محمود بركات
المواطن الاصلي: قرية يازور/يافا
العمر: عشرين عاماً وقت الرحيل
مكان الاقامة: مخيم العين/ نابلس
كان عمري عشرين سنة، وكنت مش متجوز لسه، كنا نتابع الأخبار على الطبيعة، لا بدنا راديو ولا إشي، كانوا يهاجمونا اليهود كل ليله، يعني إحنا عنا خط رئيسي بمرق من نص البلد، من يافا القدس لغزه، الخط عنا بمشي لعند بيت دجن دوار اللد والرمله وباب الواد، وجنوب هيك باخد الكبانيات وبوصل لعند غزه.
كان في مدرسة زراعية بين يازور ويافا إسمها نيتر، هاي كانت عزمان تركيا، وكان في دباغة للجلود. كانوا اليهود يمروا من عنا من الشارع الرئيسي، نضرب على اليهود، واليهود بالليل يهاجمونا، كنا نهاجم بعض، مفش يوم بدون ما نهاجمهم او يهاجمونا، ضلينا نقاتل حتى اجو جيش الانقاذ. كان ابوي مسؤول لجنة، أجا جيش الانقاذ على البلد، قال له شو الاسم الكريم، قال له: ابو صالح بركات، قال له يا ابو صالح: إحنا بدنا تورونا وين المناطق العالية، على أساس بدنا نستحكم هان، قام ابوي ورّاه المناطق المرتفعه، قل له بدنا نرحّل جميع السكان، قال له ابوي: معلش احنا بنرحل الاطفال والنسوان والختيارية، وإحنا والمسلحين بنبقى، قلله لأ، مبدناش ولا مسلح، ولا زيد ولا عبيد، احنا بدنا بس انتو تروحوا، واحنا بندبر حالنا، ضل واحد ختيار بالبلد، قال انهم قعدوا يومين، ضربو ثلث قنابل على تل ابيب، تل ابيب هيك تحتنا، وراحوا.
من ساعة ما قالو على انه بدهم تقسيم وبدهم يسحبوا حالهم الانجليز، صارت المناوشات، من أواخر السبعه واربعين، انا بتذكر انه من الستة وتلاتين في مناوشات بينياتنا، بس ما كنت اتوقع انه توصل الامور لهيك، اليهود بعتوا لأهل يازور انه يا اهل يازور احنا وياكم خلينا جيران، ابدناش مشاكل بينا وبينكم، علشنان انهم مضطرين يدخلوا من يازور، هما كانوا مضطرين يعملوا معنا سلم عشان يضلو يقدروا يفوتو الامدادات، هما اليهود لما طلبوا انه نضل جيران، احنا ما وافقناش، احنا النا البلاد.
أجو قالوا بدنا من كل عيله خمسه وعشرين جنيه عشان نروح نجيب أسلحه من مصر، راحوا جابوا بارود الماني من الحرب العالمية الأولى، تضرب رصاصة يا تقتل صاحبها، يا متطلعش. كانت كل العرب تحت الاستعمار. كان الشعب يشتري من ماله السلاح، مشط الفشك بخمس جنيهات، في ناس باعوا مصاغ نسوانهن عشان يقدروا يشتروا سلاح. يازور كلها بيارات، اشجار برتكان، يعني مستعد تطلع من حيفا لغزه بين البيارات، مليانه بيارات.
جيش الانقاذ أجا بالآخر، لما أجو يستلموا المناطق ويناضلوا عنا، ضر وما نفع جيش الانقاذ، كان ييجوا جماعه من القرى المجاوره يساعدوا، كانوا افراد بس، جيش الانقاذ ما أجا يحرر بلاد، كانت المقاومة محلية من أهل البلد. الزراعه استمرت حتى اللحظات الأخيرة، كان الواحد يروح على ارضه وسلاحه عكتفه. كل بلد كانت مسيطره على حالها، كان الوضع لسه ماشي، والزراعه والشغل مستمر.
اليهود ما كان في الهم مجال يفوتوا، كانوا يناوشوا مناوشات، يطخوا علينا من تل ابيب ونيتر. كان واحد من اللد إستأجر أرض من جيراننا، كان يسقي الزراعة تبعته من الماتور تبعنا، لما اجوا جيش الانقاذ، وطلبوا منا نرحل، أخد هدا الزلمه نصف عيلتنا، ناس طلعوا عاللد، ناس طلعوا عالرمله، إحنا أول إشي إجينا عاللد، إحنا مشينا مشي من يازور للد، قعدنا ببيجي شهرين باللد، بعدين طلعنا منها، جماعة اخدونا على قبيه، قضا اللد كانت، صارت صيف الدنيا، اجا صاحب ابوي، وقلله يا ابو صالح، في عنا صبر بقية، جيب هالولاد والعيله يقعدوا عندهم، يقعدولهم شهرين زمان، وبعدين برجعوا عاللد، مكنش في مناوشات باللد، كانت اللد الوضع فيها منيح، قعدنا بقبية شهرين، بعديها إجينا عدير عمار، بعديها عنابلس.
