أسيل الجندي - القدس المحتلة
16/8/2020
رغم حرمان أهالي بلدة السواحرة الشرقية الواقعة خلف الجدار العازل جنوب شرقي القدس من استخدام الأراضي التابعة لهم والممتدة حتى البحر الميت، فإنهم يصرّون على حقهم الأصيل بها، ويرفضون التفريط بأي شبر من أرض "البقيعة" البرية الممتدة على مساحة نحو 80 ألف دونم، والتي يستهدفها الاحتلال منذ تسعينيات القرن الماضي بالتزوير والتسريب رغم وجود مئات الورثة لها.
وعبّر المواطنون عن سعادتهم بالقرار الصادر مؤخرا عن المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس، القاضي بإبطال عملية تزوير وتسريب 11 ألف دونم ونيف من أراضي السواحرة التي تعود لعائلتي الأعرج وخلايلة.
وأعلنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إفشال هذه العملية بالتعاون مع وزارة شؤون القدس وجهازي المخابرات والأمن الوقائي، حيث يخوض يونس الأعرج -أحد أصحاب الأراضي والمدافعين عنها- معارك قضائية مع الاحتلال منذ عقدين ونصف، ولعلّه أكثر المبتهجين بإبطال التزوير والتسريب.
ملاحقة المزورين
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الأعرج إن أول عملية تزوير للأرض التي تعود للعائلتين كانت عام 1996 في الأردن، حيث توجّه شخصان من الداخل المحتل لاستصدار أوراق ثبوتية من دائرتي الأراضي والإقراض الزراعي هناك، وتم إبطال تلك المحاولة بمساعدة من الرئيس الراحل ياسر عرفات واللواء جبريل الرجوب.
أما العملية الثانية فكانت عام 2006 وأُحبطت في مهدها، لكن المزوريْن لم يملا وأعادا المحاولة عام 2008، وبدأ المحامون الدفاع عن أصحاب الأراضي في المحاكم الإسرائيلية ضدهما.
وأوضح الأعرج أنهم كسبوا القضية عام 2011 وانسحب أحد المزورين، لكن الآخر صمم على المضي في التزوير، فتوجّه عام 2016 إلى الأردن وتردد على عدة مؤسسات بهدف استصدار أوراق ثبوتية للأرض.
ولمّا علم المواطنون بتحركاته، جرى إحباط محاولاته، وقد قدمت الدوائر الحكومية الأردنية المساعدة لأصحاب الأرض، بمنع استصدار أي أوراق أو إخراج قيود أو فك رهن، لأنها كانت مرهونة للإقراض الزراعي منذ عام 1965 وكانت الأراضي تخضع آنذاك للحكم الأردني.
دعاوى ضد التزوير
ورفعت عائلة الأعرج دعوى ضد المزور، وبعد جلسات في المحكمة المركزية الإسرائيلية حُكم بإبطال عملية التزوير وفرضت على المزور غرامة مالية.
وبشأن إصرار المزوريْن على الاستيلاء على أراضي برّية السواحرة، قال الأعرج إنها تعتبر الامتداد الوحيد لجنوب شرق القدس، لأن مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار ابتلعتا أراضي بلدتي العيزرية وأبو ديس، وما تبقى الآن هي تلك القطعة الممتدة من شرقي القدس حتى البحر الميت، ومستقبلا قد تكون هذه الأرض هي المرشحة لبناء مطار للدولة الفلسطينية.
اعلان
وأكد الأعرج أنه وأصحاب الأراضي الآخرين محرومون من الدخول لأراضيهم سوى يومي الجمعة والسبت، ولا يمكنهم إلا الوصول لأطرافها باعتبارها منطقة عسكرية وتتواجد فيها قوات الاحتلال بشكل دائم.
