في محاولات متكررة يحاول الاحتلال الإسرائيلي طمس الشاهد الأخير على جرائمه بحق الفلسطينيين، بدعوى التطوير وإقامة فيلات فاخرة مكانها، نظرا لجمال المكان وطبيعته.
فعلى كتف واد قريب من مدخل "القدس الغربية" تقع قرية لفتا المهجرة، لتقف في شموخ أمام الهجمة الاستيطانية الشرسة التي يشنها الاحتلال من أجل بناء حي استيطاني جديد على أنقاضها.
ولفتا؛ هي قرية كنعانية تقع إلى الشمال الغربي من مدينة القدس، وتبلغ مساحتها 8 آلاف دونم، صنفها صندوق الآثار العالمي كواحدة من 25 موقعا معرضا للخطر حول العالم.
واحتُلت القرية عام 1948 وطرد سكانها الأصليون، وحل محلهم مستوطنون، وأقاموا مستوطنة "مي نفتوح" على أراضيها.
عرضة للاستيطان والتهويد
يقول رئيس هيئة حماية الموروث الثقافة لقرية لفتا يعقوب عودة -وهو لاجئ من القرية- إن جذور لفتا تعود للعهد الكنعاني، وتغيرت مسمياتها على مر العصور، وباتت أراضيها اليوم عرضة للاستيطان والنهب والتهويد.
ويضيف عودة في تصريح خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، أن الاحتلال سرق حجارة البيوت المدمرة أو الآيلة للسقوط، ومن المقرر أن يقيم على ما تبقى من أراضي لفتا 267 فيلا استيطانية، مما يعني هدم ما تبقى من ملامح عربية وتغيير هويتها بالكامل.
وأوضح أن قرية لفتا تمثل بوابة "القدس الغربية" بموقع استراتيجي مميز، لافتا إلى أن هذا الموقع جعلها محل استهداف قبل النكبة وبعدها.
وذكر أن أحداث النكبة في القرية بدأت مبكرا؛ حيث احتل النصف العلوي للفتا في شهر يناير لعام 1948، ومن ثم الاستيلاء على الجزء الأسفل بعد ذلك.
وقال إن لفتا باتت مستهدفة بعد النكبة؛ حيث تم بناء عدة مستعمرات على أراضيها، حيث تم إحلال اليهود الشرقيين في هذه المستعمرات.
وأفاد بأن الاحتلال لا يسمح لأحد من أهل لفتا بالسكن فيها، لكن المنازل الحجرية بأبوابها ونوافذها ذات الأقواس لا تزال قائمة مع أطلال مسجد القرية وبعض البيوت.
وأشار أن القرية عدت مصنفة محمية طبيعة عام 1959م، كما صنفت محمية أثرية عام 1964.
كما أشار إلى أن الاحتلال وضع مخططا في الفترة ما بين 1996-1998 بإنشاء حوالي 250 فيلا ومركز تجاري وفندق، بالإضافة لمدارس وعيادات وطرق.
وأوضح عودة أن أهالي لفتا في الوطن والشتات وقفوا في وجه هذا المخطط، وشكلوا هيئة حماية الموروث الثقافي للقرية، لافتا إلى أن عددا من اليهود ومنظمات حقوقية ودولية وقفوا أيضا في وجه هذا المخطط.
وقال إنه منذ عام 2004 يخوض أهالي القرية معارك قضائية لمنع هدم القرية، فيما لا يسمح لأحد من أهاليها بالسكن فيها.
وأضاف: "عام 2010 أعلن في مزاد علني لبيع أراضي لفتا لصالح المخطط 6036 تحت اسم مستوطنة "مي نفتوح"، حيث توجه أهالي القرية بفريق من المحامين، وتم خلال الجلسة إلغاء قرار المزاد العلني لبيع الأراضي وعده لاغيا".
ولفت إلى أن هيئة حماية الموروث قامت بعد قرار المحكمة ببطلان المزاد، بعمل مسح للمباني، حيث تم مسح 73 بناء في القرية بالاشتراك مع مؤسسة "رواق" التي عملت طيلة 15 شهرا.
وأضاف أن الهيئة قامت بمسح تاريخي للرواية لأهالي لفتا، حيث سجلوا 34 مقابلة بالصوت والصورة لسيدات ورجال عاشوا في لفتا، حول الحياة قبل النكبة.
وأشار عودة إلى أنه عام 2016 جاءت ما يسمى بـ"دائرة أراضي إسرائيل" ومسحت القرية وأعلنت النتائج عام 2018، موضحا أن نتائج المسح جيدة للقرية بحيث لا يكون هناك عمليات هدم أو تغيير في هوية لفتا كونها قرية أثرية.