سقطت الخيرية، اليهود بالليل اجو احتلوا الخيرية، قطعوا الامدادات عن سلمه، لما طلعنا احنا لقينا بيت دجن والسافريه مفش سكان فيهم، مفضيينها، لانه احنا وسلمه كنا عالخط ومش عارفين شو قدامنا. لما سقطت اللد، كنا بقية ضيوف، كان عفشنا بالبلد واواعينا وأغراضنا بالبلد، مطلعناش معنا إشي، قالولنا تجيبوش أشي، مإنتوا راجعين، دبرنا فراش باللد، وراح علينا لما سقطت اللد. واتشتتوا أهل يازور، كل واحد راح على هوا ظروفه. كتير ناس من يازور راحو بالمناوشات حوالي خمستعشر واحد او عشرين تقريباً، منهم خالي.
الانجليز كانوا من سنة الستة وتلاتين للتنمية واربعين لما بمسكوا عربي معه فشكه يعدموه، اليهود كانوا في منطقة رملية يتدربوا على السلاح، أدام الانجليز، أول مندوب سامي اجا عفلسطين كان يهودي. جيش الانقاذ اللي أجا عالبلد كان بسب سيارة جيب فيها أربعة، وقالوا ورونا المناطق العالية، وبعديهم أجو الباقية، إحنا شعرنا بالطمأنينه لما أجو جيش الانقاذ، وفي عنا حرمه صارت تغني وتزغرد.
انا ما رحت على يازور، وما بدي اروح، يعني كيف بدي اروح على أرضي وعلى داري والقى عدوي ساكن فيها، وأقف باب الدار كأني غريب، حياة ابوي راح وشافها لما رجع انجلط ومات.
هما اليهود خوفوا الناس، خاصة عند ما صارت قصة دير ياسين، احنا ما ارتعبنا في يازور على دعاية دير ياسين، وضلينا بالبلد لاسبوعين تلاته بعد دير ياسين. ضل واحد ختيار من دار الشلبي، مقبلش يطلع، لما شاف مفش حد بالبلد، ولما شاف اليهود، طلع ومات هون.
لما جينا عنابلس، مرديش ابوي نقعد عند إصحاب اله في نابلس، ولا عند خواله بالزاويه، عملنا عرش وقعدنا فيه مده، وبعدين لما عملوا الخيام، في ناس صارت تروح عبلاطه وناس تروح عريحا، احنا قسم منا استأجر في نابلس وقسم استأجر عند دار ابو السعود في وادي التفاح. في الخمسين، صار في مخيمات، في ناس قعدت عشر سنين في الخيم، كانت اول سنة الناس بتسكن في خيم سنة التلجة. ما شفنا من أهل هالبلد نابلس الا كل خير، ساعدونا وسكّنوا الناس بالمدارس والجوامع، قعدوا فيها لخمس ست أشهر تقريباً.
في اللد، صارت قصص عن ناس نسيت ولادها، في أخوي الكبير لقي بنت من بنات أهل بلدنا ضايعه، كانت الدنيا رمضان، وكان الوقت وقت الحصيده، حاصدين وبدرسوا الناس، دخلت اليهود عاللد، واللي شرد شرد، صار الواحد بده يشرد كيف ما كان، ويقال انه في ناس حملت مخده فكرتها ابنها، وفي ناس تقتلوا وهما بهربوا، وفي ناس ماتوا من العطش، مفيش حد صاحي للتاني، الناس دشرت ولادها، الأب ما عرف ابنه ولا الابن عرف أبوه، يعني موقعة اللد زي يوم القيامه، يا دوب الواحد كان ينجوا بنفسه.
البلد عنا تقريباً طلعت كلها مع بعضها، لانه انتا بصرش تطلع وتنشرني أنا، زيي زيك، بصرش حد يطلع لحاله، كان حياة عمي جبار، يقول: كل واحد بطلع بطخه، كلكم بدكم تبقوا هان، بدكم تحافظوا على أرضكم وعلى عرضكم.
في السبعة وستين، لما اجوا اليهود، جمعوا كل اهل المخيم، كان مختار، قللهم كل وحه بتنزل على إسرائيل تشتغل ترحل من المخيم وممنوع تسكن هان، الشباب تروح تشتغل بس النسوان لأ، في واحده حتى هربت ومسترجتش ترجع لهين، راحت عاشت بقلقيلية.
شهود النكبة
روايات شفوية للشهود العيان على حرب عام 1948
اعداد: علاء ابو ضهير