بلدة برقين: بلدة الشيخ حسن الباير في ثورة القسام والشيخ نصر جرار في انتفاضة الأقصى
جنين – خاص :
تقع بلدة برقين في القاطع الغربي لمنطقة جنين، تبعد عن مدينة جنين أقل من 5 كلم، وترتفع عن سطح البحر بـ 270 متراً، وتمتد أراضيها على مساحة 19447 دونماً، في حين تنتشر مبانيها على 400 دونم، يحيط بها قرى كفرذان والهاشمية وكفر قود وسهل عرابة، وبلغ عدد سكانها حسب إحصاءات حكومة الانتداب عام 1922 نحو 883 نسمة، ارتفع إلى 1540 عام 1945، وإلى 2100 عام 1967، وإلى 3730 عام 1996 ليستقر على 5000 عام 2003.
تحوي بلدة برقين رابع أقدم كنيسة في العالم، كما يوجد بها ثلاثة مدارس وأربعة مساجد وغالبية سكانها من المسلمين، وتعود تسمية البلدة حسب بعض المصادر إلى زمن السيد المسيح عليه السلام، حيث تذكر الكتب التاريخية السيّد المسيح حين خرج من الناصرة متوجّهاً نحو مدينة بيت لحم مرّ على موقعٍ وجد فيه كهفاً يأوي عدداً من المصابين بمرض البرص فأشفاهم بإذن الله، فسمّي الموقع “بورصين” وتحوّل بعد ذلك إلى بورقين ومن ثم استقر على برقين.
برقين وثورة القسّام :
حين يذكر الشيخ القسّام يذكر معه عددٌ من المجاهدين البارزين الذين شكّلوا الحلقة الأولى في عمله الجهادي، ومن هؤلاء الشيخ المجاهد حسن الباير من أبناء برقين البررة “شيخ شباب برقين”، والذي لمع اسمه في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت برقين المحطة الأخيرة التي مكث فيها القسّام قبيل استشهاده في أحراش يعبد في تشرين الثاني من عام 1935 حيث باتوا ليلتها في كهفٍ يتبع حمولة العروق في بلدة برقين.
و كان لمجمل عائلة الباير في برقين مشاركة فاعلة في ثورة القسام، وقد تعرّف الباير على القسام في مدينة حيفا حيث كان يعمل، حيث أعجب بشخصية القسّام حين كان يحضر دروسه في مسجد الاستقلال في المدينة فلازمه ونال ثقة الشيخ القسام وبدأ في العمل السريّ حتى عام 1935 حين انتقل القسام مع ثلة من رجاله إلى جنين … استشهد القسام في حين لقي الشيخ حسن الباير ربه شهيداً في السجون البريطانية ليبقى اسمه محفوراً على جذوع الأشجار وعلى حجارة أزقة برقين ….. لتكون برقين من بعده عريناً لكتائب القسام، فكان منها خمسة قسّاميين شهداء في انتفاضة الأقصى، منهم استشهاديان، ومنهم اثنان قادا كتائب القسام في المحافظة في فترات متعاقبة … ومن لا يعرف الشهيد الشيخ نصر خالد جرار.. قائد ومؤسّس كتائب القسام في شمال فلسطين …
برقين وأعراس الشهداء :
لم يكن الشهيدان القسّاميان شامان صبح (28 عاماً) والشهيد القسّامي البطل مصطفى قاش اللذان اعتقلتهما القوات الصهيونية الخاصة آخر شهداء بلدة برقين، فقد أثبتت برقين أن عطاءها المتدفّق من فلذات أكبادها وخيرة شبابها لن ينفذ بإذن الله … فقد قدّمت برقين والتي لا يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف، عشرة شهداء إلى الآن في انتفاضة الأقصى منهم خمسة قسّاميين، فثلاثة من العشرة كانوا استشهاديين، واثنين من العشرة قادوا كتائب القسّام في المحافظة، وخمسة من العشرة كانوا قسّاميين، كما كان من العشرة أول أخوين يستشهدا في محافظة جنين.
فمع اندلاع شرارة الانتفاضة كان الشرطي محمود مساد قد خلع ملابسه العسكرية بعد أن أنهى ورديّته وتوجّه إلى حاجز الجلمة ليقوم بواجبه الجهادي ليلقى الله شهيداً بتاريخ 4/10/2000، وبعد ما يقارب شهراً ونصف الشهر على استشهاده كانت البلدة على موعد مع شهيدها الثاني والذي كان هذه المرة شقيقه محمد مسّاد والذي استشهد في نفس المكان على حاجز الجلمة بتاريخ 21/11/2000 إثر إصابته بعيارٍ ناريّ متفجّر في الصدر …
و في جريمة هزّت مشاعر المواطنين أقدمت قوات الاحتلال وبدمٍ بارد على ارتكاب مجزرة بشعة بحقّ خمسة من جنود الأمن الفلسطيني قرب الحاجز الفلسطيني في طريق الجلمة عندما أطلقت دبابة قذائفها تجاه سيارتهم قبيل أذان المغرب في رمضان، وكان من بين الشهداء أحد أبناء برقين الشهيد مهند أبو شادوف (34 عاماً) ……… ومن هنا دخلت برقين بعد ذلك في عالم الاستشهاديين، حين نفّذ الاستشهادي نضال أبو شادوف ابن عم مهند عملية استشهادية في بلدة بنيامينا ليقتل صهيونيين ويجرح سبعة آخرين انتقاماً لدماء ابن عمه وذلك في هجومٍ تبنّته سرايا القدس …
برقين : عرين القسام ونبع القسّاميين الذي لا ينضب :
كانت برقين في 19/3/2002 على موعدٍ مع عرس قسّامي، حين أفاق أهالي البلدة على خبر مفاده أن استشهاديين من كتائب القسام قد اقتحما معسكر تياسير الصهيوني في الأغوار، وخاضا معركة بطولية استمرت نحو أربع ساعات مع جنود الوحدة أفضت إلى مقتل قائد وحدة المظليّين وجرح ثلاثة جنود آخرين حسب اعتراف العدو … ومع ساعات الظهر تبيّن أن أحد المهاجمين كان الاستشهادي أحمد علي عتيق، ابن الشيخ علي عتيق أحد الوجوه الإسلامية البارزة في البلدة، وفي مسيرة حاشدة تمّ تشييع الاستشهادي الذي نعاه والده إلى جماهير المشيّعين قائلاً : “كنت لك المعلم منذ ولدت، واليوم قد غدوت أنت المعلم لي”، وقد كان هذا الهجوم أحد الردود القسامية على ما أطلق عليه حينها حرب المخيمات.. أياماً قليلة بعد انتهاء الاجتياح السادس لمخيم جنين.
