كتب اسحق البديري
القدس تناديكم….
شدوا الرحال الى البلدة القديمة في القدس
قادتني قدماي قبل ايام الى داخل البلدةالقديمة في القدس دخلت اليها انا وزوجتي من باب الجديد احد الابواب الشمالية لاسوار المدينة القديمة .. هذا الباب الذي شهد معارك ضارية بين الفلسطيينين المدافعين عن المدينة وبين الاسرائيليين الذين كانوا يحاولون اقتحام ها في مثل هذه الايام من شهر ايار قبل ٧٤ عاما اي في عام ١٩٤٨ ..تذكرت ذلك وانا اجتاز السوق في باب الجديد وهو سوق صغير يضم محلات تجارية صغيرة بعضها مغلقا وبعضها الاخر فارغا الا من قلة من الزبائن .. ومررنا بجانب مدرسة الفرير احدى مدارس القدس المشهورة وانعطفنا بعد السوق يسارا سائرين عبر زقاق ضيق بجوار كنيسة الاباء الفرنسيسكان وبرجها الذي كانت اجراس ساعته تدق في تلك اللحظة … وبجانب فندق الكازانوفا الذي كان مغلقا لعدم وجود الزوار والسياح بسبب الحرب رغم ان هذه الايام هي ذروة السياحة في مدينة القدس التي كان يقصدها الالاف من السياح القادمين اليها من كل حدب وصوب بمناسبة اسبوع الالام وقيامة السيد المسيح. وهبطنا الى شارع القديس مترى. الذي يؤدي الى ساحة باب الخليل وسرنا بجوار مدرسة مار متري التي يرتادها مئات من طلاب البلدة القديمة والتي تقع على يسار الشارع وهي المدرسة المهددة بالاغلاق بسبب وضعها المالي المأزوم .. وعلى بعد خطوات على يمين الشارع الضيق مررنا بالمبنى الذي كانت تشغله امانة او بلدية القدس العربية قبل احتلالها سنة ١٩٦٧ وتذكرت قصة بلدية القدس ومعركتها مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضد ضم المدينة ثم مررنا ببطريركية الروم الكاثوليك على يسار الشارع وتذكرت مطران القدس الراحل ايلا ريون كبوتشي والمطران لحام ونضالهما في مواجهة الاحتلال ومعهما تذكرت الشهيدة شيرين ابو عاقلة مراسلة الجزيرة التي استشهدت في جنين في شهر ايار ٢٠٢٢ والتي سجي جثمانها الطاهر في هذة الكنيسة ليخرج بعد ذلك في جنازة مهيبة لم تشهدها القدس منذ جنازة الراحل فيصل الحسيني . بعدها وعلى بعد امتار وصلنا الى ساحة عمر بن الخطاب ساحة باب الخليل. هذا الباب الذي شهد معارك بين الفلسطينيين والاسرائيليين عام ١٩٤٨ والذي بقي مغلقا طوال الفترة ما بين عامي. ١٩٤٨. و ١٩٦٧ وخرجت الى الساحة الخارجية لباب الخليل لالقي نظرة على مشارف القدس الغربية وشعرت بالاسى والحزن على احياء وشوارع عربية ارغمتنا الظروف والاحداث على التخلي عنها لكننا بالقطع لم ولن ننساها سوف تبقى في ذاكرتنا ولا بد ان تبقى في ذاكرة الاجيال الحالية والقادمة …. وعدت الى شارع البطريركية لاتفقد بعض المطاعم هناك وكانت في معظمها مغلقة وتوقفت امام باب محل مغلق. وقلت لزوجتي وهي تستغرب وقوفي " هنا كان يقع مقهى الصعاليك " كان رواد هذا المقهى الشهير والمعروف منذ الثلاثينات والاربعينيات من القرن الماضي صفوة المثقفين في القدس وفلسطين وشعرت بالحسرة والحزن
