سليم يوسف حسن ابو ضهير
مواليد حي المنشيه/يافا
مكان الاقامة: مدينة نابلس
تاريخ الميلاد: عام 19939
كان عمري تسع سنين أيام ما هاجرنا، بس انا بزكر يافا مزبوط، كنت كتير اضل انزل عالسوق مع ابو، وعشان هيك بتزكر كتير من المواقف والأحداث. كانوا الانجليز ييجو حدا بيتنا بالمنشية، ويطخوا علعرب عشان نفكر انه اليهود هما اللي بطخوا، ويروحوا من عنا يطخوا على اليهود عشان يخلوهم يفكروا انه العرب هما اللي بطخوا. احنا ما كنا بدنا نطغ، ولحد اخر ايام المشاكل ما كنا متوقعين انه رح توصل فينا الأمور انه نصير لاجئين في نابلس ونترك يافا. ابوي جاب معه بس مفتاح الدار ومقص الأضافر والمصحف، ودق على باب الدار خشبتين عشان لما نرجع نلاقيها زي ما تركناها، دقينا خشبتين مصلبتين عالباب احسن ييجوا اليهود يخمعوه.
لما الأحداث اشتدت، رحنا عالمنشية تحت الطخ انا وابوي واختي ندى، ربطنا الاغراض والجنبيات والأواعي والحرامات، حضرناهم وخرجنا عشان نيجي بعد يومين ناخدهم بالشحن، اكل وشرب وفراش ومرتبانات، بعد يومين نزلنا بالشحن مع اخوي محمد اللي كان شفير ايامها، انا ضليت بالشحن عشان اذا بيجوا يهود اصيحله لاخوي محمد، وهو فتح الشحن وبلش يحط بالاغراض، مليانه الدار اغراض كانت والوقت تقيل ورهيب، لما بخرج الواحد من شارع المنشيه بسير مكشوف عشارع تل ابيب يافا، تل ابيب كانت قريبه كتير، كنا نروح نخبز الخبز محل عماره شلومو اليوم. وما خرجنا بالشحن الا بلشوا يطخوا اليهود على اسلاك الكهربا عشان يقتلونا، والحمد لله هربنا بالاغراض لا وصلنا العجمي بيافا، كانت البلد القديمه هي اللي بيسموها القلعه، عند قهوة المدفع، فيها كنيسه وجوامع.
مر شحن من عند قهوة الازاز بيافا، وصاروا يدحلوا البراميل منه، الناس فكروا انه البراميل وقعت من الشحن، صاروا يأشروله انه وقع منه براميل، وما وصلت البراميل لطرف الشارع الا وانفجرت، كل اللي بالقهوة انجرحوا، مره بالحسبه كمان صار في انفجار، ودار الأيتام كمان انفجرت، ولقيوا واحده ميته وبايدها بنت طيبه، ولقيوا الحلاق مغطى بايديه على الزبون اللي عنده عالكرسي والتنين ميتين، كانت مدرسة الايتام مليانه ايتام، موجوده على قنطره، الدار موجوده على قنطره موجوده في سوق الدرهلي، انا من اللي طلعوا يشوفو شو صار، كنت ولد طلعت وكانوا الجنود الانجليز طالعين يفتشوا ومعهم كلاب.
برده الناس رغم هيك ما رحلت، المختار تاع المنشيه ضل بالمنشية وما طلع الا بالاخر، كان في مصنع بالمنشيية للنسيج، جارنا هدا المصنع كان، وكان مصنع حديد بالحاره، كان من خلف بيتنا. كانت العيشه حلوة، اخوي خالد لما بطل من الشغل عند معلمه اليهودي بسبب الأحداث حطلله ابوي عرباية فيها لوز، وكان يجيب بهداك الوقت احسن من اي زلمه، كان يوصل لحارة ارشيد بالعربايه. البلاد انقطعت عن بعض، عشان هيك صار الكاز عزيز، كان اخوي محمد ينزل عالبيايير بالشحن، يشتغل عالبردقان، زقطوا الشحن تبعه مره بنيتر لا انه اجوا الانجليز وتركوه يرجع عيافا بدون الشحن، ولما اجا تاني يوم ياخد الشحن، لقيه محروق، كانت طريق مسكره من جهة يازور، ولازم يروح الواحد من طريق مهربه.
