عوض الرجوب-بيت لحم
تعد مستوطنة عتصيون بين بيت لحم والخليل أولى المستوطنات الإسرائيلية التي تقام على أراضي الضفة الغربية بعد الاحتلال عام 1967، وكانت قرية زكريا (أو بيت سكاريا) وسكانها الضحية الأبرز لهذا الاستيطان، وتقلصت مساحتها من 4000 دونم إلى مئات الدونمات فقط، لتصبح ما يشبه جزيرة صغيرة في بحر من المستوطنات.
في قرية زكريا يعيش المعمر الفلسطيني إبراهيم عطا الله (أبو خضر) الذي عاصر نكبة 48، ولا زال يعيش المعاناة منذ حرب 67 دون أن تتوقف محاولات استئصاله من بيته ومصادرة أرضه، ليسجل بذلك تجربة خاصة من الصمود والتحدي.
وتفصل المستوطنات المتناثرة ضمن مجمع مستوطنات عتصيون القرية إلى قسمين، والطريق الوحيد المؤدي إلى مركزها يمر بجوار البلدية ومجمع مدارس المستوطنين، ويواجه السكان خاصة طلبة المدارس صعوبات واعتداءات على أيدي المستوطنين أثناء مغادرة البلدة والعودة إليها.
عطا الله وديان
تبدو قرية زكريا نقطة معزولة، حيث أقيمت المستوطنات على مساحات واسعة من أراضيها وأراضي القرى المجاورة والواقعة بين مدينتي الخليل جنوبا وبيت لحم شمالا.
وتحيط بالقرية من الجنوب مستوطنة "كفار عتصيون" ومن الغرب "بيت عين" ومن الشمال "روش تسوريم" ومن الشمال الشرقي "نفيه دانيال" ومن الشرق "إلعزار وتمارا الجديدة" ومن الجنوب الشرقي "ألون شقوت" إضافة إلى مستوطنات وبؤر استيطانية لا يعرف السكان أسماءها.
عايش الحاج إبراهيم، وقد تجاوز المائة، المعاناة بكل فصولها، ووصلت قصته قديما إلى أعلى المستويات في إسرائيل، وحديثا إلى أعلى المستويات في السلطة الفلسطينية، لكن شيئا لم يتغير عن حالته.
وأسوة بنحو 600 فرد في القرية، يعيش أبو خضر في منزل من الزينكو هدم ثلاث مرات ولا زال مخطرا بالهدم، كما هو الحال لأكثر من 30 منزلا مجاورا، والهدف هو إجبارهم على الرحيل مما تبقى لهم من الأرض.
سئم المواطن الفلسطيني من مضايقات جيش الاحتلال والمستوطنين واعتداءاتهم على أملاكه، وبذل قصارى جهده للحد منها، ثم قرر أوائل السبعينيات الذهاب مع وفد يمثل القرى المتضررة من مستوطنة عتصيون إلى وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه موشيه ديان.
في مكتب ديان وجد عطا الله ورفاقه أنفسهم أمام مساومة جديدة، فقد استدعاه ديان للحديث معه على انفراد، وعرض عليه بناء مساكن بديلة في أماكن أخرى في بيت لحم أو الخليل مقابل ترك أراضيهم، لكن الإجابة كانت جاهزة "والله لا أقبل أطنانا من الذهب مقابل كل سنتيمتر واحد من الأرض.. ليس أمامكم للتخلص منا سوى تدمير البيوت فوق رؤوسنا".
ومجددا لم تنجح المساومة فكان العقاب سريعا وطويلا حيث "شنوا علينا حربا بقذائف الحجارة استمرت ستة أشهر.. كانوا يضربوننا من مغيب الشمس حتى شروقها.. ولا زالت المعاناة مستمرة حتى يومنا هذا وإن تغيرت أشكالها".
معركة قضائية
بعد أكثر من 40 عاما على حرب 67، لم يبق لهذا المواطن الفلسطيني وعشرات الأسر في محيطه سوى نحو 30 دونما من الأرض، من أصل حوالي 700 دونم، ومع ذلك لم يستسلم، وواصل معركته قضائية في محاكم الاحتلال بموازاة معركة الصمود، لكنه يأسف لخذلانه من أبناء جلدته.
ويضيف قائلا "نجحنا في كثير من القضايا وفي استعادة بعض الأملاك وإبطال قرارات عسكرية تحرمنا من المياه والكهرباء، لكن تخاذل بعض المحامين وضعف الموقف السياسي لم يسعفنا".
ويروي أبو خضر "فقد توجهت سابقا إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعرضت عليه قصة سرقة قرار قضائي لصالح أهالي القرية من قبل أحد المحامين، فوعده بحل القضية ومحاسبة المحامي، لكن شيئا لم يحدث".
آخر المفاجآت بالنسبة للحاج إبراهيم وسكان قرية زكريا كان ما نقلته وكالة معا المحلية عن الرئيس الأميركي جيمي كارتر أثناء زيارته لمستوطنة عتصيون أمس الأول حيث قال إنه لا يتخيل أن تخلى المستوطنة "لأنها قريبة جدا من خط الهدنة للعام 1967".
بعد عقود من المعاناة وبعد أن خذله القريب والبعيد ينفض أبو خضر يديه من السياسية والسياسيين، ولا يرفع يديه إلا لله.
الجزيرة نت - 16/6/2009