القسام ـ خاص :
شهداء لكنهم أحياء .. عرفوا طريق الحياة الحقيقية فساروا على درب البطولة والفداء ... لبّوا النداء .. بكل عزيمة وإباء .. واختاروا الطريق إلى الجنة فساروا على خطى الشهداء .. طريقهم مليء بالصعاب فلم تقلّهم أرض ولم تظللهم سماء .. لكنهم صبروا على البلاء .. سجنوا وحوصروا وجوّعوا لكن هذا لم يثنهم عن طريق رسموه وخطوا حدوده بالدماء ... فهنيئا لكل الشهداء ... وهنيئاً لمن مضى على دربهم وعقد العزم على الوفاء ... من بين هؤلاء شهيدنا القسامي جاد الله موسى شوكة نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً .. من اسمه نعرفه ..جاد الله عليه وأفاض فكان نعم المجاهد ونعم القائد .. وموسى في إقتدائه بالنبي الصابر الثابت المطارد موسى عليه السلام .. وشوكة مرة في حلق العدو الصهيوني ..
ولد مجاهدنا القائد القسامي " جاد الله موسى شوكة " في مدينة بيت لحم الصامدة بتاريخ 30/1/1969م ، فنشأ وترعرع في هذه المدينة المجاهدة منذ نعومة أظفاره يتنقل بين مساجدها عابدا قارئا للقرآن .. متفانياً في خدمة إخوانه حيث كان لا يرفض أي طلب يوكل إليه مهما كان شاقاً بل ويبادر إليه بنفس رضيّة تنم عن شخصية يعدّها القدر لمستقبل جهادي واعد بالتضحيات الجسام . تزوج شهيدنا ورزق بأربعة أطفال : إيمان 12 عاما – أماني 8 أعوام – عبد الرحمن 5 أعوام – وأمل 3 سنوات . وكان يكنى - رحمه الله – بأبي موسى وقد عرف بصلابته وقوته منذ صغره.
حمساوي وقسامي من الرعيل الأول
كان مجاهدنا أبا موسى من أوائل من التحق بحركة المقاومة الإسلامية حماس في مدينة بيت لحم .. وكذا من أوائل الملتحقين بركب المجاهدين في صفوف كتائب القسام وكان له دور بارزٌ في تأصيل العمل العسكري في مدينة بيت لحم ، حيث قام على تجنيد العديد من أبناء المدينة في كتائب القسام والذين كانوا من خيرة المجموعات المقاتلة.
اعتقاله لدى سلطات الاحتلال
اعتقل المجاهد القسامي جاد الله موسى شوكة لدى سلطات الاحتلال بتاريخ 1/6/1992م وأمضى فارسنا المغوار في سجون الاحتلال مدة سنتين ونصف عرف خلالها بذلك الرجل العابد المكثر من تلاوة القرآن ، وقيام الليل وصيام النوافل وحرصه الملحوظ على استثمار وقته .. وقد كان صابراً محتسباً عند الله البلاء .. وبعد الإفراج عنه عاد لنشاطه الجهادي بهمة عالية بل وبخبرة كبيرة اكتسبها من إخوانه المجاهدين الذي كان برفقتهم في السجن والذين كان لهم الفضل بعد الله بصنع هذا القائد القسامي الذي أذاق العدو الويلات فجند الجنود وأعد عدة القتال وكان نعم الرجل المجاهد الصامد.
شكل مجاهدنا القسامي أبو موسى مجموعة قسامية عرفت بـ" مجموعة عشّاق الشهادة" وقام بتدريب أفرادها خير تدريب على كافة الوسائل القتالية المتوفرة بين يديه، وقد كان لهذه المجموعة دورها الجهادي الفاعل في الصد للإجتياحات المتكررة لمدينة بيت لحم ، كما وتميزت هذه المجموعة البطلة بلباس واحد وسلاح واحد وتكتيكات أذهلت العدو بأدائها العسكري في صد تقدم قواتها الغاشمة. ولم يقتصر أداء هذه المجموعة القتالية على صد الهجوم الصهيوني على المدينة بل تجاوز ذلك بملاحقة قطعان المستوطنين، واستهداف آليات العدو العسكرية ليلحق به الخسائر المتتالية في عمليات نوعية تشرف بها مدينة بيت لحم وتعرف لهذه المجموعة فضلها وجهادها ..
