لم يرشق أحداً بحجر... ومع ذلك أصبح يشكل «خطراً على الأمن». هذا هو وضع الطفل الفلسطيني كرم خالد دعنا (13 عاماً)، من البلدة القديمة في الخليل، بعدما أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية أمراً بتشريده من منزله وإبعاده عن عائلته، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، في واحد من اغرب احكام الاحتلال الاسرائيلي، واشدها ايلاما.
بصوت يملأه الخوف والرعب، قال الطفل كرم لـ«السفير»: «أنا لم أفعل شيئاً. كنت في طريقي من المدرسة إلى البيت، فجأة اعتقلوني، واقتادوني إلى سجن عوفر. كنت أرتجف من الرعب».
بهذه الكلمات القليلة عبّر كرم عن مأساته قبل أن يخلد الى النوم، بالرغم من الآلام التي تلازمه بعدما كسرت قدمه في حادث سابق. لكنه قال لأبيه: «أريد العودة إلى منزلنا لكي ألعب مع إخوتي وأنام في غرفتي».
وفي سياق حملة التنكيل بحق الشعب الفلسطيني، أصدرت محكمة استئناف عسكرية تابعة للاحتلال أمراً غريباً بإبعاد كرم عن منزله في البلدة القديمة في الخليل لمدة خمسة أشهر، ومنعه من الذهاب إلى مدرسته قرب الحرم الإبراهيمي، إلى حين تحديد موعد جديد لمحاكمته بدعوى تحطيم زجاج سيارة أحد المستوطنين بعد رشقها بالحجارة.
وقال والد الطفل، خالد نعيم دعنا لـ«السفير» إنّ «المحكمة أدانت ابني لمجرد إدلاء مستوطن بشهادة ضده في المحكمة، ولم تأخذ بالاعتبار احتمال أن يكون هذا المستوطن كاذباً، خاصة أنه ينتمي إلى أولئك المستوطنين الذين يحتلون البلدة القديمة في الخليل، ويمارسون العربدة بحق الفلسطينيين في المنطقة مهما كانت أعمارهم».
من جهته، أوضح المحامي جواد بولس، الذي يتولى الدفاع عن كرم، في مقابلة مع «السفير» أنّ «الطفل اتهم بإلقاء حجارة، وقد حكمت محكمة الاستئناف، وهي أعلى هيئة، حكماً بالإفراج عنه بكفالة، والبقاء بعيدا عن منزله وعائلته مدة خمسة أشهر، إلى أن يتم تحديد جلسة لمحاكمته»، مشيراً إلى أن النيابة العسكرية كانت قد أصرّت على استمرار اعتقاله بذريعة أنه «يشكل خطراً على الأمن». وأضاف بولس أنّ «ما حصل هو توجيه لائحة اتهام لطفل، ثم إبعاده عن عائلته. هذا شيء مدان وغريب. ولكن هناك حالات كثيرة يحفل بها سجل الاحتلال بمثل هذه الأحكام بحق أطفال».
وكانت قوات الاحتلال اقتحمت «مدرسة المتنبي» قرب الحرم الإبراهيمي في الخليل الأسبوع الماضي، واعتقلت الطفل كرم، واقتادته إلى السجن. وبعد ثمانية أيام، تخللها تحقيق مطول مع الطفل، قررت المحكمة الإفراج عنه بكفالة مالية قيمتها 600 دولار، بشرط ألا يعود إلى منزله.
وأكد والد الطفل أن المحكمة كانت قد اكتفت في البداية بدفع الغرامة وإعادة الطفل إلى منزله، لكن النيابة العسكرية رفضت القرار، فاتخذ القاضي قرارا جديداً يقضي بتغريمه وإبعاده إلى منزل عمّه في الخليل بعيداً عن مستوطنة «كريات أربع» حيث سيبقى قيد الإقامة الجبرية. وأضاف «لم يكن بحوزتي المال لدفع الكفالة، فلدي عشرة أولاد، ولا أتقاضى في اليوم سوى 70 شيكلا (19 دولارا)، فاضطررت إلى الاستدانة لتغطية الكفالة».
واستنكر نادي الأسير الفلسطيني قرار إبعاد الطفل عن أهله. وقال رئيس النادي قدورة فارس إن «اعتقال الطفل دعنا، ومن ثم إبعاده، يشكل سابقة غريبة جدا ربما لم تسجل في التاريخ»، مشيراً إلى أنّ «قراراً كهذا بحق طفل، يعبر عن سذاجة وهزلية، سواء في ما يتعلق بالقرار أو من اتخذه».
وتابع فارس «لن نقبل بقرار الإبعاد، وسنتوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا لإعادة الطفل إلى بيته وأهله، فمحاكمته التي تمت باطلة، وليس لها شرعية قانونية، ولا تستند إلى أي معايير دولية وتضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تمنع اعتقال القاصرين وتقدمهم للمحاكمة».
ووفق القانون العسكري الإسرائيلي الرقم 132 فإن الطفل يعرّف بأنه من لم يتجاوز 16 عاما، خلافا لكل المواثيق الدولية التي تعتبر أن كل من هم دون 18 عاما أطفال. كما يعتبر القانون أن سن المسؤولية الجنائية لدى الأطفال الفلسطينيين هو سن 12 عاماً، وأن الإدانة تعتمد على لحظة الاعتقال، وليس لحظة ارتكاب الفعل.
وأوضح المستشار القانوني لوزارة الأسرى في الحكومة الفلسطينية في رام الله جواد عماوي لـ«السفير» إن هذا القانون يتيح للاحتلال عمليا اعتقال أي طفل فوق سن الـ12 عاماً، ما يسمح بمحاكمته بغضّ النظر عن الوقت الذي ارتكبت فيه «الجناية».
جريدة السفير
30/9/2010