لما اجوا الانقاز كنا بيافا، ولما سمعنا بفوزي القاوقجي زقفناله لا الله يعلم قديش زقفناله، ولما مات عبد القادر الحسيني كنا بالمنشية، واختي ندى جابت الجريده وفاتت تعيط، وتصيح يابا خود اقرأ، كانت الجريده سودا عشان مات عبد القادر.
الاشاعات هي اللي خوفت الناس وهربتهم، في كتير ناس ما طلعت بسرعه، ويقولوا نموت ببلادنا ولا نخرج، دار ابو لبن كان عندهم مطحنة، جابوا مدفع ونصبوه عالمطحنه عشان يدافعوا عنها. اخوي صار ينزل يحمل للناس العفش بالشحن، ويحملوا اي عفش من يافا، ويبسطوا فيها عند فرهود جنب الدوار بنابلس، وكان يمكن الواحد يشتري اشي من عفشه من العفش اللي كانوا يجيبوه الشفيريه.
بعد النكسه، نزلنا على القدس، ركبنا باص تل ابيب، كان معاي اتنين، قلت الهم اذا ضعنا حسابكم علي، وسحبتها مشوار من تل ابيب ليافا مشي، معلمها من البحر، ضليت امشي لا اني شفت الميدنه تاعة الجامع، لحد النكسه ضل في النا دور مبنية بالمنشية، اتطلعنا ودغري عالمنشيه، اول بيت كان بيتنا، القينا بيتنا زي ما هو، ردينا مشينا عالشارع اللي وراه زي ما هو، والشارع التاني تاع خوالي وخالاتي زي ما هما، جامع حسن بيك كان للفواجش عاملينه، خربان كان، فتنا على سوق الدرهلي وسوق البلابسه واكلنا سمك، وطلعنا علاعجمي، وطلعنا علي بيت يام اللي كنا نقلها الجباليه، حي الجباليه، كان خالي ابو علي الشرقاوي سكان فيها، كانوا كل ليلة طول الليل طخ لعند ما هجروهم منها، طلعت بعديها على هاي المنطقة لقيتها كلها متغيره ومسميينها بيت يام. كنا من زمان لما نمشي من تل ابيب ليافا، كان موج البحر يضرب على باب بيتنا، ومره اجت البلدية عملت زي اشي يكسر الموجه وما يخليها تطلع على الدرجات التلاته والبسطه من باب البيت من جهة البحر، الرمل كان بس يا دوب عشرة متر، لانه الميه كانت تطلع على الدرجات مرات. كنا نسبح بالليل، كانوا بنات عمي بيجو عنا عشان ينزلوا على البحر بالليل، لانه عيب السباحة بالنهار للبنات، كانوا بيجوا يسهروا عنا نسوان خوالي واقاربنا منشان ينزلوا عالبحر، وكنا ننزل نشتري بوظه من تل ابيب ونشتري اواعي من تل ابيب، آخر بدله اشترولي اياها كانت من تل ابيب.
اخدت ابوي وحماي بعد النكسه عيافا، قعدنا عند محل اسمه قهوة المدفع، كانت قهوه مشهورة، اللي ميروحش قهوة المدفع مرحش يافا، اعزيت بأبوي يقوم من قهوة المدفع ليشوف الدار، يعني بس اكم خطوخ، صرنا جايين من نابلس، مقبلش، مبدوش يقوم يشوفها، كان مش قابل وزعلان، والله ما قبل يقوم، إتفرج هيك شوي عالبد وما حب يكمل، كان خايف ينمقت.