عرف مجاهدنا منذ صغره بصلابته وبقوته .. وعرف في كبره بشجاعته وبسالته .. فهو المجاهد الذي يعشق الشهادة ولا غوْر وقد سمى مجموعته بـ " عشاق الشهادة " ، كان محباً لمواجهة العدو وجهاً لوجه .. لكنه رجل أمني من الطراز الأول فعلى الرغم من نشاطه العسكري المتميز كان يمتلك حساً أمنياً يخفي من ورائه أفعاله الجهادية حتى على اقرب الناس إليه. وكان يشهد له أصحابه بهمة عالية متّقدة لا تعرف الكلل أو الملل وضع نصب عينيه هماً واحداً وهو كيف يعد نفسه ومجموعته لمواجهة العدو فسطّر بهمته وإخلاصه أروع البطولات في الصد لاجتياح المدينة التي ولد ونشأ بين ربوعها .. كما كان دائما حريصاً على الوحدة الوطنية وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال .
اجتياح بيت لحم وحصار الكنسية
تعاهد القائد القسامي ومجموعته العاشقة للشهادة على التصدي لمحاولة الاجتياح الصهيوني لمدينة بيت لحم .. فتعانق المجاهدون وأعدّوا العدة وجهّزوا للكثير من الأعمال العسكرية ووضعوا العديد من الخطط للدفاع عن مدينتهم.. بعد أن ودّعوا أهلهم وذويهم فكانوا الفرسان الذين لقنوا العدو بضرباتهم الجهادية وسطّروا بصمودهم دروس الثبات وروح التحدي .. وأمام الآلة العسكرية الصهيونية وطيرانه الغادر وخيانة من باتوا معروفين للشعب الفلسطيني ودخول قوات الاحتلال لقلب المدينة وحصارها لكنسية المهد بعد مقاومة عنيدة وشرسة من طرف مجاهدينا القساميين وبالتعاون مع باقي فصائل المقاومة حيث كان لمجاهدنا أبي موسى دورٌ كبير في التنسيق الميداني بينها .. بعد ذلك الحصار الخانق وملاحقة العدو للمجاهدين واعتقال العديد منهم وتصفية العدد الآخر .. تمكن مجاهدنا البطل من الحفاظ على نفسه وتفويت الفرصة على العدو من النيل منه فمكث في مأواه في مدينة بيت لحم طيلة فترة الحصار وتحصّن في مكانه لحين اندحار العدو من المدينة فخرج من مكمنه وقد فقد ما لا يقل عن عشرة كيلو غرامات من وزنه بسبب ذلك الحصار .
غاظ العدو أن يخرج من بيت لحم وألاّ يكون المجاهد " جاد الله موسى شوكة" من بين المعتقلين أو من الذين تمت صفيتهم .. وعندها بدأت المطاردة المكثفة له من قبل الجيش الصهيوني وأجهزته الأمنية فما من يوم إلاّ ويداهموا بيته ويرعبوا أطفاله .. واعتقل شقيقه الذي يبلغ من العمر 48 عاماً مع أولاده الثلاثة للضغط على المجاهد القسامي لتسليم نفسه .. ولكن دون جدوى .. ثم هدّدوا بان يهدموا بيته .. فلم يثن ذلك مجاهدنا عن عزمه في مواصلة طريق المقاومة حتى النَفَس الأخير .
الساعة الآن الخامسة صباحاً من يوم الجمعة الموافق 13/12/2002م قام مجاهدنا القسامي وصلى الفجر جماعة مع ثلاثة من الإخوة المطاردين معه من حركة الجهاد الإسلامي والذين آواهم معه ... فإذا بقوات الاحتلال تحاصر المكان وتنادي المجاهد القسامي أبا موسى أن يسلم نفسه .. ولكن أنى لهذا الفارس أن يستسلم وهو ينتظر هذه الفرصة لمواجهة العدو علّه ينال الشهادة التي طالما تمناها وطال انتظارها .. فخرج عليهم بسلاحه وأمطرهم من رصاصاته القسامية واشتبك مع جنود الاحتلال ليوقع منهم القتيل تلو الآخر فحسب شهود العيان في القرية التي كان يتحصّن فيها المجاهد أنهم شاهدوا سيارات الإسعاف وهي تهرع إلى مكان الاشتباك .. وارتقى مجاهدنا إلى العلا .. إلى بارئه وخالقه .. إلى جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله .. ولشدة ما حقد العدو على مجاهدنا لكثرة ما أرهقهم وأزهق منهم لم يكتفوا بسقوطه برصاصهم الكثيف حتى جاء أحد الجنود وأطلق ثلاث رصاصات على رأسه من مسافة لا تتجاوز المتر الواحد ، بل وأخذوا يضربون أجزاء جسده الطاهر .. ثم ربطوه لشدة غيظهم من رجله بسيارة جيب واخذوا يجرونه إلى مسافات طويلة .. وما درواْ هؤلاء الحمقى أنه " ما لجرح بميّت إيلام " .. وأين الألم وقد صعدت الروح إلى بارئها واستقبلت الملائكة الجسد الطاهر تزفه إلى الحور العين .. هنيئاً أبا موسى لك الشهادة .. ولا تنسانا من شفاعة الشهداء ..