في زمنٍ كثرت فيه المراكز الطبية التي تهدف إلى تحقيق المصلحة التجارية منها على مصلحة المريض، نفتقد فيه الطبيب الإنسان الذي يعمل بالأساس لرسالته التي اختار مهتنه لأجلها، " الحكيم" وإن رحلت هذه الكلمة مع رحيل مضمونها من الحكمة والحنكة، فهذه هي الأيادي البيضاء التي كانت تطبب آهات وجراحات الإنسانية. الطبيب الذي يصب جلّ اهتمامه في مصلحة المريض ومن بين القلائل، الطبيب الذي شهدت له حجارة مدينة القدس وأهلها، هو ابنها، وأحد أعلامها البارزين، الطبيب الإنسان الدكتور عبد الله خوري.
هو عبد الله أنطون خوري، ولد عام 1928م في مدينة القدس، وأكمل دراسته الثانوية في كلية الفرير في القدس أيضاً. حصل على شهادة البكالوريوس في الطب من الجامعة اليسوعيه.
عاد الدكتور خوري إلى فلسطين، وعمل في مستشفى المطلع في مدينة القدس في الفترة الواقعة ما بين عام 1952م-1956م. وثمَّ شد رحاله إلى إنجلترا، بعد حصوله على منحه من المجلس الثقافي البريطاني ، ليعود إلى فلسطين، ولكن هذه المرة إلى مدينة نابلس تحديداً، ويزاول مهنته في المستشفى الإنجيلي العربي هناك. وفي عام 1960م تم تعيين خوري كمدير وجراح في المستشفى الحكومي في بيت جالا.
أرسلت الحكومة الدكتور عبد الله خوري إلى المملكة المتحدة عام 1965م، ليحصل على شهادة التخصص في طب الجهاز البولي. وعمل بعدها خوري في مستشفى سانت هيلير في لندن، وقد حصل على الإمتياز هناك واستحسان الجميع ، ليحصل بعدها على منحه ثانيه بناءً على توصية مدير مستشفى سانت هيلير الذي قدر مهاراته المتميزة.
قبيل الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1967م، عمل الدكتور عبد الله خوري كجراحٍ وطبيب متخصص في أمراض المسالك البولية في المستشفى الحكومي- والمعروف حالياً بالهوسبيس- في البلدة القديمة في القدس. وأصبح مديره لاحقاً.
عام 1983م، التحق خوري في مستشفى مار يوسف في الشيخ جراح في القدس، وعمل هناك جراحاً، كما أصبح لاحقاً المدير الطبي للمستشفى، ولازم منصبه حتى عام 2003.
عين البابا يوحنا بولس الثاني الدكتور عبد الله خوري عضواً في الأكاديمية الباباوية للحياة عام 1998م ، وهي الأكاديمية التي يجتمع أعضاؤها مرة كل عام في روما، ليبحثوا في قضايا طبية متعلقة بالحياة ، كالإجهاض، والموت الرحيم، وأطفال الأنابيب وغير ذلك من القضايا الجدلية. ويعتبر خوري العضو الوحيد في الأكاديمية والممثل للشرق الأوسط.
وقد حصل خوري على العديد من الميداليات، من البابوية والحكومتين الفرنسية والإيطالية، والسلطه الوطنيه الفلسطينيه والبطريركية اللاتينية في القدس.
في الثامن من آذار لعام 2009م، فارقت روح الطبيب عبد الله خوري الحياة، تاركةً وراءها آثارها وإنجازاتها، وقد شهد كل من عايشوه على تواضعه وإحسانه، ويقال أن في وداعه الأخير، قد بكاه كل العاملين في مستشفى مار يوسف؛ فلم يكن خوري يتفاخر باللقب والشهادة، بل كان أباً وصديقاً وأخاً للجميع؛ شاركهم أفراحهم وأتراحهم، وكان مع كل العاملين في مشفاه في كل المناسبات.
رحل الطبيب عبد الله أنطون خوري، ولكن ذكراه ما زالت باقية في قلوب كل من عرفوه، وكل من سيعرفون عنه. ستظل روحه تحرس كل من رافقهم وأبناء شعبه...وسيظل خير المثال لمن قال عنهم ألبرت آينشتاين :" إن أجمل حياة من الممكن أن يعيشها إنسان ما، هي الحياة التي يعيشها لأجل الآخرين، وهي تلك التي تستحق أن تعاش".
مجله القدس بتجمعنا