اخدت اخوي خالد واخوي عبد الغني كمان مره، لقينا كل المنشية مأيومه، كان في منطقة إرشيد، التانيه لقيتها مهدومه، وما ضايل غير الجامع وتلة دار بيدس، وصلنا المنشية ما لقينا فيها ولا بيت لا عاليمين ولا عالشمال، كانت دار بيدس حلوة، فرميد، كانوا زعامه دار بيدس، وكلها معموله ساحه وكورنيش، اخوي الأخرس قعد يتزكر ايام الشباب، وشط الشباب، اخوي عبد الغني كان عمره تلات سنين لما هاجرنا، لما اجا من الكويت اخدته واتزكر بس المصطبه والدرجات اللي عالبحر. أخوي لانه اخرس ما عرف يحكي بس كان ممقوت، قعد يزكرني ايام كان عالشط يركب الحصان ويركض فيه وصار يمسكني ويهزني ويأشر لي انه بده يرجع بسرعه عنابلس. كان اخوي خالد يشتغل عند معلم يهودي بمحل خضره، كان معطيه حصان يجر عربايه ويبيع عليها خضرة، ولما تسكرت الطريق بين تل ابيب ويافا أصر اخوي الا يروح يرجّع الحصان والعرباية لمعلمه، صاروا يقولوله انه الطريق استكرت والهاغاناه عم بطخوا عالنشية والاشتباكات شغاله هناك، بس هو كان مُصر إلا بده يروح عند معلمه يوصّل الحصان، قلناله اليهود بدهم ياخدوا كل البلاد وانت جاي بدك ترجّع الحصان، ما كان يفهم علينا، حاولنا بالاشارات نشرحله بس ما كان يرد، راح عتل ابيب تحت الطخ، اخد الحصان وراح عند معلمه، الا معلمه رجع معاه لا وصله لعند حدود يافا وقال له خلص، الحرب وقعت.
وبأثناء الاشتباكات، كانت امي بنابلس بس اخوي محمد وابوي كانوا بيافا بالعجمي، اتصاوب اخوي اصابة طفيفه بإجره، قاموا نزلوا اسمه يومها بالجريده، إلا ابوي بقوله هلأ أمك ما تضل قلقانه، لما امي هاجرت عنابلس مع ونسوان العيلة، كانوا راكبين عالشحن اللي حطينا فيه العفش، يومها ركبوا برده باقي نسوان من العيله عالشحن، امي سندت ضهرها على تنكة الكاز بلاش يوقع الكاز، كان الكاز كتير غالي ومهم، ولما وصلت امي عنابلس كان ضهرها مسلخ من الكاز.
نزلنا كلنا وعشنا بغرفة صغيره في حارة الياسمينه، كان عددنا اكتر من عشرين واحد، المرحاض كان بعيد شوي عن البيت، كان الواحد بده يستنا عالدور عشان يستعمل المرحاض، الفرشات ما كانوا كفاية، ما كان في حمام نتحمم فيه، جابوا ببور وآزان تنك وحطوه عالببور بمدخل الغرفه، غطوها بقطعة قماش وصارت حمام، الحمام كان بالطريق، كنت اشوف اللاجئين التانيين اللي اجو عحارة الياسمينه، كانوا عايشين في جامع الساطون، عطلوا الصلاة بالجامع، وعملوا زي قرنه لكل عيلة، وفصلوا بين كل عيله والتانية بقماش، كان الفقر كبير لدرجة سمعت مره جيراننا عاملين طوشه لابنهم لانه مشتري شوية فراطة عنب، مش قطف عنب، فراطه، قال ليش عماله بتبهور بالمصاري، كان الفقر والجوع مسيطرين عالناس.
