدهار خليل جودة الحيط – من قرية اللد / مواليد 1935
غسان الحاج خليل - مخيم الرمل / اللاذقية

في شهادة مؤثرة وغنية بالتفاصيل، روت السيدة ازدهار خليل جودة الحيط، من مواليد مدينة اللد عام 1935، قصتها الطويلة مع التهجير الفلسطيني، مستحضرة ذكريات الطفولة والبيت والأرض والحرب والشتات.
جذور العائلة والبيت في اللد
بدأت حديثها بسرد شجرة عائلتها، فذكرت جدها ووالدها وعمّاتها. كانت العائلة تسكن في بيت حجري قديم في مدينة اللد، تقطنه عائلتان: عائلة والدها في الطابق الأرضي، وعائلة عمّها محمد في الطابق العلوي. البيت كان ملكًا موروثًا عن الجد، وكان بجوارهم عائلة كرزون، الذين كانوا أصدقاء مقربين من والدها.
كان والدها يعمل أستاذًا ويملك أراضي تُزرع بالخضار والبطاطا والقمح، وهي مصدر رزق العائلة الأساسي.
نكبة عام 1948: الاحتلال والرحيل
في حديثها عن نكبة عام 1948، قالت إن قوات الاحتلال الصهيوني اقتحمت مدينة اللد، وبدأت باعتقال الرجال، وخاصة من كانت لهم صلة بأعمال المقاولة أو البُنى التحتية. تم إطلاق سراح بعضهم لاحقًا، لكن حالة الرعب عمّت المدينة.
عند مغادرتهم اللد، مرّت العائلة بأراضيهم الزراعية المعروفة باسم “أرض المصارين”، فانهار والدها وأعمامها بالبكاء، حزنًا على مغادرة أرضهم التي كانوا يزرعونها ويعيشون منها.
تروي ازدهار أن الطريق إلى الخروج من المدينة استغرق ثلاثة أيام من المشي المتواصل عبر الوديان والجبال. كانت والدتها نُفَساء، تحمل على يديها طفلتها التي لم تتجاوز الـ15 يومًا، ما جعل الرحلة أكثر قسوة.
من المشاهد التي لم تفارق ذاكرتها في طريق الخروج من المدينة، سقوط شهداء في الطريق، وكانت نساء يهوديات تُفتّشن النساء والرجال، حتى أن إحداهن قامت بتفتيش عمها وصادرت منه مسبحته فجنّ جنونه، بينما قامت أخرى بتفتيش ابنة عمّها، فاطمة صالح جودة، وأخذت منها كل ذهبها الذي جمعته على مدى سنوات طويلة.
كان معهم فب رحلة الخروج “ناطور البيارة” الذي ساعدهم في الوصول إلى بلدته سلفيت، حيث أمّن لهم مكانًا للمبيت، ثم عاد إلى بيته.
في سلفيت، استأجرت العائلة منزلاً مع بيت عمّها. وكانت الحسرة الكبيرة في قلوب والديها. وقد صدمت سيارة والدها وأصيب بأضرار في جسمه وأعقب ذلك مرضه الشديد بسبب القهر والعذاب.
انتقلت العائلة لاحقًا إلى مدينة نابلس. هناك، بدأ أخوها إبراهيم العمل في بيع “الراحة والسكاكر” لإعالة العائلة، نظراً لأن والدهم كان مريضًا، وبدأت ازدهار تساعده في العمل.
رغبت ازدهار في دخول المدرسة الابتدائية، لكنها كانت قد تجاوزت السن المناسبة، فتم تسجيلها في مدرسة الراهبات في الصف الأول ثم الثاني، لكنها لم تستمر في الدراسة بعد ذلك.
اللجوء إلى الأردن ثم إلى دمشق
بعد الاستقرار المؤقت في نابلس، وصل خالها ممدوح من الشام، وطلب منهم الاستعداد للسفر. غادروا أولاً إلى الأردن عام 1950، حيث كان أقاربهم من عائلة الزعبلاوي في انتظارهم. ثم تابعوا إلى دمشق، حيث استقبلهم جدها حامد الزعبلاوي.
كان جدها من ضمن آلاف العائلات التي سبق أن وصلت إلى لبنان بحراً من يافا ثم انتقلت إلى الشام. وعاشت العائلة بعدها في منطقة بوابة الصالحية، حيث عملت ازدهار في مجال الخياطة مع ابنة عمّها، وكانت تعطي المال لأمّها.
في نهاية المقابلة، وعندما سُئلت عن العودة إلى فلسطين، قالت بحرقة:
“يا ريت، ما أحلاها! والله ما بدي بيوت ولا شي، بس أرجع وأشوف فلسطين.”
أما أولادها، فتقول إنهم أحرار أكثر منها، ويحلمون بأن يكونوا اليوم في فلسطين أو في صفوف أهل غزة، معتبرة أن العودة هي الحلم الذي لا يموت.