المحتوى |
كارثة وادي الحوارث ؟ ( أكرم زعيتر )
________________________________________
المرجع : كتاب ( بواكير النضال ) من مذكرات أكرم زعيتر 1909 - - 1935 ؟ القسم الأول
اجتماع نابلس
التاريخ : 15/6/ 1933
بناء على دعوة وجهناها إلى الشعب النابلسي . لم يكن مؤذن الظهر يؤذن حتى أضربت المدينة إضرابا عاما واحتجاجا على إجلاء وادي الحوارث وهرعنا إلى المسجد الصلاحي الكبير الذي غص على سعته بالأهلين فنهضت إلى المنبر ورحت احدث الجمهور عن مأساة وادي الحوارث واشرح المصائب المحدقة بالأمة و أندد بالسياسة البريطانية الظالمة التي تهدف إلى إبادتنا وقارنت بين مأساة فلسطين ونكبة العرب في الأندلس وتحدثت عن تقاعس السلطة عن تنفيذ تقارير اللجان التي لا تعتبر شيئا بالنسبة إلى حقوق العرب الطبيعية في الاستقلال والوحدة . وقد ضج المسجد بالبكاء ثم وقف الجميع حيث عاهدوا الله على العمل والوقوف صفا واحدا وجبهة متحدة لمقاومة الصهيونية والانتداب البريطاني . ثم تلوت عليهم نص البرقية التي تبرق باسمهم إلى المندوب السامي البريطاني فأقروها مع التكبير .
وهذا نصها :
نابلس المضربة إضرابا عاما شاملا احتجاجا على إجلاء عرب وادي الحوارث عن ديار إبائهم وأجدادهم , وإنها بإضرابها واجتماعها في المسجد الكبير تعبر عن سخطها مما أصاب البلاد من كوارث جرها عليها الانتداب الانكليزي الصهيوني . وتصر على ضرورة اشتراع قانون يمنع بيع الأرض وآخر يوقف الهجرة الصهيونية . وهي تعتبر السلطة الانكليزية مسؤولة عن كل ما حدث ويحدث في هذه البلاد من نكبات , لوقوفها موقف الحريص على إحلال اليهود محل العرب . نرجو إبلاغ هذا للمراجع في لندن وعصبة الأمم .
كارثة وادي الحوارث
التاريخ : 16 /6/1933 م :
كارثة وادي الحوارث عظيمة . هناك أكثر من أربعين ألف دونم من الأراضي الجيدة جدا هي خير ارض في فلسطين . تقع بين طولكرم و الشاطئ . وهي القطعة التي لم تتخللها المستعمرات اليهودية . وعرب وادي الحوارث قبيلة تنتمي إلى بني حارثة وهم فخذ من طيء . كانت مسجلة لبعض أمراء القبيلة دون أفرادها , وهؤلاء كانوا قد رهنوها لأسرة التيان اللبنانية ( لأنطوان ) وكان مقيما بيافا وبمبلغ يقال انه خمسة آلاف من الذهب .
ولكن العرب ظلوا يحرثونها ويزرعونها . لان التسجيل باسم الأمير ( وكان اسمه ناصرا ً ) لم يؤثر في حقهم في الزراعة . ثم قتل الأمير . وقيل أن جماعة من الزبيدات ( عرب بني زبيد وقد تخللوا بين عرب الحوارث ) قتلوا الأمير ناصر بواسطة عبدهم جوهر , لأنهم لم يكونوا راضين عن رهن الوادي . ثم ابتاع التيان الوادي سدادا لدينه . وهذه الأسرة التيان رهنت هذا الوادي الامرع الأخصب لبعض الفرنسيين ( استرانجان ) وهؤلاء رهنوا رهنهم لبعض اليهود الفرنسيين , هذا كله في العهد العثماني .
