جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
دمعتان رقراقتان
هيثم أبو الغزلان
كم هي صعبة تلك اللحظات عند الفراق؛ تمر بسرعة البرق تفصلنا عن أحبّة، فراقهم أضنى النفس. أطلق الوجد. وأخرج الروح! هنا جرحتني الحياة مع سقوط الحزن في ممرات الوجد... أتمايل مع ضوء القمر، أغزل من أشعة الشمس خيوطاً ذهبية للعيون البريئة، المختالة، المرتابة، الساحرة، الملائكية الذاهبة إلى أبعد من المستحيل... *** نشعر أن طائر فينيق يحلق فوق سماواتنا، يغرّد كما الطيور على أغصان الصمت، يُشعل فينا كل شيء؛ لكي نكون كما يجب أن نكون بفرح أو بحزن ساكنين بين أهداب العيون، بين الجرح والجرح المتمدد المنتفض ألماً مُعبّراً عن وجد عشق وانثلام السيف بليل لم يظهر صباحه بعد! *** تتوقف الأيام فجأة، وبسرعة البرق، وينبثق ظلام يخيم على أفق الحضور، وصمت يسيطر على كل الوجود، فتتعثّر أيامنا، ونكابد مشقة رحيل جديد؛ ونحمل جبالاً من الحزن القاتل بين أضلعنا، فلا الصمت ينفع، ولا مكابدة عناء الصراخ تجلب فائدة تذكر؛ فالمآقي قد عذبتها الدموع، والأيدي قد زُرعت بشوك أدماها، والعيون انطفأت من الحزن. فلا يمّـم الوجد وجهه نحونا، ولا أصبحت الجروح ترتوي من غير أرواحنا. فالنزف مذ كبرنا أصبح سِفر خلود لمنايا تتركنا أجساداً خاوية على قارعة طريق، ولا نجد لأنفسنا خياراً سوى الحزن يمزّق ثنايا العمر ويقضي علينا من جديد... *** يمرُّون كما تمرُّ الذكرى خيالات رؤى وأحلاماً مبعثرة تذوي بها العروق، وتنساق لها الأوهام، فتتحول الأحلام الورديّة المزروعة بخيالاتنا بعضاً من فرح وكثيراً من الآلام، ونتعثّر بهم ويتعثّرون رغم سطوع الشمس وانعدام الوجل بالصّباحات النّدية المشرقة؛ تردداً وانكماشاً ودموعاً غزيرة!!! نتوارى عند مغيب شمسٍ علّنا نوقف عزلتنا أو شغف الروح في البقاء، إلا أننا نجد الآمال قد سُفحت جهاراً، والخلاص سُفِكَت دماؤه بسيفٍ لم يكن بتّاراً وليس له صليل السيوف أو لمعانها.. *** ..حين سكنت الغربان الأرض، وتهاوى البعض كما تهاوت الأصنام، أراد البعض أن يعبث خلسة بالأمل.. أن يقطع شجر الزيتون والصنوبر المغروس بالرُّوح، الممتد إلى الشمس اللاهبة، لكنه ما عَرِف أنّه يعمل المستحيل... المستحيل! حين اخترق الجَسدَ الموتُ، ثرثر الواشون، حاولوا تلقُّفَ قوس القزح، وتجريد الأغصان من أوراقها الربيعية، أن يقتلوا أسراب الطيور القادمة محلّقة أسراباً أسراباً، تَعْبُرُ حُلكةَ الليل لتسكن قلب النهار... حينها توشَّحَ السّوادُ سواداً، وخبت الصرخات، وسارت السبايا أمام عيون الغريب، فلا السيف نطق، ولا أسمعت الكلمات من به صمم. هناك هُتِكت سواتر الدجى، وأورق الجرح دموعاً ذرفتها حُرْقّةُ القلوب الثكلى... فهبّت جياد أصيلة عَدَت، كسرت طوق الغربان، ونثرت في أعماق الليل رماحاً غائرة موشَّحة بالأحمر القاني حدود الوطن، فتهاوى المستحيل...
* مهداة للفقيد الوالد محمد أبو الغزلان، توفي في 2-12-2009