وقال: "سنتوجه إلى المحكمة برفقه ائتلاف لفتا الذي يتكون من أكاديميين ومحاميين ومتخصصين ومنظمات حقوق إنسان، ولدينا نتائج المسح التي صدرت مؤخرا"، آملا أن تنجح هذه الجهود في منع البناء على أراضي القرية، ومنع أي تغيير فيها.
وطالب عودة السلطة الفلسطينية أن تدعم خطوات أهالي لفتا عبر سفيرها في باريس الذي يعد ممثل فلسطين في اليونسْكو.
الوضع الديمغرافي
من جهته؛ قال زياد ازمقنا الناطق باسم جمعية لفتا الخيرية، إن قرية لفتا هي البوابة الغربية للقدس، لافتا إلى أن "إسرائيل" تسعى جاهدة لتغيير الوضع الديمغرافي الفلسطيني عامة بتغيير ملامح الوطن الفلسطيني.
وأوضح في تصريح خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، أن أهالي لفتا لم يتوانوا، ولم يألوا جهدا في الدفاع عن هذه الأراضي التي سُلبت من الآباء والأجداد خلال الاحتلال الإسرائيلي على مدار السنوات الماضية.
وأشار إلى أن قضية القرية قديمة حديثة، حيث بدأت منذ بداية الاحتلال عام 1948 بمحاولات طرد أهالي القرية، لافتا إلى أن الأهالي بدأوا بوضع حد لممارسات الاحتلال، ومنع هدم بيوت القرية التي يعد عمرها أكبر من عمر الاحتلال نفسه.
وأفاد ازمقنا أنه كان هناك لجان من المحامين استطاعوا إيقاف قرار هدم بيوت القرية عام 1996 وعام 2006م، كما أفاد أنه تم تسجيل القرية كقرية تاريخية مسجلة في منظمة اليونسكو على أساس عدم المساس بها.
كما أوضح أنه، ولجمال هذه القرية، استطاع القائمون على حماية القرية تسجيلها منطقة تاريخية وأثرية لا يمكن المساس بها.
وقال: "نتفاجأ حديثا بأن سلطات ما يسمى بدائرة الأراضي إسرائيل تسوق مشروعا استيطانيا جديدا يقوم على هدم المنازل كافة أو ترميمها الموجودة في هذه القرية، من خلال استغلالها واستثمارها في تأسيس منتجع سياحي يخدم اليهود القادمين من أوروبا".
وأكد أنه حتى اللحظة، لا تزال هناك مواجهة قانونية مع حكومة الاحتلال في هذا الموضوع، مشيرا إلى وجود فعاليات مستمرة ومتواصلة من الأهالي والمؤسسات الداعمة للقرية، ومناهضة للمساس بهذه الأرض.
وعلى الصعيد الإعلامي، ذكر أنهم على تواصل مستمر مع شبكات الاعلام المرئية والمسموعة كافة لرفع صوت القرية، وإنقاذها كما حي الشيخ جراح وسلوان وباقي الأحياء المهددة من الاحتلال.
وأشار إلى وجود حالة التفاف حقيقي من أهالي لفتا لمنع السيطرة على الأرض وتهجيرهم منها، مشددا على أن لفتا هي الشاهد الأخير على جرائم الاحتلال، كونها القرية الوحيدة التي تحتفظ بالمعالم المعمارية منذ عام 1948م حتى هذه اللحظة.
وسعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ فترة طويلة إلى هدم القرية بدعوى التطوير والبناء، وأرجأت لجنة التخطيط في القدس في أغسطس/آب الماضي خططها بعد أن أثيرت مخاوف بشأن المحافظة على القرية، لكن من المرجح أن يتم إصدار مخطط جديد.
ويقول القائمون على المشروع، إنه من المتوقع أن يسوق الموقع في الأشهر المقبلة، وإنه تم وضع خطة بناء تسمح بالتنمية مع إيلاء اهتمام صارم بمسألة المحافظة على القرية التاريخية.
ويقول ائتلاف لفتا: إن "خطة الفيلات ستدمر أساسا تراث القرية الغني الذي يعود إلى القرن الـ13 قبل الميلاد على الأقل".
ويشير إلى أن "وجود القرية هو دليل مجمد على قضية القرى المدمرة، لهذا السبب يزعج دائرة أراضي "إسرائيل" أن تبقى القرية حتى لا تتحول إلى نوع من نصب غير رسمي للقرى الفلسطينية المدمرة".
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام