ناديا حمو: ذاكرة كفر عانة التي لا تموت… ووفاء للهوية الفلسطينية
هوية- عمان
في مساء يوم الأربعاء 20 آب/أغسطس 2025، زار مندوب مؤسسة هوية برفقة السيد هاني دغمش، مقرر اللجنة الثقافية في رابطة كفر عانة، منزل السيدة نادية محمد عبد الرازق حمو في منطقة الجويدة – عمّان. هناك، فتحت قلبها وصفحات ذاكرتها لتروي حكاية قريتها كفر عانة – قضاء يافا، القرية التي ما زالت تسكنها رغم مرور عقود على التهجير.
تصف السيدة نادية كفر عانة بأنها أرض سهلية خصبة، تتلألأ ببيارات الحمضيات التي غطّت مساحاتها الواسعة. يحيط بها عدد من القرى الفلسطينية العريقة مثل العباسية، السافرية، الخيرية، ساقية، يازور، وسلمة. وتعدد أسماء العائلات التي شكّلت نسيجها الاجتماعي مثل الملكي، صالح، موسى، الشقران، حماد، حمو، العمرة وغيرها.
وتستعيد نادية تفاصيل الحياة اليومية قبل النكبة: مدرسة حتى الصف السابع ومدرسة للبنات درست فيها، دكاكين عامرة، نجّار يصلح أدوات الفلاحين، سوق العباسية الأسبوعي الذي كان مقصد الأهالي كل يوم سبت. تروي بفخر أن بيت عائلتها كان كبيراً بباحة واسعة، حيث كانت والدتها تربي الدواجن والماعز وتزرع الحاكورة بما يكفي احتياجات البيت. أما المياه فكانت متوفرة من آبار في كل حارة، والناس يتقاسمون غلّات الزراعة بالعدل. وتذكر بفرح أجواء الأعراس التي كانت تمتد لشهر كامل، بالزفّة والسامر والدحية ومشاركة كل أبناء القرية.
لكن هذه الحياة تبدّلت مع تصاعد الخطر الصهيوني. فقد شاهدت عصابات “الهاجاناه” تتدرب حول قريتهم، وعندما وقعت مجزرة دير ياسين دبّ الخوف في النفوس. قرر الأهالي جمع المال لشراء السلاح دفاعاً عن البلدة، لكن مع تكثيف إطلاق النار وقذائف الهاون، اضطروا إلى الخروج. تقول: “رحلنا على الدواب، أنا وأختي، نحمل ما استطعنا. بتنا تحت الأشجار خمسة أيام في نعلين، ثم تنقلنا بين المدية ودورا القرع، نقتات على قليل من الطحين نقسّمه كسراً صغيرة، عشنا كما يعيش أهل غزة اليوم على الخبز الحاف”.
تنقلت عائلتها لاحقاً إلى أريحا – مخيم عقبة جبر، حيث تعلموا صناعة الحُصر من أهل العباسية، وتعلمت نادية مهنة الخياطة حتى صارت تدرب بنات المخيم. عرضت خلال اللقاء عدداً من الأثواب المطرزة التي تحفظ تراث قراها الفلسطينية. ثم استقر بها المقام في مخيم الوحدات بعمان، حيث واصلت رحلة الحياة والعمل مثل سائر اللاجئين.
ورغم مرور الزمن، ما زالت كفر عانة تسكن قلبها. تقول بلهجة صادقة: “كفر عانة دايماً بتيجي على بالي، والله مستعدة أترك بيتي هون وأرجع أقعد بنص غرفة أو حتى بخيمة ببلدي”.
إلى جانب روايتها المؤثرة، تعاونت السيدة ناديا حمو مع مشروع هوية في بناء شجرة عائلتها، إيماناً منها بأن حفظ الأسماء والجذور هو ضمانة أن تبقى فلسطين حيّة في الذاكرة والوجدان، وأن الأجيال القادمة ستجد جذورها واضحة مهما حاول الاحتلال طمسها.
#هوية
