سعد حسين عباس
الموطن الأصلي: قرية عين غزال/حيفا
تاريخ الميلاد: عام 1927
مكان الإقامة: قرية برقين/جنين
كان عمري سنة التهجير 21 سنة، كنا نسمع الأخبار بالراديو، وإحنا بأنفسنا كنا نحارب بالاستحكامات، قبل ال 47 كان في عين غزال مدرسة بتدرّس للصف الرابع، وفيها الطالب بختم القرآن، وإذا بدو يطلع يتعلم بروح على حيفا بتعلم للصف السابع، كان الطالب يوخذ الشهادة ويصير مدرس، كانوا يطلعوا على مصر يدرسوا في الأزهر بعدين صار المترك.
عين غزال هي من أكتر البلاد اللي قاومت اليهود وعجة وجبع والطيرة كمان قاوموا، كانوا اليهود عايشين بينا وكانوا يهاجمونا عدة مرات، يوم كانت قافلة على خط حيفا- يافا، عملنا خنادق وحطينا ألغام في الشارع، كانت القافلة تتألف من 24 مجنزره، لما صارت أول مجنزره على الألغام فجرنا اللغم اللي تحتها، وفجرنا اللغم الي تحت آخر مجنزه، واستولينا على القافلة كاملة، كان فيها مواد غذائية وسولار وبنزين، من أول ما كان لليهود قيمة ولا شكيمه قوية، كنا نهاجمهم ونصدهم، هاجمونا اليهود في البلد وكنا نقتل منهم عدد كبير.
حتى عام 1948 كنا نروح على جنين نوخذ أسلحة بالتهريب على الجمال، عدة مرات اليهود حكوا أنه عين غزال شوكه في حلقهم، وما دامت المقاومة موجودة لا قيام لدولة إسرائيل أبداً، مره هاجمونا اليهود وإحنا في الاستحكامات وردينا عليهم وطوقناهم من جميع النواحي، دخلنا بين القبانية وعين غزال وحشرنا اليهود، أنا كان معي رشاش إنجليزي شريناه من معسكرات الإنجليز في حيفا بالتهريب، كنا نعتز فيه للرشاش واشتريناه بمبلغ كبير.
آخر معركة كان معاي فيها الرشاش وخلصت الذخيرة، كنت بجنوب عين غزال وإحنا عاملين طوق على اليهود، كانت المعركة حاسمه بيننا وبينهم، كانوا بس بعاد شي عشرين متر عنا، وقف يهودي حامل رشاش وحكا لي أنت خلصت الذخرية منك، واطلق علي عدة رصاصات في الصدر، كسرت ضلعين من ظهري وأربع رصاصات في إيدي، اللحم صار من هو لراس كتفي مبين (وسط العضد) قعدت شهرين ثلاثة في المستشفى الدكتور قللي لو تقعد سنه اللحم ما بضب على بعضه، نقلوني من عين غزال لما تصاوبت على فرس ركب وراي واحد من عين غزال لعاره وعرعرة، ليله كاملة، اتنعشر ساعة اخدت الطريق لا اوصلنا عاره، وركبنا في السيارة وأخذونا على المستشفى في نابلس ورموني بغرفة الأموات، لما ارتحت صحيت فتحت عيني لقيت واحد ميت من جنبي من هون وكمان ميت من هون، صرت اصيح، أجو علي التمرجيه، قلتلهم الله أكبر، أنا طيب، حي ارزق، وبتحطوني بين الأموات، لا يجوز في دين الله، أخذوني على غرفه فيها أحياء، لما أجوا يعملولي العملية، رفضتها لأن اللي معي بالغرفة حكولي انت مجروح أربع جروح، وبالعملية بدهم يقصوا من رجلك يحطوا بايدك، تجرح حالك مرة ثانية؟
نمت وصحيت آخر الليل، توضيت وصليت ورجعت نمت، شفت منام واحد واقف على الباب بقول مين سعد اللي من عين غزال؟ قلت أنا قلي أبوك عالباب بدو يشوفك، طلعت شفت أبوي قلتله بدي أشاورك يابا، الدكتور بدو يعمللي عملية يقص من رجلي ويحط بأيدي، قللي لا تخالف الدكتور وقللي عندي شغل بجنين، بوصل جنين وبرجع على نابلس قبل العملية إن شاء الله. صحيت من النوم أجا واحد على الباب بسأل مين سعد من عين غزال، نفس اللي صار معي بالحلم والله صار بالحقيقة، عملت العملية وأبوي حضرها ثاني أسبوع عملت كمان عملية لأن الجرح كبير، طابت ايدي وروحنا كنا صرنا مشردين في باقة الشرقية.
