“هوية” في ضيافة المناضل صلاح صلاح: ذاكرة فلسطينية حيّة تنبض بالوطن
السبت 2 آب/أغسطس 2025

في إطار جهود المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية – هوية، زار وفد من المؤسسة المناضل الفلسطيني الأستاذ صلاح صلاح (أبو ربيع) وزوجته السيدة سميرة (أم ربيع)، في منزلهما الهادئ بمنطقة جدرا في محافظة جبل لبنان، البعيدة عن صخب المدينة، حيث تسكن الكتب واللوحات والصور، وتنبض الجدران بروح فلسطين والمقاومة.
استُقبل الفريق بحرارة وتواضع في أجواء عائلية دافئة، وبدأت الزيارة بجولة في أرجاء المنزل الذي تملؤه الكتب والوثائق والصور، شاهدةً على نضال شعب وذاكرة وطن. تلا ذلك لقاء مطوّل مع الأستاذ صلاح، استعاد فيه من أعماق ذاكرته مشاهد وذكريات من بلدته غُوير أبو شوشة، فحدّثنا عن تضاريسها الطبيعية بين الجبل والسهل الزراعي، وعن عشائرها، وعن مراحل الطفولة الأولى، بدءًا من الكتّاب في الغوير، إلى المدرسة في قريتي المغار وطبريا، وذكرياته مع رفاقه في العودة مشيًا على الأقدام من المدرسة إلى البلدة، وسط طبيعة خلابة تزداد سحرًا بجوار بحيرة طبريا.
استعرض الأستاذ صلاح بدايات "مقاومة" المستوطنين في مرحلة الطفولة، حيث أقدم مع بعض زملائه على اقتلاع مزروعات المستوطنين (البطاطا)، في خطوة رمزية تعبّر عن رفضهم لنهب أرضهم. كما تحدّث عن سياسات الانتداب البريطاني التي سهّلت استيلاء المستوطنين على أراضي البلدة، خاصة الأراضي “المشاع” التي لم يكن الأهالي قد بادروا إلى تسجيلها رسميًا في الطابو. وفي هذا السياق، قدّم فريق “هوية” للأستاذ صلاح وثائق تعود لعام 1946، تعبّر عن شكوى من أهالي غُوير أبو شوشة ضد شركة “بيكا” اليهودية، التي مهدت للاستيلاء على الأراضي الخصبة في القرية.
كما روى مداهمات الجيش البريطاني للبلدة في ثلاثينيات القرن الماضي، خلال بحثهم عن الثوار ورفاق الشيخ عز الدين القسّام. وقد رفض والد الأستاذ صلاح في إحدى المداهمات مغادرة القرية مع الأهالي، فألقي القبض عليه وتعرّض لتعذيب شديد قبل أن يُنقل إلى المستشفى، حيث استُشهد بعد يومين. وقد كانت هذه الحادثة من أبرز المحطات المفصلية التي شكلت وعيه النضالي.
تحدث أيضًا عن محاولاته الأولى لتسليح الذات في سن مبكرة، وعن صمود الأهالي في وجه العصابات الصهيونية خلال نكبة عام 1948، قبل أن تفرض الوقائع الميدانية الانسحاب بعد سقوط طبريا وصفد. وتشردت عائلته بعد ذلك بين سوريا ولبنان، إلى أن استقرّ بهم الحال في مخيم عين الحلوة، حيث انطلقت رحلته النضالية الطويلة، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وفي محطة أخرى من الزيارة، خُصّصت جلسة توثيق خاصة مع الأستاذ صلاح وزوجته حول شجرة عائلتيهما. وقد بذلت أم ربيع جهدًا استثنائيًا في التحقق من التفاصيل، عبر اتصالات مباشرة مع أفراد العائلة لتأكيد معلومة هنا وتصحيح اسم هناك، وقد زوّدانا بعدد من الصور العائلية، لا سيما لمواليد فلسطين قبل عام 1948.
وفي لفتة تقديرية، قدّم الأستاذ صلاح لفريق “هوية” كتابين من مؤلفاته: " من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة" و" فلسطين في الفكر السياسي لحركة القوميين العرب"، كما قدّم الفريق، باسم حملة انتماء، لوحة تذكارية عربون وفاء وتقدير للمسيرة الوطنية لأبي ربيع وأم ربيع، تحت شعار: “فلسطين تجمعنا”.
غادر الفريق منزل الأستاذ صلاح بانطباع راسخ أن هذه الزيارة لا تكفي، وأن ما حُمِل من الذاكرة والتاريخ يتطلّب لقاءات متعدّدة، لاستكمال رواية لم يُكتب فصلها الأخير بعد.

