ارطاس كلمة من أصل لاتيني " Hortus " وتعني الجنة أو البستان وهو اسم ما زال يطلقه فلاحو ارطاس حتى يومنا هذا على واديهم الأخضر دوما .
تقع قرية ارطاس على بعد اقل من كيلو متر ونصف جنوبي مدينة بيت لحم ، وبطريقة خلابة في وادي خصيب يروى من الينابيع المنتشرة فيه ، وهو احد أودية الهضبة الكنعانية الوسطى الواقعة غربي البحر الميت وشرقي السهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط .
هذه القرية الكنعانية القديمة، ذات ما ضي طويل ومثير ، حيث تم اكتشاف كهف اثري في شهر اب من عام 2000 يقع على الجانب الأيسر للطريق المؤدي إلى ارطاس والمتفرع عن طريق القدس - الخليل في موقع شعب عودة الذي يبعد نحو 200 متر شرقي البركة التحتا من برك سليمان داخل ارطاس ، حيث عثر فيه على أدوات حجرية استخدمت لكشط الجلود وشفرات وسكاكين كانت تستخدم في حصاد الحبوب والنباتات البرية ، وفؤوس لعزق الأرض كما تم العثور على قطع الأواني الفخارية كانت تستخدم في الحياة اليومية في تلك الفترة وهي أواخر العصر الحجري والنحاسي والعصر البرونزي المبكر منذ 3700 ق – م حيث أضاف هذا الاكتشاف الجديد عمقا تاريخيا ابعد للحياة البشرية في واردي ارطاس وكمجتمع زراعي لفترة ابعد من 6000 عام .
نظام المياه في ارطاس:
كان للمصادر المياه أثرا عظيما في قيام الحضارة وانطلاقها ، وإذا كان شح المياه في البلاد المقدسة عامل ترك وهجرة فقد انتقى هذا الشرط بوجود قرية ارطاس وعيونها المائية التي كانت وعلى مر العصور المتنفس الوحيد لمدينة القدس بعد فصل الشتاء وشحها ، وخروجا عن وظيفة الموقع الأساسي فإننا نجد ارطاس مكان يستحق الزيارة والتأمل لما له من جمال ووقع في النفس وان التسمية التي سميت لها ( بالجنة المقفلة ) لتستحقها فعلا وعن جدارة.
تمتعت ارطاس بأهمية خاصة لكونها تضم أراضيها نظاما مائيا فريدا من نوعه ، ويعد من اكبر الأنظمة المائية القديمة في فلسطين والتي كانت تزود مدينة القدس بالمياه من الفترة الرومانية وحتى بداية حرب حزيران 1967 م ، فبعدها أخذت مدينة القدس شكلا جديدا من التمدن ثم بانتقال المدينة من موقعها الجغرافي القديم على تل أبي الضهور إلى موقعها الجديد فوق الهضبة القائمة عليها تقريبا ألان ، ثم الاستغناء عن تزويدها بمياه عين أم الدرج في سلوان ثم إنشاء نظام مائي في الفترة الرومانية المبكرة .
في وادي ارطاس تحديدا في الجزء العلوي منه ، حيث تذكر المصاغ التاريخية إن البركتين الأولى والثانية تم تشيدهما في تلك الفترة بهدف تجميع المياه من الينابيع المجاورة ومياه الشتاء المنحدرة من السفوح المحيطة ، ونقلها إلى مدينة القدس ولتنفيذ ذالك تم إنشاء مالا يقل عن ستة قنوات ناقلة للمياه كان من أشهرها قناة السبيل " الدنيا " التي شيدها الحاكم الروماني بيلاطس عام 35 م والقناة العليا التي شيدها الإمبراطور البيزنطي سفيريوس عام 211 م وحظيت هذه البرك بالتعمير والترميم المستمر في الفترات اللاحقة وشرعت القوانين الكفيلة بحمايتها وتنظيمها .
وفي الفترة الاسلامية المتعاقبة عرفت ببرك المرجيع وحرص المسلمون على تعمير البرك وقنوات المياه خاصة قناة السبيل التي كانت تغذي منطقة الحرم الشريف في أواخر عهد المماليك عام 1460 م تم إنشاء البركة الثالثة ( التحتا ) على يد الملك الظاهر خوشقدم ، وبذل العثمانيون جهودا كبيرا الأجل تعميرها وحمايتها من الخراب او الاعتداءات البدو وقطاع الطرق خاصة ( السلطان سليمان القانوني ) التي حملت اسمه فيما بعد ، وفي الفترة عام 1617 م وعلى زمن السلطان عثمان الثاني بن احمد الاول تم بناء قلعة البرك التي كان يقوم على حراستها دازار وأربعين جنديا مزودين بالعتاد الكافي لحماية البرك وقنوات المياه
برك سليمان ( المرجيع ) :
من المعالم الأثرية التي تضرب جذورها عميقا في التاريخ ، تلك البرك المعروفة باسم برك المرجيع والمشهورة اليوم باسم "برك سليمان " وهي من الآثار الخالدة على هذه الأرض والتي تجذبنا بسحر جمالها وبطيب هوائها وعبير نسيمها ، تلك البرك ابتهر بجمالها وكبر حجمها ودقة بنائها الرحالة والمؤرخين على مر العصور .