بطلت العرب تعطينا ذخيرة، هربنا بالليل من البلد وما احتلونا اليهود، دخلوا الطنطورة وحاربناهم هناك، كانوا جامعين الشباب حوالي 40 شب وطخوهم، أما عين غزال وجبع واجزم ما دخلوهن وإحنا فيهن. المتطوعين العرب وصلوا عنا شي عشرين واحد على عين غزال، جيش الإنقاذ كان في منطقة النصارة وجنين وصفد وما وصلوا عنا على عين غزال، إحنا كنا مطوقين من جميع النواحي، كنا نغامر ونبيع أرض ونشتري سلاح على عاتقنا، ما فادونا العرب بأي إشي أبداً، قاومنا فترة السبعة واربعين كلها وفي التمنية واربعين قاومنا، حيفا سقطت ويافا سقطت وكل المدن الرئيسية سقطوا وإحنا لسه بنقاوم في عين غزال، طلعنا كل البلد مع بعض في ليلة وحدة كان يمكن في شهر سبعة، كانت رمضان، ما أخدنا معنا إشي، سكنا في جبع تحت الزيتون، كنت أنا وأبوي وأمي ومرتي وابني واخوتي وكل اهل البلد، صاحب الأرض قال بعطيكم أرض تفلحوا وتشتغلوا وتعيشوا فيها، الحكومة العراقية قالت اللي بحب بيجي علي بغداد أهلاً وسهلاً وكذلك السوريين، كثير من أهل بلدنا نزحوا على سورية على مخيم اليرموك ومخيم درعا وحلب وعلى العراق.
قعدنا في باقة الشرقية ثلاث سنوات بعد التهجير، كانت الحياة صعبة بدون مية، رحنا على باقة الغربية لأنها بلد كبيرة وكان فيها زراعة وحماية من الجيش العراقي، وكانت في طريقنا لما طلعنا من عارة وعرعرة على طولكرم ورجعنا على باقة الشرقية كانت بلد صغيرة وما فيها مشاريع مية مثل اليوم. رحنا على برقين، كانت البلد أوسع وأراضيها أوسع، استأجرنا في برقين دار وأخذنا أرض، اجتهدنا واشتغلنا، جمدت مصاري وشربت ميت دونم قطعة وحدة.
امي كانت تبيع بيض وحليب ولبن وكانت دافنة المصاري في الأرض، لما طلعنا سألناها عن المصاري قالت انهن بالأرض بنقول للناس اللي بروحوا هناك يطولوهن، قلتلها إنهم بوخدوهن، قالتلي يوخدوهن ولا يروحن بالتراب، كنت أسمع منها وين حاطة المصاري وهي بتقول للجماعة اللي بروحوا هناك بالمحل الفلاني، الناس يروحوا ويقولوا ملقيناش اشي.
مره رحت عند أولاد عمي زيارة، وأنا هناك، في نابلس كانوا بدهم يروحوا تهريب على عين غزال، قلت بدي أروح معكم، بدون ما يدري حدا من أهلي، تسللت مع الجماعة على اجزم، كان فيها واحد اسمه محمود الماضي، ضل في البلد وما رضي يطلع منها في التهجير، رحنا عنده بالنهار، وبالليل طلعنا على عين غزال، رحت على دارنا، دورت على المصاري ولقيتهن وجبتهن، ورحنا على الفراديس بالليل عند واحد كنا حاطين عنده غنم، قاللنا أجوا اليهود وأخذوا الغنم كله وروحنا.
صاروا اليهود بدهم يزيحوا ملامح عين غزال، حرفوا سور المجنه (حديقه فيها المقبره) وزرعوا فيها شجر وصارت غابة، قالولهم أهل الفراديس هون بلد عين غزال وهون المقبرة وأهلها موجودين مش غائبين، ما بطلعلكم تغيروا معالمها، أجوا علينا أهل الفراديس وحكولنا إذا بنعرف حدود المجنة، رحت أنا وأخوي غازي شفنا حدودها وحكينا للمجلس ورفعنا قضية بالمحكمة وحصلنا حقوقنا ورحنا على حيفا كشفنا على الطابو على حدود المجنة وأنا إلي جنبها قطعة أرض بعرف حدودها سورناها وكتبنا عليها مجنة مقبرة عين غزال ولحد الآن بعدها مسورة. ضلينا نروح عليها حتى منعونا اليهود بأول الانتفاضة الأولى.
شهود النكبة
روايات شفوية للشهود العيان على حرب عام 1948
اعداد: علاء ابو ضهير