صرنا لازم ندبر حالنا ونشتغل عشان نعيش، كنت يا دوبني عشر سنين، رحت اشتغلت عند واحد كندرجي اسمه ابو وصفي سويلم بالحضرة بباب الساحة، كان الشغل كله يدوي وكل اشي لازم ينعمل بالايد، مفش ماكينات كان ايامها، كان الشغل مرهق، بس كنت اتعلم بسرعه، صار معلمي يعطيني قرشين اجرتي، وانا كتير مبسوط عليهم، كنت اروح اشتري نص وقية سكر ونص وقية شاي، مكناش نقدر ايامها نشتري كيلو، ومره كنت ماشي بالسوق بعد ما اخدت جمعيتي من معلمي وشفت سكمله (طريز) حلوة كتير بتشبه اللي كانت عنا بيافا، قمت اشتريتها واخدتها عالدار، ويومها صارت طوش بالبيت وين بدهم يحطوا السكمله، البيت كله غرفة واحده، وفش وسع لاشي، وضلوا وراي لا رجعتها للبياع وانا ممقوت ونفس فيها.
آخر مره نزلت عيافا، اخدت ابني علي وبنتي عايده، ايام الانتفاضة الأولى وفرجيتهم عالمنشية ودار عمي الحج اسعد ابو ضهير في العجمي، كان تاجر كبير بالحسبة، هاجرنا عبيته بالعجمي من المنشية لما خربت الأوضاع بالمنشية، دقينا هالباب وفتنا، دارنا الله اكبر، كانت مخازن من تحت والبيت من فوق، لقينا عمال عمالهم بطرشوا وبدهنوا، قلنالهم السلام عليكم قالوا عليكم السلام، طلعوا عمال عرب، قلنالهم تسمحوا يا عمي نتفرج، هاي دارنا، وقبل ما نفوت كنت أقول لولادي هون المطبخ، وهون الصالون، والبواب خشب مزوقه، والبلكون حلو، كل البيت زي ما هو، احنا لما هاجرنا على هدا البيت سكنا من تحت من عند الميه، حتى ابواب المخازن نفسهم مش متغيرين، كانوا خارجين اليهود اللي ساكنين فيها وبدهم يعطوها لناس تانيين، وابني علي قرأ شو مكتوب عالحجر بالعربي عن انه البيت للحج اسعد ابو ضهير منقوشه بالحجر كانت.
مرينا بحي ابلابسه ومستشفى الدجاني وسينما الحمرا وشارع جمال باشا والدير وسوق الدرهلي، وسبيل ابو نبوت وجامع دار السكسك عاملينه منجره، فتنا حاكيناهم هناك، كنت افوت على قلب الدور أنا وأولادي اوريهم اياها واشرحلهم كيف الرخام مزو والبوابات مرتبه، كانت حياة أمي تقول اذا متت ودوني عيافا مبديش اندفن بنابلس.
إحنا لما فتنا حارة الياسمينة بنابلس، فتنا من عند الحوش العتم، خفنا ورجعنا بسرعه، اسم الله على عقلنا، كنا ساكنين قدام البحر، وصرنا لازم نمر كل يوم من الحوش عشان نعبي مي، كنت اسأل أمي ليش بما فش بيافا القديمه شواريع مغطيه هيك؟ كان ابوي دايمان يجيبلها بالحنطور ورد من تل ابيب، يبعت عمي ابو جمال يجيبلها الورد من تل ابيب، تلات وردات كان يجيبلها كل يوم تحطهم بنص البيت.
كانوا يتحاكوا بعض الناس عن واحده عروس اخد منها جوزها الدهبات عشان يشتري باروده، كان ساكن جنب دار خوالي دار الشرقاوي. لما هاجرنا قالوا لامي شو رايك تيجي عنا على غزه مع اخوتك وخواتك، بس هي قالت لأ كيف بدي اترك ولادي بنابلس، وهيك انقطعت عن أهلها اللي ضلوا بغزه.
شهود النكبة
روايات شفوية للشهود العيان على حرب عام 1948
اعداد: علاء ابو ضهير