تزوير متكرر
وفي تفاصيل أخرى اطلعت عليها الجزيرة نت، قال المحامي محمد بشير -الذي يتابع القضية منذ عام 2008- إن المزوريْن ادعيا أنهما اشتريا الأرض عام 2006، وتم رفع دعوى عليهما، وكسبت العائلتان الفلسطينيتان القضية، لأنهما لا يملكان أدلة على شراء الأرض.
وفي عام 2018، ادّعى أحدهما مرة أخرى أن لديه وكالة دورية غير قابلة للعزل من عائلة الأعرج، موقعة باسم المسن أحمد الأعرج، وهذا دفع بالمحامين والعائلة لرفع قضية أخرى في المحكمة المركزية بالقدس والادعاء بوجود تزوير في توقيع الحاج أحمد، وفي أول جلسة قرر القاضي تحويل الوكالة الدورية إلى خبير إسرائيلي في تحليل الخطوط، والذي قرر لاحقا أن التوقيع الذي تحمله الوكالة الدورية مزور.
وكسبت العائلتان الفلسطينيتان القضية ضد المزور الذي توجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لتقديم إذن استئناف، وقرر القاضي هناك إعادة الملف للمحكمة المركزية، وهكذا انتهت القضية.
وسائل مبتكرة للتزوير
وفي تعليقه على القرار الأخير للمحكمة المركزية، قال المحامي بشير إنه يعتبر ذلك نجاحا باهرا في الحفاظ على أرض يطمع الإسرائيليون في سلبها منذ زمن بعيد، مشيرا إلى أن أي شخص يحاول تزوير أوراق لهذه الأراضي بالتحديد هو مشبوه ويعمل لصالح الإسرائيليين.
أما رئيس هيئة الجدار والاستيطان وليد عساف، فقال إن المزورين يستحدثون كل يوم وسائل جديدة للتزوير، خاصة أن الاحتلال لا يلاحقهم ولا يحاسبهم.
ومن هذه الوسائل تزوير وثائق الملكية والأوراق الثبوتية والوكالات الدورية، بالإضافة إلى ملاحقة وثائق الموتى وتزويرها وادعاء أنهم باعوها للمزورين قبل وفاتهم، فضلا عن إجبار بعض الناس على التوقيع والبصم بالقوة. وحسب عساف، فإن بعض الفلسطينيين كُسر إبهامهم خلال إجبارهم على البصم بالقوة من قبل المزورين.
ويؤكد عساف أن القوانين والأوامر العسكرية تساند المزورين وتسهل عملهم، حتى وصل عدد شركات العقارات إلى 670 شركة أنشئت بعد تعديل القانون الأردني الذي كان سائدا في الأراضي الفلسطينية قبل عام 1967، وسمح بعد التعديل بإنشاء شركات عقارية للأجانب، وهي التي تتولى الآن عمليات التزوير بالتعاون مع السماسرة والعملاء.
استيطان استثماري
وعند سؤاله عن خطورة سياسة التزوير في سياق الاستيطان خصوصا في القدس، قال عساف إن الهيئة لا تعمل في القدس بشكل مباشر، لكنها من خلال آلية العمل اكتشفت أن 95% مما تدعي الشركات الإسرائيلية شراءه مزور.
وأضاف "أبطلنا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة 8 صفقات تزوير لأراض كبيرة، لكن الخطورة تكمن في أن عمليات التزوير والبيع تستهدف مناطق معينة لتوسيع مستوطنات في مناطق ذات قيمة إستراتيجية أو دينية أو تاريخية عالية".
كما تكمن الخطورة -بحسب عسّاف- في أن الكثير من رجال الأمن والموظفين في دوائر الإدارة المدنية يتحولون إلى سماسرة أراض وإلى أصحاب شركات استعمارية، فقد بدأ الاستيطان يتحول من استيطان عقائدي وسياسي إلى استثماري وتجاري، لتحقيق مصالح شخصية أولا، ثم تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبيرة في منع قيام دولة فلسطينية.
المصدر : الجزيرة