الشاعر محمود مفلح.. سمخ التي يسكنها بالحنين
دمشق - 4/11/2025
هوية - فدوى برية
زار وفد "هوية" الأستاذ محمود حسين مفلح (أبو حسّان)، أحد كبار شعراء فلسطين المعاصرين، من مواليد عام 1943 في بلدة سمخ على ضفاف بحيرة طبريا.
الزيارة جرت في منزله في الزاهرة القديمة بدمشق، بعد سنوات من الغياب عن سوريا، وجاءت هذه المرة ليس للحديث عن مسيرته الأدبية فقط، بل عن ذاكرة العائلة وتجربتهم مع التهجير واللجوء.
يتحدث الأستاذ محمود عن سمخ كما حملها في وجدانه منذ طفولته، وكما رواها له والداه وأهل قريته، لتتكوّن في ذاكرته صورة كاملة لبلدةٍ نابضة بالحياة على شاطئ البحيرة.
يصفها بأنها كانت عامرة بالناس والزرع، تتوسطها محطة القطار التي تربط دمشق بحيفا، ومنها كانت تصدر الحمضيات والسمك.
ويتذكر مشاهد لا تفارق الذاكرة من مثل البحيرة الزلال والمراكب الصغيرة مع الغروب.
كثير من التفاصيل لم يعشها بنفسه، لكنه سمعها مرارًا وتكراراً من الأهل والأقرباء حتى أصبحت جزءًا من ذاكرته الشخصية.
عام 1948 غادر الصغير محمود مع عائلته قريتهم قسراً تحت القصف والنار.
يتذكر من خلال ما سمعه أن الأهالي خرجوا نحو القرى المجاورة ثم إلى درعا، بعد أن اشتدّ الخطر عليهم من العصابات الصهيونية، ولم يحملوا معهم سوى ما تيسّر من مؤونة وثياب.
من هناك بدأت حياة الخيمة والمخيم التي شكّلت وجدانه الشعري لاحقًا، فأمضى أكثر من عشرين عامًا في مخيم درعا وسط ظروف قاسية من الفقر وشحّ الماء والإعاشة.
"اللي بيعرف يكتب، لازم يكتب وجع الناس... عن الخيمة والريح والطابور وكيس الطحين. هاي القصص صارت شعرنا اليومي."
كتب أولى قصائده وهو في الرابعة عشرة من عمره، ونُشرت عام 1964 في مجلة "الثقافة الدمشقية".
ويرى أن شعر المنافي أشدّ وجعًا، لأنه يكتب بلغة الغربة والاشتياق إلى أرض لم ينسَها، وإن لم يعشها بكل تفاصيلها.
هوية لا تغيب
رغم مرور العقود وتفرّق أولاده في بلدانٍ شتى، لا تزال سمخ تسكن قصائده، ولا تزال العودة حلمًا يقينه لا يخبو.
يقول بحنينٍ صادق:
"أن أعود في خيمة بوطني، خير من كل ما أنا فيه."
وفي ختام اللقاء، قدّم الشاعر مجموعتين من دواوينه، معربًا عن امتنانه لجهود منصة هوية في توثيق الجذور العائلية الفلسطينية، وحفظ الذاكرة التي لا تشيخ.
رحلة اللقاء مع الحاج محمود مفلح لم تكن مع شاعرٍ فقط، بل مع ذاكرة جيلٍ حوّل الغياب إلى حكاية، والحنين إلى شعرٍ يخلّد الوطن.
سمخ التي لم يعد إليها جسدًا، ما زالت تسكنه شعرًا ووجدانًا، وتنبض في كل بيت يكتبه عن فلسطين التي لا تغيب.
