جماعين..بين الماضي والحاضر
عرفت قرية جماعين جنوب غرب مدينة نابلس بعلمائها الفقهاء، الذين اشتهرت بهم وشهدت جماعين ولادة العشرات من العلماء والعالمات بالفقه وأصول الدين، وانتشرت علومهم إلى الشام بعد احتلال الفرنجة لفلسطين حيث عرف علماء آل قدامة هناك بالصالحية، وعرفوا فيما بعد بال النابلسي.
نقتفي أثر علماء جماعين وفقهائها من خلال كتب التاريخ الذين وثقوا أهمية ما كان فيها، وقد سميت بلدة جماعين بذلك لكثرة ما ظهر فيها من جمّاعِين للعلم، وتبعد جماعين عن مدينة نابلس قرابة 16كم، ترتفع عن سطح البحر 1696 قدما، وتبلع مساحتها الهيكلية قرابة 30000 دونم.
وأشهر العلماء والفضلاء الذين اشتهرت بهم القرية ولا زال أثرهم قائم حتى اليوم هو شيخ الإسلام ابن قدامة النابلسي، الذي ولد فيها عام 541ه وقدم دمشق مع والده وأهله، درس على يد أبيه وعلى يد علماء دمشق ثم سافر إلى بغداد ودرس فيها، ولا يزال منزل ابن قدامة قائما حتى اليوم وسط البلدة القديمة في جماعين.
وكان في جماعين أيضا الشيخ أبو العباس احمد بن عبد الله الجماعيني، وكان خطيبها، عرف بزهده وصلاحه، وعلمه، ومن بين العلماء المعروفين أيضا أبو عمر، شيخ المقادسة، ولد بجماعين 528ه، وكان احد الذين حضر مع القائد صلاح الدين الأيوبي فتح القدس، وله أثار عديدة ومشرفة منها مدرسة الحنابلة الكبرى في الصالحية أنشأها سنة 550ه.
ويذكر الحاج أبو نزار الجماعيني، أن لعلماء جماعين اثر بالغ في نشر المذهب الحنبلي خاصة بعد ضعفه بسبب قيام الفاطميين نشر المذهب الشيعي بدلا من مذاهب أهل السنة، ولما انتهى أمر الفاطميين أخذ مذهب الحنابلة بالانتشار، وكان لفقهاء الحنابلة الفلسطينيين أثر كبير في زيادة انتشار المذهب الحنبلي، وهذه حقائق تشير إليها كتب التاريخ.
مضيفا لم يقتصر الأمر عند ذلك، فجماعين عرفت أيضا بعالماتها، حتى تم إحصاء قرابة 40 سيدة من العالمات والمحدثات والزاهدات، كالشيخة حبيبة بنت شيخ المقادسة، ورقية بن احمد بن محمد بن قدامة، وفاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي عمر وغيرهن الكثيرات.
فكانت جماعين منارة لأهل العلم وطلابه، ومضافة لعابري السبيل، تحتفظ بمواقفها التاريخية المشرفة، فكانت مركزا لقيادة الثورة سنة 1834 ضد حكم محمد علي باشا، ولها دور كبير في حماية ثوار 36 أيام الاحتلال الانجليزي ومشاركتهم بالحرب ضد الاحتلال.
وكان قد وصف الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي جماعين عندما مر بها، سنة 1101ه، بالقرية المأنوسة ونظم فها أبياتا من الشعر وقال: "بقرية جمَاعين جئنا جماعة من الخير جماعين كل كمال..كأن وجوه القوم في ساعة الندى بدور تمام في ظلام ليالِ".
وفي القرية أيضا مسجدا عمريا بني زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وفيها أربع مساجد أخرى حمل اسم احدها العلامة ابن قدامة المقدسي، وفيها أربعة مدارس، وتم ترميم جزء من بلدتها القديمة.
وتنحدر عائلات جماعين من حمولة أبناء غازي شرق الأردن الذين استوطنوا بفلسطين بعد أن تم نفيهم من هناك من قبل إبراهيم باشا، وتنحدر منهم العائلات الموجودة قاسم وريان، ولا زال عائلة قاسم الموجودة بمنطقة المجدل داخل الخط الأخضر، وتنحدر أصولهم من جماعين، وقد عرفت 29 قرية كانت تقع تحت لواء جماعين بـ"الجماعينيات".
ولا يقتصر الأمر على شهرة جماعين بعلمائها، حيث اقترن اسمها بصلابة حجرها المتين وجودته العالية، فانتشرت الكسارات ومقالع الحجارة في أرجائها، حتى باتت نقمة على أهالي البلدة أكثر منها نعمة.
ويشتكي المواطنين من التلوث الهائل الذي يصاحب وجود مقالع الحجارة، والأتربة الناتجة عنها، ناهيك عن التلوث الضوضائي.
يشكو المواطن أبو عمر سعد من تصدع منزله بسبب إنشاء أحد المقالع الحجرية بالقرب منه، دون أن يكون هناك رادع قانوني للأمر، مشيرا "لا نعرف طعم النوم، ولا الراحة، وقد تأثر منزلي لقرب المقالع منه، بالإضافة إلى التلوث الناتج عنها، فلم يعد الشجر يثمر بسببه، حتى اشجار الزيتون تحول لونها الى البياض لكثرة الغبار".
مضيفا " بالإضافة إلى الصوت المرتفع الصادر عن الشاحنات التي تنقل الحجارة والأتربة، ووجودها بين منازل المواطنين والطرق التي يسلكها الأطفال وهذا أمر غير امن، ولا يتوفر للبلدة بنية تحتية لذلك".
وحول ذلك أشار رئيس مجلس بلدي جماعين عصام ناظم وقد بين أن هناك عدة مناشدات تم إرسالها إلى الجهات الرسمية ووزارة الحكم المحلي لتعبيد طرق للشاحنات الكبيرة من أجل المنطقة الصناعية التي تم انشاؤها لهذا الغرض، بعيدا عن الشوارع الداخلية للقرية، إلا أن المناشدة لم تلق آذانا صاغية حتى اليوم.
ويبين أن في جماعين 75 مقلعا للحجارة، و11 كسارة، و32 مقص حجر بالإضافة إلى 3 مصانع إسفلت منها قيد الإنشاء، ولجماعين احتياجات عديدة أهمها البنية التحتية خاصة مع الانتشار الواسع لمقالع الحجارة، التي باتت المورد المالي الوحيد لأهالي البلدة البالغ عددهم 10 آلاف نسمة.
وذكر أن الحجر الجماعيني بات له صيتا واسعا من ناحية تجارية، ويصدر إلى دول الخليج والأردن، لجودته ونوعيته المميزة.
ولجماعين ماض نقشه علماؤها أحرفا من ذهب لا تمحى، بينما حاضرها بات حجرا أصما يخلف وراءه غبارا يغطي مستقبلها.
المصدر: فلسطينيو 48