القرية قبل الإغتصاب
كانت القرية تقع على الضفة الجنوبية لنهر روبين، وتبعد 3 كلم عن البحر الأبيض المتوسط. وكان لها أهمية عظمى لدى الفلسطينيين، لأن فيها مقام النبي روبين الذي كان يُجلّ إجلالاً عظيماً بموسم سنوي، تقام فيه احتفالات إسلامية وشعبية. ففي التراث اليهودي، كان روبين (أو رأوبين) بكر يعقوب من زوجته ليئة (التكوين 29: 32). ولم يكن من غير المألوف عند المسلمين الفلسطينيين أن يجلّوا أمثاله من أنبياء العهد القديم ببناء المقامات لهم؛ فقد بنوا مقاماً للنبي موسى ؟مثلاً- جنوبي أريحا، غير بعيد عن الموضع الذي روي أنه دفن فيه. ومن المعتقد أن مقام النبي روبين أُقيم في موضع هيكل كنعاني، وأن الموسم نفسه يعود تاريخياً إلى أصل وثني قديم.
كان الموسم يدوم من تموز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر، وكان أحد أكبر موسمين لنبيين من أنبياء العهد القديم. أما الموسم الآخر فكان موسم النبي موسى. وكان الناس يتوافدون إلى المقام من يافا واللد والرملة، ومن قرى المنطقة. وكانوا ينشدون الأناشيد الدينية والدنيوية/الشعبية، ويرقصون الدبكة، ويقيمون الأذكار، ويشاهدون سباقات الخيل والألاعيب السحرية، ويستمعون إلى الوعاظ أو إلى الزجالة. وكان المشاركون في هذه الأنشطة يقيمون في خيام يضربونها حول الموقع، وتقدّم لهم المرطبات من مقاه ومطاعم مؤقتة. وكانوا يشترون البضائع من أكشاك تقام هناك لهذه الغاية.
كان سكان القرية نفسها من قبيلة أبو صويره، المتحدرة من بدو المالحة الذين كانوا يعيشون في سيناء. وكانت مساحة أرض القرية المغطاة في معظمها بكثبان الرمل، ثاني أكبر مساحات القرى بعد يبنة في ذلك القضاء، وكانت تعدّ من جملة الأوقاف الإسلامية. وكان بعض منازلها، المبعثرة في أرجاء الموقع من دون أية نواة يستبينها الناظر، مشيّداً داخل بساتين الفاكهة. وقد بني بعض المتاجر ودار للسينما في جوار المقام. وكانت القرية تتزود المياه من عدة آبار وينابيع. وكان سكانها في معظمهم من المسلمين. كما بُنيت فيها مدرسة ابتدائية للبنين في سنة 1946، كان يؤمها 56 تلميذاً في أواسط الأربعينات.
كان سكان القرية يعملون في الزراعة وتربية المواشي، ويبيعون الطعام للزوار أيام الموسم. وكانت الحبوب أهم مزروعاتهم، تليها الحمضيات وغيرها من الفاكهة كالتين والعنب. في 1944/1945، كان ما مجموعه 683 دونماً مخصصاً للحمضيات والموز، و4357 دونماً للحبوب، و184 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين. وكانت أشجار الكينا والأزدرخت (الزنزلخت) تنبت على ضفة النهر، وتغطي رقعة كبيرة من أراضي القرية. وفي أقصى الطرف الجنوبي الغربي من أرض القرية، كانت تنتصب منارة روبين المبنية على أطلال مرفأ يبنة القديم (الذي كان يسمى يامنيتاروم بورتوس-Iamnitarum Portus ؟ أيام الرومان). وقد كشفت التنقيبات الحديثة هناك عن سور من الطين المرصوص، مربع الشكل على وجه الإجمال، طول ضلعه 800 م، ويعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا
تشير القرائن الاستدلالية إلى أن القرية احتُلت في المرحلة الثانية من عملية براك. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس أن سكانها طُردوا في 1 حزيران/يونيو 1948، قبل ثلاثة أيام من إجبار سكان يبنة المجاورة على مغادرة منازلهم. وكانت عمليات الطرد هذه تنسق مع ممارسات لواء غفعاتي بقيادة شمعون أفيدان، ومع خطة دالت التي وضعتها الهاغاناه.
القرية اليوم
ينتصب مقام النبي روبين وسط الشجيرات والنباتات البرية، وفي ركن من أركانه تظهر مئذنة لها ثلاثة مداخل مقنطرة العقد. ولا تزال بضعة مقامات صغرى، مبنية بحجارة كبيرة، قائمة أيضاً. وثمة بالقرب من المقام بنية أسمنتية، قائمة بذاتها، وقوامها غرفة واحدة على شكل صندوق.
المغتصبات الصهيونية على اراضي القرية
في سنة 1949، أنشأ الصهيونيون كيبوتس بلماحيم على أراضي القرية المحاذية للساحل، جنوبي مصب نهر روبين. كما أنشأوا على أراضي القرية مستعمرة غان سوريك في سنة 1950، على بعد 3.5 كلم إلى الغرب من المقام.
المصدر:(إقتباس من كتاب كي لا ننسى للدكتور وليد الخالدي)