ومررنا بجانب القلعة … ومضينا نمشي على اقدامنا عبر سويقة علون كما تسمى وهي سوق صغير يمتلىء بدكاكين السنتواري التي تبيع منتجاتها للسياح والزوار وكانت في معظمها فارغة من السياح وبعضها مغلقا. ومن سويقة علون اتجهنا يسارا الى حارة النصارى وكان شارعها في الماضي يعج بمئات المارة من مواطنين واجانب ولكنه الان كان شارعا شبه خالي الا من قلة … وواصلنا السير في حارة النصارى ولدى انحرافنا يمينا الى الزقاق المؤدي الى كنيسة القيامة التقينا صدفة بالاخ الصحفي ناصر عطا وتوقفنا معه لدقائق في حديث عن اوضاع واحوال المدينة وكان مستاءا وقال ليت اهل القدس يقومون يوميا بزيارتها مصطحبين اولادهم ونساءهم واحفادهم لزيارة مساجدها وكنائسها واماكنها المقدسة ومعالمها واسواقها وقال ان المدينة القديمة وهي اصل القدس بكل عظمتها وتاريخها تستحق الزيارة كما تفعلون الان … ونزلنا عبر زقاق يؤدي الى مسجد عمر بن الخطاب فكنيسة القيامة كانت ساحتها الخارجية شبه خالية وقلت لنفسي هذه كنيسة القيامة اهم المعالم المسيحية في ألعالم انها الكنيسة التي تضم قبر السيد المسيح والذي منه قام في مثل هذه الايام. حسب التقويم الشرقي للطوائف الشرقية المسيحية … بدت الكنيسة امامي حزينة وتكاد تقول اين ابنائي اين شعبي واهلي
وواصلنا طريقنا الى سوق الدباغة وهناك وعلى بعد امتار من كنيسة الفادي الانجيلية اللوثرية جلسنا نحتسي قهوتنا في احد مقاهي ومطاعم الدباغة هنا ايضا كان الشارع خاليا الا من قلة من الناس ومن سوق الدباغة مضينا الى سوق العطارين الشهير كان السوق هنا. يشهد حركة لا باس من المارة وكان الباعة في محلاتهم يروجون لبضائعهم المختلفة من العطارة الى الملابس النسائية الى الاحذية والشباشب الرجالية الى متاجر السنتواري وغيرهم من الباعة ولاحظنا ان سوق العطارين كان اكثر نشاطا من الاسواق الاخرى التي مررنا عبرها وان كانت هناك بعض المحلات مغلقة. ومن سوق العطارين الشهير الى سوق باب خان الزيت مشينا وبقرب السلالم المؤدية الى بطريركية الاقباط على يسار السوق تذكرت مدرستي مدرسة الكلية القبطية التي درست فيها احلى ايام عمري. وتذكرت محلات مطبق زلاطيمو المشهور وهو مغلق الان تذكرت كيف كنت امشي في شارع خان الزيت ذاهبا الى المدرسة صباحا وعائدا منها عصرا تذكرت زملاء واساتذة لي من عصر فات …ومضينا عبر هذا السوق الطويل الذي كان يمتلىء في ذلك الزمان بالالاف من المواطنين والزوار والسياح وقتها كنت اسمع كل اللهجات من الانجليزية الى المصرية واللبنانية واليونانية والفرنسية وغيرها … اما الان فقد بدا السوق من حولنا شبه فارغ ومن محل حلاوة العمد الى مفترق طريق الالام الى مكتبة الشناوي الى منبت الزعتر الى دكاكين كثيرة تغيرت وفي وسط السوق دخلنا لاستراحة قصيرة في محلات جعفر المشهور بتقديم الكنافة النابلسية وخرجنا شاكرين لصاحب المحل كرمه رافضا ان يتقاضى ثمن الكنافة لصلة قرابة بعيدة وقلت لزوجتي كم هم كرماء اهل هذه المدينة. …وعدنا عبر سوق باب خان الزيت ومن محل ازحيمان للبن صعدنا درجات باب العامود الداخلية وتذكرت مقهى زعترة ومقهى صيام على يمين الطريق الصاعد الى باب العامود وكانا من اكثر مقاهي البلدة القديمة نشاطا وحيوية وخرجنا الى الساحة الخارجية من باب العامود باب دمشق الذي يعبره في العادة الالاف من الناس يوميا داخلين الى البلدة القديمة او خارجين منها. وتذكرت الشباب والصبايا الذين كانوا يتجمعون ويهتفون دوما للقدس العربية خصوصا خلال الاعوام الاخيرة وكلهم امل وحلم
وخرجنا من البلدة القديمة طبعا لم نزر الجزء الشرقي من البلدة القديمة التي فيها المسجد الاقصى المبارك وطريق الالام. تلك رحلة اخرى لمرة قادمة باذن الله.