و كما هبّت كتائب القسام في برقين لتردّ على اجتياح المخيمات، لم تكن لتسكت على جريمة اغتيال القائد العام المؤسس لكتائب القسّام الشيخ صلاح شحادة، حين خرج الردّ الثاني على تلك الجريمة من هذه الأرض الطهور.. فكان الاستشهادي جهاد حمادة منفّذ عملية صفد والتي قتل فيها عشرة من الصهاينة وجرح نحو 40 آخرين، وكانت تلك المرة الأولى التي يتمّ تنفيذ عملية في صفد منذ احتلالها عام 1948.
أما الشخصية الأبرز في بلدة برقين فكانت الشيخ الشهيد نصر جرار (43 عاماً)، والذي لقي الله في عملية اغتيال جبانة بتاريخ 14/8/2002 في بلدة طوباس، وكان الشيخ جرار والذي قضى في سجون العدو نحو 15 عاماً من عمره الجهادي الممتد لأكثر من عقدين قد تعرّض عدة مرات لمحاولات اغتيال، ويقال عنه إنه الشهيد الذي دفِن في أربعة مقابر، فيده اليسرى وإحدى قدميه قضيا في العام الأول لاندلع انتفاضة الأقصى في انفجار عبوة ناسفة قرب معسكر صهيوني، أما رجله اليمنى فقد قضت حين وقعت عليها كتلة اسمنتية خلال الاجتياح الكبير لمخيم جنين حين رفض الشيخ الخروج من المخيّم وصمد مع المقاومين، أما الجزء الثالث من جسده فبقيَ تحت أنقاض منزل عائلة أبو محسن في طوباس والذي قضى فيه شهيداً ليختلط وجسد شهيد آخر، ليدفن ما تبقّى من جسده في مسقط رأسه برقين.
يوم 23/12/2002 لم يكن أيضاً يوماً عادياً لدى أهالي برقين وذلك حين صُعِق الجميع بنبأ استشهاد كادرين من كوادر القسام في البلدة أحدهما مسؤول الكتائب في المحافظة وهو الشهيد شامان صبح (30 عاماً) ورفيق دربه الشهيد مصطفى قاش، واللذين اغتيلا وهما يستقلان جراراً زراعياً في عملية تمويه على جنود العدو بين بلدتي برقين واليامون، حيث تمّ إعدامهما بدمٍ بارد على خلفية علاقتهما بعملية صفد، وقد خرجت برقين وقراها المجاورة في حفل زفاف مهيب للشهيدين.
برقين.. عهد على البقاء :
لم تبخل هذه الأرض يوماً بأبنائها، فاستمرّ مشوار العطاء، ففي تشرين ثاني الماضي قدّمت برقين طفلين شهيدين أقدم جنود العدو على قتلهما بدمٍ بارد أثناء قيامهما برشق آلياته بالحجارة!!!! الأول هو معتز عامودي والذي استشهد في 8/11/2003 وهو يهاجم آليات العدو بالحجارة، والطفل مازن صبح والذي لحِق بربه بعدها بثلاثة أيام، وهل تشكّل الحجارة خطراً على آليات العدو؟!!، أما الشهيد اياد شلاميش فقد استشهد بتاريخ 9/7/2003 أثناء تصدّيه لمحاولة اعتقال شقيقه فادي من منزلهم.
أما على صعيد المعتقلين، فيوجد في برقين 20 معتقلاً متّهمون بالمشاركة في أعمال عسكرية، القسم الأكبر منهم ينتمون إلى كتائب القسام …
إذ يأبى أحفاد حسن الباير الذي عاهد القسام أن يظلّ على عهده معه وأبناء عشيرته إلا أن يوفوا بعهود أجدادهم..
و اليوم تقف حماس في هذه البلدة شامخة أبيّة، فقد امتدت أفرعها لتطال مختلف الجوانب التي تهمّ الناس على الصعيد النقابي والاجتماعي والسياسي والعمل المقاوم، إذ ترعى العديد من المؤسسات المحلية في الجانب الدعوي والاجتماعي.
إنها برقين: برقين الشيخ حسن الباير في ثورة القسام … وبرقين الشيخ نصر جرار في انتفاضة الأقصى… العهد هو العهد.. والشهادة طريقنا إلى الجنة.