كانت القرية، المبنية على بضعة تلال مقبّبة الشكل في السهل الساحلي الأوسط، تقع إلى الشمال من طريق الرملة- القدس العام. ولعل اسمها، القباب، مشتق من شكل تلك التلال. وبسبب وقوع القرية في المنطقة الوسطى بين السهل غرباً والجبال شرقاً، فقد عُدّت من جملة القرى التي كانت تسمى العرقيات (أي التلال الصغيرة). وذكر المؤرخ المقدسي مجير الدين الحنبلي (توفي سنة 1522 تقريباً) أن القباب كانت من قرى الرملة في سنة 1493. في أواخر القرن التاسع عشر، كانت القرية مبنية بالطوب على مرتفع صخري من الأرض، وتحيط بها بساتين الزيتون وسياجات الصبّار. أما المنازل الأحدث عهداً، والتي بُنيت بالطين والحجارة، فقريبة بعضها من بعض.
في الأزمنة الحديثة، كان سكان القباب كلهم من المسلمين. وفي سنة 1921 أُنشئ في القرية مدرسة ابتدائية، وكان أكثر من 233 تلميذاً مسجلين فيها في العام الدراسي 1947/1948. وكان في القرية مسجد، وسوق تضم عدة متاجر صغيرة. وكانت الآبار والينابيع القريبة تمدّ القرية بالمياه. وكانت الزراعة وتربية المواشي أهم موارد رزق السكان، الذين كانوا يزرعون الحبوب والخضروات والفاكهة. في 1944/1845، كان ما مجموعه 12295 دونماً مخصصاً للحبوب، و238 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين. وكان في جوار القباب خربة يرداة التي تحتوي على أُسس أبنية دارسة، وعلى معصرة عنب ومقبرة، وعلى قطع الفخار التي لا تخلو منها.
احتلال القرية
كتب أحد مراسلي صحيفة ((نيويورك تايمز)) أن قوات الهاغاناه استولت على القباب، في محاولة لإعادة فتح الطريق العام المؤدي إلى القدس، في 15 أيار/مايو 1948 يوم انتهاء الانتداب البريطاني. وفي الوقت نفسه، استولت هذه القوات على قرية بيت دجن التي تقع على قسم آخر من طريق يافا- القدس العام. غير أن الهجوم تطابق أيضاً مع عملية براك التي أدت إلى احتلال قرية أبو شوشة في اليوم نفسه. ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي بني موريس هذا التاريخ، لكن ((تاريخ حرب الاستقلال)) يجعل احتلال القباب بعد أسبوعين على الأقل؛ إذ يقول أنها وقعت في قبضة لواء يفتاح في أوائل حزيران/يونيو، خلال محاولة لتضليل القوات العربية في إبان إحدى المعارك التي دارت حول اللطرون. وهذا يوافق ما جاء في تقرير لوكالة إسوشيتد برس، في 7 حزيران/يونيو، ذكر أن الجنود الإسرائيليين قد استولوا على القرية.
إن تباين الروايات في شأن تاريخ احتلال القرية يوحي بأن القبضة الإسرائيلية لم تكن محكمة بعد الأسبوعين الأولين من الاستيلاء عليها. وفي الشهر اللاحق بات التحكم فيها أشدّ؛ إذ نقلت صحيفة ((نيويورك تايمز))، في 11 حزيران/يونيو، نبأ فحواه أن الفلسطينيين الهاربين من جرّاء الهجمات على منطقتي اللد والرملة، اضطروا إلى الرحيل بقوافل الجمال نحو رام الله، لأن الإسرائيليين كانوا قطعوا الطريق الرئيسي عند القباب.
في 13 أيلول/سبتمبر 1948، طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية دافيد بن- غوريون الإذن لتدمير 14 قرية، وفي جملتها القباب، من لجنة إسرائيلية خاصة أُلفت لهذا الغرض. وقد جاء الطلب باسم الجنرال تسفي أيلون، قائد الجبهة الوسطى.
القرية اليوم
تكسو الغابات ذلك الجزء من الموقع الكائن في الجهة الشمالية من الكيبوتس. ولم يبق من معالم القرية إلاّ المدرسة، وبضعة منازل لها أبواب ونوافذ مستطيلة الشكل، ويقيم الإسرائيليون في بعضها. أحد هذه المنازل مستطيل، وله بابان ونافذة عالية ونافذتان صغيرتان أخريان، إحداهما في جانبه والأُخرى في واجهته. ومن المنازل الآهلة الأُخرى منزل مُزوّى الشكل، وفي فنائه الأمامي شجرة باسقة. وأحد المنازل المستعملة لتخزين المعدات والتجهيزات الزراعية مستطيل الشكل، وله أربعة مداخل ونافذة عالية. ولمنزل آخر، يُستعمل الآن متجراً، درج يؤدي إلى شرفة أمامية محاطة بحاجز من الأسلاك المشبكة. وينبت في أرض الموقع أنواع من الأشجار والنباتات، كالكينا والخروب والصبّار وذيل الفار. أمّا الأرض المحيطة فزرعت لوزاً وزيتوناً.أنشئت مستعمرة غيزر، في سنة 1945، على ما كان تقليدياً من أراضي القرية. وقد أنشأ مهاجرون صهيونيون من تشيكوسلوفاكيا مستعمرة أَيَلون على أنقاض القباب، في سنة 1949. ثم أُنشئت مستعمرة كفار بن - نون، في سنة 1952، على أراضي القرية أيضاً.
المصدر: وليد الخالدي، كي لا ننسى (1997).