جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
إخـلاء «بـاب الشـمـس»... والحكايـة تحاصـر الاحتـلال
حصل ما كان متوقعاً، فسلطات الاحتلال لم تحتمل رؤية الفلسطينيين يسترجعون أرضهم ولو لساعات فقط، فما كان منها إلا أن أرسلت جنودها مساء أمس الأول (السبت 12- يناير)، لإخلاء قرية «باب الشمس» من سكانها، ليؤكد رئيس حكومة الاحتلال أن أحداً لا يستطيع وقف الاستيطان في تلك النقطة تحديداً. ولكن جنود الاحتلال تركوا وراءهم خيام القرية، وكأن فصول رواية «باب الشمس» الجديدة لا تريد أن تنتهي. لترويها خيام مزق بعضها واحرق بعضها، مثل بيوت الفلسطينيين في حيفا وعكا والناصرة واللد. معالم بقيت فوق أرض فلسطين التي يواصل الاحتلال سرقتها، دون أن يتمكن من سرقة فلسطين. وعند الساعة العاشرة مساء من يوم أمس الأول، بدأ قرابة 1500 جندي وشرطي وعنصر من القوات الخاصة الإسرائيلية عملية خطط لها بعناية، لإخلاء قرية باب الشمس بهمجية وعنف. وبالرغم من إصدار المحكمة العليا الإسرائيلية لقرار يقضي بعدم إخلاء القرية لستة أيام أثناء مناقشة قضية إزالتها، إلا أن بنيامين نتنياهو لم يتحمل أكثر من ساعات، فأصدر أوامره بإخلاء القرية، متجاهلاً المحكمة العليا، بحجة أن المقاومين السلميين يشكلون خطرا على الأمن. وقال نتنياهو في كلمة خلال الاجتماع الحكومي الأسبوعي «بمجرد أن أحطت علما بتجمع الفلسطينيين أمرت بإجلائهم على الفور. في الواقع تم ذلك الليلة الماضية بأفضل طريقة»، مضيفاً «لن نسمح لأحد بإلحاق الضرر بالتواصل الجغرافي بين معاليه ادوميم والقدس». وكان رئيس الحكومة اليميني، الذي يبني حملته الانتخابية على مواصلة الاستيطان، أشار في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن حكومته ستستأنف البناء في الموقع بعد استكمال التخطيط، مضيفاً «إنها عملية تدريجية تستغرق وقتا. لن يحدث ذلك على الفور فأنتم تفهمون العملية البيروقراطية لدينا. سنكمل التخطيط ثم سيكون هناك بناء». وقرية «باب الشمس»، أنشأها منذ يومين فقط حوالي 200 مقاوم فلسطيني سلمياً فوق منطقة «إي 1» الواقعة على الأرض الفلسطينية التابعة لقرى العيساوية، والعيزرية، والطور، وعناتا وأبو ديس في شرقي القدس. وهي منطقة إستراتيجية تخطط إسرائيل لبناء أكثر من أربعة آلاف وحدة استيطانية فيها، بهدف فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها وجنوبها، ومنع أي احتمال لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً على حدود العام 1967. وشرح صلاح الخواجا، وهو احد المقاومين السلميين الذين تم إخلاؤهم بعدما تعرض للضرب لـ«السفير» «بدأت حركة الجيش بعد العاشرة تقريبا، انتشروا في كافة المناطق المحيطة بنا، ثم دخلت عشرات الدوريات المحملة بالوحدات الخاصة حتى وصلت إلى مشارف القرية»، مضيفاً «بدأوا بمداهمة الخيام واحدة تلو الأخرى، ونحن اضطررنا إلى التجمع في منطقة واحدة، وشكلنا سلاسل بشرية، وألقينا بأنفسنا على الأرض، حيث حاصرونا». وأوضح الخواجا أن كل متضامن تواجد في المكان خصص له ثمانية جنود لإخلائه، حيث كان يهاجمه جنديان من الشمال واليمين لفكه عن السلسلة البشرية، ثم يحمله ثمانية جنود. وقال» لقد تعاملوا معنا على أننا حيوانات، كانوا وحوشا وهمجيين مثل الكلاب الضارية». من جهته، قال وسام الديك، وهو أحد الناشطين الذين تعرضوا للضرب المبرح في وجهه، «حاصرونا من كل الجهات، وبدأوا يقتربون، حتى أصبحوا ملاصقين لنا، وبقوا خمس دقائق دون كلام، ثم بدأوا بسحبنا»، مضيفاً «سحبوني خلف إحدى الخيام، ألقوني على بطني، وبدأوا بضربي على رأسي من الخلف، ثم ربطوا يدي، وبدأوا بسحــبي فوق الحجارة، ثم ألقوني في مكان آخر وواصلوا ضربي على وجهي ورأسي وبطني، وبعدها رفعوني عن الأرض، واقتـــادوني إلى إحـــدى الحافلات حيث استمروا خلال الطريق بضربي على وجهي ومعدتي». وأشار وسام إلى انه وقبل أن يتم نقله إلى الحافلة امسك به احد الجنود وبدأ بضربه مباشرة. ولفت إلى أنهم «كانوا يراقبون وسائل الإعلام ليتأكدوا من عدم وجود كاميرات، ثم بعدها يباشرون الضرب على كل أنحاء الجسد بشكل همجي». وأصيب خلال الهجمة الإسرائيلية عشرة مقاومين سلميين، وجميع الإصابات كانت في مناطق الوجه والعين والأطراف. وبالرغم من الآلام المبرحة فإن كلا من الخواجا والديك ومعهما بقية الناشطين، يعتبرون أنهم انتصروا على الاحتلال في معركة «باب الشمس». وبينوا أن الاحتلال بكل أجسامه لا سيما القضائية «مجرد كذبة». بدوره، قال عبد الله أبو رحمة، وهو أحد القائمين على فكرة «باب الشمس» إنه «برغم من أننا حصلنا على إذن من المحكمة بعدم إخلاء القرية حتى تمر فترة أسبوع، تحايلت إسرائيل على نفسها، وأخلتنا ورفضت قرار المحكمة، وهو ما يؤكد أن العدالة والحرية والديموقراطية التي تتغنى بها إسرائيل مجرد كذبة كبيرة». ومن جهته، وفي حديثه، توجه الكاتب اللبناني الياس خوري، والذي أخذ الفلسطينيون من عنوان روايته اسماً لقريتهم، إلى المقاومين السلميين، قائلاً «الآن هم يكتبون وأنا اقرأ، الكتابة هي في الجوهر قراءة، وأنا اليوم أمام هذا الحلم الذي صنعه جيل جديد من المناضلات والمناضلين، أسعى أن أكون قارئا جيدا يتعلم أبجدية النضال والكتابة من جديد»، مضيفاً «أقول لهم إنهم الأجمل، وأنهم حولوا الأدب إلى حقيقة، وأعادوا كتابة باب الشمس كقرية وحكاية. وأنهم يعيدون قلوبنا إلى أماكنها كي تنبض بشمس العدل الفلسطينية».
المصدر: جريدة السفير