واقول في نهاية هذه الرحلة الى البلدة القديمة ايقونة القدس وقلبها كانت رحلة ممتعة لكنها مؤلمة البلدة القديمة كانت كما شاهدتها شبه فارغة محلات كثيرة اقفلت ابوابها لم تعد حية او ناشطة …وجوه الناس كئيبة الحزن يلف الناس كثير من اصحاب المحلات يجلسون امام محلاتهم يلعبون الورق او الزهر يمضون اوقاتهم في فراغ لقلة الزوار والسياح هكذا بدت لي البلدة القديمة في رحلة اردتها ان تكون رحلة استكشاف وحنين ومتعة
ان القدس القديمة هي مدينة السيد المسيح التي مشى وبشر برسالته على ارضها وارتفع منها ومدينة محمد رسول الله التي اسرى اليها وعرج منها الى السماء ومدينة عمر بن الخطاب التي جاء اليها فاتحا ومبشرا برسالة الاسلام واضعا لاهلها ميثاق عهد للتسامح تمثل في العهدة العمرية والقدس ايضا مدينة صلاح الدين الايوبي التي فك اسرها وحررها من الصليبيين يوم وقف المسيحيون في الشرق العربي تحت قيادته جنبا الى جنب مع جحافل المسلمين القدس هذه بكل تاريخها تستحق ان نحميها وان ندافع عنها وان نبقيها حيةتنبض بالحياة
من خلال مشواري الى البلدة القديمة ساءلت نفسي ماذا تحتاج المدينة المقدسة واقول ان مساجد وكنائس واحياء وحارات وشوارع واسواق ومقاهي البلدة القديمة بحاجة اليكم بحاجة الى اهالي القدس بحاجة الى زيارات ورحلات عائلية تضم الاباء و الابناء والاحفاد معا ليتعرفوا على البلدة القديمة بكل ما فيها ولنعلم اولادنا واحفادنا قصة البلدة القديمة اولا … ولتكون البلدة القديمة اشبه ما تكون بخلية نحل تعج بالناس كبارا وصغارا نساءا ورجالا شيبا وشبابا ثانيا ينفقون من اموالهم ما يستطيعون مقابل شراء حاجيات وبضائع متنوعة او ارتياد مقهى او كافتريا او مطعم دعما للتجار والباعة لتكون البلدة القديمة بوجود اهل القدس واهل فلسطين زهرة مدائن الشرق بحق
ان كل عائلة في القدس تستطيع احياء البلدة القديمة وانعاشها لو تداعت وذهبت في رحلة عائلية الى اي موقع ومتجر ودكان وهذه دعوة وفكرة سوف تساهم في جعل البلدة القديمة الحزينة تنبض بالحياة من جديد
ان البلدة القديمة هي قلب القدس وبدونها لا تكون هناك قدس بل مجرد احياء منعزلة لا تمت باي صلة الى تاريخ المدينة المقدسة
من هنا اقول اجعلوا اولادكم واحفادكم يعرفون البلدة القديمة ويتعرفون عليها ليكونوا جسورا حية بين البلدة القديمة داخل الاسوار وبين الاحياء خارج الاسوار وكي يتعلموا معنى الصمود فيها ابد الدهر وكيف يدافعون عنها في كل زمان واول الخطى
شدوا الرحال الى البلدة القديمة من القدس الصامدة والصابرة