تاريخ البناء والآراء فيه :
تضاربت الروايات حول تاريخ بناء البرك " برك سليمان " أو " المرجيع " وكثرت التكهنات في ذالك الوقت ، والواقع يخالف إذ لايوجد تاريخ محدد لبنائها على الرغم من الاعتقاد السائد بأنها تعود إلى فترة الملك سليمان بن داود وهو اعتقاد عار عن الصحة إذ لايوجد دليل علمي تثبته بالإضافة إلى عدم ورود نص بخصوصه في التوراة ، هذا وقد ذكر الدباغ أن زمن بناء البرك غير معروف وان تسميتها لبرك سليمان نسبة الى النبي سليمان تقليدا لا يستند على أساس علمي .
التسمية :
في العصور القديمة: كانت تسمه " عين ايتام " وقد حرف الاسم إلى لاحقا لعين عطن نسبه إلى قرية عيطام الرومانية .
في الفترة الإسلامية : ذكر الحنبلي " ان سبب تسمية برك المرجيع يعود إلى سيدنا يوسف عليه السلام عندما أخذه إخوته والقوه في الجب مر به على قبر أمه وهو بالقرب من المرجيع فلما ارائهم وهم ذاهبون القى بنفسه عن الناقة وقال يااماه ارفعي راسكي و نظري ماذا احل بولدك من البلاء ، وعندما فقدوه رجعوا ولطموا وحهه وحملوه والقوه في الجب كما هو مشهور في القصة والله اعلم .
الفترة العثمانية : سميت نسبة الى السلطان سليمان القانوني الذي قام بترميمها واصلاح القنوات الواصلة فيها الى القدس .
برك سليمان الثلاثة :
1- البركة السفلى " التحتا " :
وهي أجمل البرك الثلاثة ، تقع شرقي البركة التحتا والمسافة بينهما 45 م تعلو عن سطح البحر 768 م وطولها من الغرب الى الشرق 177 م وعرضها عند طرفها الغربي 86 م تضيق تدريجيا حتى تصل الى شرقا لتصل الى 45 م اما عقها 15 م .
2- البركة الوسطى : شرقي البركة الفوقا والمسافة بينهما 49 م تعلو عن سطح البحر 783 م طولها من الغرب الى الشرق 129 م عرضها عند أطرافها الغربية 70 م وعمقها 12 م .
3- البركة العليا " الفوقا " : وهي البركة الاولى من الغرب تعلو عن سطح البحر 797 م طولها من الغرب الى الشرق 117 م وعرضها عند الطرف الغربي 72 م وعند الطرف الشرقي 70 م وعمقها 8 م .
أنظمة المياه :
لطبيعة الجيولوجيا دور كبير في تخزين المياه الجوفية وتجميعها ضمن أحواض تتوزع على مناطق مختلفة معتمدة في ذالك على طبيعة الصخور المكونة الى تلك البقعة ، ولما كانت الطبيعة المكونة لصخور القدس غير صالحة لهذا الغرض ، اصبحت تعتمد على شكل اساسي على المياه التي تجمع من الامطار المتذبذبة من عام لأخر مما دفع القائمين عليها الى البحث عن بديل اخر يضمن توفر كميات كافية من المياه اللازمة لتغطية حاجة المدين خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار تزايد عدد السكان بشكل مضطرد بسبب الأهمية الدينية للمدينة في العصور المختلفة ، فمن هذا المنطلق وجد البديل في ارطاس وتم بناء برك سليمان لتجميع المياه وارسالها الى القدس ، شيدة عدة قنوات مائية لتنفيذ هذا الغرض ، وبدا هذا المشروع من وادي العروب حيث جمعت المياه في بركة الشط التي شيدها بيلاطس في الفترة الرومانية 35 م ومن ثم جرت المياه ضمن قناة متعرجة الى برك سليمان التي شيد فيها عدة قنوات بالتجاه القدس وهي :
1- قناة هيرودس : امتدت هذه القناة من عين ارطاس الى بركة الحمام في جبل الفرديس وطولها 8كم ، وشيدة في عهد هيرودس 4 – 37 ق- م محفورة في الصخر .
2- قناة بيلاطس " الدنيا " : تمتد من بركة الشط في العروب الى برك المرجيع ثم تمر من ارطاس الى بيت لحم الى صور باهر وتنتهي ببركة ماميلا " مان الله " في القدس وطولها 68 كم ومن المرجيع الى المصب 21 كم ، شيدها بيلاطس الحاكم الروماني 26 – 36 م الى القدس وسمها المسلمون باسم "قناة السبيل " ، وهي محفورة في الصخر .
