بعنوان فلسطين قبل 1948 ليست مجرد ذاكرة
معرض برام الله يحيي الذاكرة الفلسطينية
لا تزال فيرا تماري، ابنة مدينة يافا، تطمئن إلى مجموعة من الصور التي تعبّر عن حياة مدينتها وأهلها قبل احتلالها في نكبة عام 1948، لكن هذه الصور تعيد لها أسئلة لم تفارقها منذ عقود، عن سكان غرباء سكنوا بيت أبيها "الجميل" هناك.
تماري التي تؤكد على أن مثل هذه الصور لها رسائل مهمة للناس كي يتمسكوا بأرضهم ويحتفظوا بإرثهم، هي المسؤولة عن معرض لمجموعة من صور خليل رعد (1854-1957) -وهو أول مصور عربي في فلسطين- تحت عنوان "فلسطين قبل 1948 ليست مجرد ذاكرة"، الذي افتتحته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في الذكرى الخمسين لتأسيسها.
المعرض الذي يتضمن عددا من الصور الفوتوغرافية، يبرز مختلف جوانب الحياة الفلسطينية من أواخر الحقبة العثمانية مرورا بمراحل الانتداب البريطاني، ويركز كما يقول المشرفون عليه على "الحياة اليومية لشعب يقيم على أرضه".
زوار المعرض تعرفوا عبر الصور على حقبات التاريخ الفلسطيني
رحلة استذكار
وفي المعرض الذي افتتح بمركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله قبل أيام ويستمر لمدة شهر، حضر المئات من أنحاء مختلفة بفلسطين وراحوا يستذكرون أسماء الأماكن من أدراج القدس القديمة إلى مواسمها الدينية وغيرها.
وتشير صور خليل رعد إلى ذوق في اختيار اللقطات والمواضيع، وضمت توثيقا لمناظر طبيعية ومهرجانات دينية وأحداث سياسية واجتماعية وأنماط الزراعة في مناطق مختلفة من فلسطين وغيرها من الأعمال اليومية في القرى والمدن.
وبحسب رئيس لجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية كميل منصور فإن المعرض "يركز على فترة ما قبل عام 1948 ويعبر عن شعب يقيم على أرضه ويعمرها ويفلحها ويعمل ويصلي ويحب الحياة كأي شعب آخر".
ويرى منصور في تصريحه أن استحضار مختارات من صور رعد ليس مجرد حنين للماضي، بل هو "عمل بحثي وتوثيقي"، وهو أيضا "دعوة رمزية إلى تصور مستقبل مشرق لفلسطين ويمثل حافزا للحفاظ على الذاكرة من خلال التعمق في تاريخ القضية الفلسطينية"، مشيرا إلى أنه تمت الاستفادة من "وسائل التطور الهائل في تكنولوجيا التخزين والاسترجاع وحفظ المعلومات".
صور توثيقية
وكانت صور خليل رعد قد ظهرت في الإنتاجات الأدبية والسياسية الفلسطينية، ومن أشهرها كتاب "قبل الشتات: التاريخ المصور للشعب الفلسطيني" لوليد الخالدي، و"الفلسطينيون: الصور الفوتوغرافية لأرض وشعبها منذ 1839 حتى الآن" لإلياس صنبر.
وقد عادت هذه الصور إلى فلسطين بعد أن كانت بمعرض بيروت الشهر الماضي، وعن ذلك تقول تماري إن "الصور عادت إلى أرضها إلى فلسطين وفيما كان الجمهور لبناني وفلسطيني في بيروت، هنا الجمهور فلسطيني لا يزال على أرضه".
المعرض يؤرخ للحقبة بين الحكم العثماني والانتداب البريطاني
وتقول تماري إن سؤال "ماذا سيرى الزائر في المعرض؟" كان حاضرا عند الإعداد، ففي كل موقع يرى الناس أشياء مختلفة، و"في بيروت كان من الواضح أن الحنين إلى الأرض والشعور بالخسارة هو الفكرة التي هيمنت على كل الزوار".
ورغم التأكيد على غنى الحياة الفلسطينية للشعب الفلسطيني قبل الاحتلال، إلا أن فكرة الحنين إلى ما سُلب من الفلسطينيين هي التي سيطرت على الجزء الثاني من المعرض في رام الله أيضا.
وفي هذا الجزء عرضت مؤسسة الدراسات الفلسطينية 75 صورة احتفظت بها المؤسسة إلى جانب نحو ثمانين صورة لخليل رعد جرى جمعها من عائلات فلسطينية عبرت بها طريق اللجوء أثناء طردها من فلسطين في نكبة 1948.
تخليد للماضي
ويمتد أرشيف المصور رعد كاملا على حوالي ثلاثة آلاف صورة من نحو عشرة آلاف صورة تؤرخ لفترة ما قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، تحتفظ به مؤسسة الدراسات الفلسطينية بمقرها في بيروت.
وخصصت إحدى قاعات المعرض لتظهر معدات أستوديو خليل رعد الذي خلد مئات الصور العائلية بلباس تراثي فلسطيني.
وفي قاعة أخرى، سيتعرف الحاضرون على مراحل مختلفة من حياة الفلسطينيين في القدس قبل احتلالها، وهي المدينة التي وُلد بها خليل رعد.
وفي القاعة التي خُصصت لصور حياة الفلسطينيين بمدينة يافا ظهرت مشاهد جني البرتقال والعمل في الميناء والحياة في مدينة حيوية كانت وجهة الناس للعمل من كل أنحاء البلاد.
وتقول تماري إن "البرتقال اليافاوي الذي زرعه أهالي يافا الأصليين قبل عقود طويلة هو ما يروجه الإسرائيليون اليوم باعتباره إنتاجهم".
ولذلك، تعتقد تماري أن أهم رسالة للمعرض تكمن في إلهام الناس كي يبقوا على أرضهم وليحتفظوا بها وبإرثهم"، معتبرة أن في صور خليل رعد ردا على المقولة الإسرائيلية عند احتلال فلسطين باعتبار أنها "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
المصدر: الجزيرة نت