ثم جاء ورثة المرتهنين بعد الاحتلال البريطاني يطالبون بدينهم , فحكمت المحكمة بالدفع , ووضع الرهن في المزاد بنحو 42 الف جنيه . ولم يكن أي شأن للمئات من المزارعين في هذا , فهم يزرعون هذه الأراضي أبناء عن آباء وآباء عن أجداد ., ورسا المزاد على اليهود , وهؤلاء طالبوا بجلاء المزارعين عن تلك الأراضي الإستراتيجية المهمة , ولم تتدخل السلطة لحماية المزارعين , ولم تحاول أن تصون حياتهم . وكان في مقدورها , أن تشتري الأراضي او تستملكها لمزارعين الأراضي , وراحت تقوض بيوتهم وتجلوهم عن أراضيهم فكانت النكبة . وقد كتبت الصحف في هذا ولكن من يسمع ؟؟
ومما طالب به عر ب الوادي أرض تبلغ نحو ستة آلاف دونم , لم تكن تشملها حدود الأرض المسجلة باسم التيان قديما , وقالوا أنهم عمروا هذه الأرض وكانت مواتا ً فلم تستجب السلطات لطلبهم , بل انتهت الحال إلى تحديد الأرض تحديدا أدخلته في آلاف من الدونمات . وادعى العرب بحق الأولوية لأنهم قاطنون في الأرض . منذ مئات السنين وفيها بيوتهم ومقابرهم فلم يعطوا شيئا بل راحت السلطة تستعمل القوة لطردهم من أراضيهم . ونقلهم إلى تل الشوق قرب بيسان , وهي غير موات ٍ للاستيطان السكني , وهم لا يقلون عن ألفي نفس .
وقد قدم الحزب المذكور في الموضوع , وأبرقت الهيئات تطالب بحماية هؤلاء المزارعين ولكن السياسة البريطانية إنما ترمي إلى إجلائنا عن بلادنا , وقد كتبت هيئة الحزب إلى لجانها في حيفا ويافا وغزة والى بعض المختصين في المدن الأخرى , تحثهم إلى إيفاد الوفود لزيارة عرب وادي الحوارث وحثهم على الصمود في الأرض , وعلى أن تحمل معها أكياس الدقيق .
وغادرت ُ نابلس اليوم والأستاذ عزة دروزة إلى وادي الحوارث لتحيتهم على ثباتهم ومشاركتهم في عواطفهم , وقد اشترينا في طولكرم في طريقنا إلى الوادي أكياسا من الدقيق وبعض المواد الغذائية وفيها انضم إلينا وفد حزب الاستقلال بيافا المؤلف من السادة :
إبراهيم الشنطي وسليمان ابو خوش و محمد الكيالي . كما انضم إلينا بعض شباب طولكرم , ووفد لجنة حزي الاستقلال في حيفا وعاد معنا إلى الوادي
استقبلنا نساء الوادي بالبكاء والنحيب , ثم اجتمعنا بشيوخ الوادي وشبابه , وحثثناهم على الصمود , وقدمنا لهم المعونات , وتكلم شيخ القبيلة شاكرا وعاهد الله على الثبات حتى النهاية , وقد علمنا من شيخ القبيلة انه قد وصلت صباح أمس إلى الوادي 16 سيارة كبيرة مشحونة جندا فوجدت الخيام ليس فيها إلا النساء و الأولاد و العجزة , أما الرجال فقد هربوا إلى كل جهة يرصدون بيوتهم , فذهب إليهم جماعة من الضباط ليقنعوهم بالرحيل فأبى العرب ذلك إباء ً شديدا , واخذ الجند في هدم الخيام , فارتفع الصراخ والعويل , وهكذا هدمت المضارب وصار الجميع في العراء وراحت السلطة الانكليزية تنقل المتاع إلى خارج حدود الأرض التي سلمت لليهود و وقد هالنا أن نرى أنقاض المضارب , وان يكون أصحابها في العراء والحر اللافح , وتمثلت لنا مأساة بلادنا اليوم في شكلها الرهيب وهذا هو بدء الجلاء !! مع ذلك يظل فينا من يجامل المندوب السامي السير واكهوب الذي فعل في مدة قليلة لتهويد فلسطين ما لم يفعله جميع أسلافه في مدة طويلة !!
إن منظر عرب وادي الحوارث قد أراني بشاعة مستقبل فلسطين كله . ما لم نثر على هذا الظلم ثورة تلتهم أخضرهم و يابسهم .
حقا لقد صدقت جريدة ( الجامعة الإسلامية ) حين أطلقت على الوادي اسم وادي الكوارث .
موقع عرب الحوارث
www.hawarith.com
|
Preview Target CNT Web Content Id |
|