بين بيسان ومدرستها.. مستوطنة
الحقيبة الجديدة، وزي المدرسة والأقلام الملونة ليست هاجس الطفلة بيسان عوض في بداية عامها الدراسي بمدرسة عين البيضاء بالأغوار الفلسطينية المحتلة، بل الطريق التي ستقطعها بكرسيها المتحرك بين المستوطنات ومعسكرات تدريب الجيش الإسرائيلي كي تصل إلى طابور الصباح.
ومع بدء العام الدراسي الجديد تستيقظ بيسان محمد عوض في الخامسة صباحا، وتحتاج طريق مدرستها لساعة على الأقل مشيا بكرسي متحرك يعوض إعاقتها الحركية التي ولدت بها.
وبين الطفلة بيسان ومدرستها في عين البيضاء مستوطنة "مسكيوت" ومعسكر يدعى "ناحل" لتدريب الجيش الإسرائيلي.
مناطق عسكرية
ويقول رئيس مجلس محلي المالح في الأغوار عارف دراغمة إن بيسان واحدة من 400 تلميذ فلسطيني معظمهم في الصفوف الأساسية يجبرون يوميا على المشي لمسافة كيلومترات عديدة في طرق وعرة، بسبب إغلاق الاحتلال لمناطقهم وإنذارهم بالرحيل من مناطق الأغوار بدعوى أنها "مناطق عسكرية مغلقة".
ومع بدء العام الدراسي في مدارس السلطة الفلسطينية، سيتعين على عدد كبير أيضا من هؤلاء التلاميذ الوصول إلى مدارسهم الثانوية في قرية تياسير البعيدة عدة كيلومترات عبر الحاجز العسكري الذي يخضعهم للتفتيش يومياً ذهابا وإيابا.
وتنتمي بيسان، الطفلة المعاقة، لعائلة هدم الاحتلال خيامها ورحّلها ثلاث مرات على الأقل في مضارب عين الحلوة بمنطقة المالح التي تضم 13 قرية دمرتها إسرائيل عقب احتلال العام 1967.
وتجثم على أراضي هذه القرى سبع مستوطنات معظم ساكنيها من الإسرائيليين المتطرفين الذين جرى إجلاؤهم من مستوطنات قطاع غزة عام 2005، إلى جانب ستة معسكرات تدريب لجيش الاحتلال.
وفي الجهة الشمالية الشرقية لمدينة القدس، يتكرر السيناريو على نحو مشابه، حيث يجدد افتتاح العام الدراسي معاناة عشرات الطلاب من العائلات البدوية المنحدرة من عرب الجهالين في منطقة "وادي أبو هندي".
وافتتحت السلطة الفلسطينية العام الدراسي لـ125 طالباً يتلقون حصصهم اليومية في غرف مصنوعة من القش والمعدن وتعتمد على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، لأن سلطات الاحتلال ترفض السماح لأهالي المنطقة المهددين بالترحيل ببناء مدرسة أساسية أو مد أية خدمات لها.
تسلق الجبال
ويضطر العشرات من طلبة عرب الجهالين إلى سلوك طرق جبلية وعرة لمسافة تزيد أحيانا عن أربعة كيلومترات يوميا بين مستوطنات تابعة لتجمع "معاليه أدوميم" الاستيطاني، وتحف طريقهم مكبات نفايات المستوطنين، بالإضافة إلى السيول وفيضان الوادي بالشتاء.
ويقول أحمد صرايرة، وهو طالب في الصف الثامن بمدرسة الجهالين، إنه يضطر يوميا لتسلق جبلين على الأقل وقطع وادٍ وصولا إلى المدرسة، مضيفا "يوميا نصل وقد غطى الطين والغبار أجسادنا".
وفي المدرسة نفسها ستتخرج هذا العام الطالبة صالحة حمدين من عرب الجهالين أيضا، الفائزة بجائزة هانز "كريستيان أندرسن" العالمية عن قصتها الخيالية (حنتوش) التي كتبتها قبل عامين.
وتحكي صالحة في القصة رحلتها مع خروف من البادية اسمه "حنتوش" إلى العالم حتى وصلا إسبانيا، حيث يحلمان باللعب مع فريق برشلونة وينجحان في لقاء اللاعب الشهير ليونيل ميسي والفوز عليه.
وعندها يطلب منهما ميسي البقاء في برشلونة، لكن صالحة و"حنتوش" يرفضان بسبب تعلقهما بالحياة في مضارب البدو بمنطقة وادي أبو هندي فيقرران العودة.
صالحة التي حققت حلمها بلقاء ميسي فعلا العام الماضي، لدى زيارة فريق برشلونة مؤخرا لبيت لحم، تنتظر الآن الانتقال إلى مدرستها الجديدة في بلدة السواحرة بعد أن أنهت الصف التاسع.
اعتداءات ممنهجة
وقال وزير التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية علي أبو زهري إن طلبة مدرسة عرب الجهالين في واد أبو هندي يواجهون اعتداءات ممنهجة من معسكر الاحتلال القريب، ويتعرضون لخطر المواد المسرطنة المنبعثة من مكبات نفايات المستوطنات.
كما يتعرض الطلبة للاعتداءات المباشرة من جيش الاحتلال والمستوطنين من خلال شتمهم وضربهم ودهسهم أحيانا.
وتعاني مدرستهم من غياب البيئة التربوية الصحية والعصرية، حيث تقع في منطقة شبه معزولة ومحاصرة، ويضطر العشرات من طلبتها للتسرب بعد الصف التاسع لعدم توفر مرحلة ثانوية في المنطقة.
ويعتقد مدير تربية ضواحي القدس باسم عريقات أن المدرسة تمثل واحة في قلب الصحراء لأنها تتحدى مخطط "إي 1" الاستيطاني وتقاوم إخلاء وتهجير التجمعات البدوية من أهلها.
ويستهدف هذا المخطط، الأكبر منذ سنوات، فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وعزلها عن القدس تماما ببناء 4000 وحدة استيطانية على 13 كلم في محيط المدينة.
المصدر: الجزيرة نت