3- قناة سيفيروس " القناة العليا " : تمتد من برك سليمان الى القدس ، مياهها كانت تجمع في نفق محفور تحت "وادي البيار " عن طريق الجبل ثم تسير نحو البركة العليا وتتجه الى القدس ،وهي قناة رومانيا شيدها الامبراطور " سيفيروس " 193 – 211 م وشيده من الحجارة المثقوبة من الوسط على شكل خرز لتصبح على شكل أنبوبة .
4- قناة الكفار : عند قصر جاسر وقبة رحيل وتنتهي في برك مميلا وطولها 13 كم شيدها الأتراك الإيصال مياه البرك الى القدس وقد بنيت من قطع فخار لتصبح على شكل أنبوبة .
5- قناة قصر الطواحين : تقع في منطقة قصر الطواحين في وادي الطواحين في ارطاس وهناك بقايا قناة من المعتقد انها رومانية .
عيون المياه :
تعود اهيمة ارطاس في الأساس الى وفرة المياه الموجودة في أرضيها ، والتي استغلت منذ فترات تاريخية مختلفة في الري والشرب وفي فترات معينة جرت مياهها الى مدينة القدس عندما أصبحت مركز حضاري مزدهر ولم تعد مصادر المياه في القدس تكفي حاجة السكان وهذا دائما بحاجة الى سلطة مركزية تكون قادرة على تنفيذ مشاريع تسد حاجة المدينة من المياه ، وهذا الشرط تحقق في الفترة الرومانية ، وهذه العيون هي :
العين
|
الموقع
|
مجرى المياه
|
عين صالح
" راس العين "
|
تقع غربي برك سليمان على مسافة 120 م ، وترتفع عن سطح البحر 814 م .
|
سيلان المياه فيها نحو الغرب باتجاه البحر المتوسط والشرق باتجاه البحر الميت ، لها مدخل في داخله 26 درجة تؤدي إلى غرفة مسقوفة بالحجارة اتساعها 12×4,5 م وفي وسطها بركة مربعة وعلى يمينها هناك غرفة صغيرة ينبع منها الماء ويتجه إلى حوض مستدير داخلها ومنها تسير عبر قناة البركة المربعة في الغرفة الأولى ومنها تسيل عبر قناة محفورة في الصخر الى خزان مستدير في الزاوية الجنوبية الغربية من قلعة البرك ، وتلتقي في الزاوية الجنوبية بماء نبع أخر في الزاوية الجنوبية الشرقية للقلعة من الداخل ثم تجري مياه العين في قناة محفورة تحت الأرض ومسقوفة لتظهر ثانيا قناة مكشوفة تصب في البركة الوسطى في الزاوية الشمالية الغربية .
|
عين القلعة
"عين البرج"
|
توجد داخل القلعة عند الزاوية الشرقية وترتفع عن سطح البحر 800 م .
|
تلتقي بمياه عين صالح في الخزان الموجود خارج القلعة في زاويتها الجنوبية الغربية ، ولها قناة أخرى في الشرق تصب ف برك سليمان .
|
عين عطان
"عين ايوب "
|
تقع في خربة عطن حنوب برك سليمان وترتفع عن سطح البحر 760 م .
|
سميت على اسم القرية الرومانية التي كانت تقوم في المكان" Etam" وترتبط مع القنوات التي تحمل المياه الى القدس بواسطة أنابيب جيرية وفخارية تصب في الخزان الموجود اسفل البركة التحتا ، الذي تتجمع فيه ميله ينابيع ارطاس ومياه البرك لتسيل جميعها الى الى القدس .
|
عين الفروجة
|
تقع في البركة التحتا
|
اكتشفت هذه العين في زمن الانتداب اثناء ترميم نظام قنوات تحت البركة التحتا الذي ينقل الماء الى ممر يعرف بعين الفروجة في البركة نفسها ،ووجد ان مياهها تسيل في قناة فخارية طولها 150 م وتخرج عند خربة عيطام .
|
عين البرك
|
توجد في الجدار الشمالي الشرق للبركة التحتا .
|
|
عين ارطاس
النبع المختوم
|
يقع في الجهة الشرقية لجبل مغارة خالد في اسفل الجبل ،"جبل ارطاس " وترتفع عن سطح البحر 676 م .
|
وهي العين الرئيسية وتعتبر من اغزرها ماء ، فيما حولها نواة القرية القديمة وكانت مكان استقطاب سكاني وتروي هذه العين بساتين القرية التي تقع في وادي ارطاس وتستغل ايضا في الشرب وغسيل الامتعة واستغلت في تشغيل طواحين الغلال التي تدار بقوة مياه العين في نهاية واد ارطاس الشرقية ، وجر هيرودس مياهها الى جبل الفرديس .
|
ارسلها: محمود عبدالله محمد ابوصوي