"ميشيل أيوب".. لهذا "المسحّراتي" يُهدي أهالي عكا "الدعاء"!
2005م، في تلك الليلة استيقظ "ميشيل أيوب" متململاً على صوت طبلة "المسحّراتي" الجديد! قال يحدّثُ نفسه :"يا عمي شو هاد؟ والله كنّا نستناكم على الشبابيك دقيقة بدقيقة (..) الله يرحم أيام زمان بس". المشهد لم ينتهِ هنا، لكنّهُ للتوّ بدأ:
حزَم النعاس أمتعته، وغادرَ عين "ميشيل" ليترك أمامه مجالاً "مفتوحاً" للتفكير بكل شيء، وبأي شيء. حتى ولو بشيءٍ يفوق التفكير "بكل شيء"!
- لقد أعطاني الله صوتاً جميلاً، لماذا لا أصبحُ "مسحّراتي"؟
قد تبدو الفكرة أمامك "عادية" عزيزي القارئ، لكنها لن تستمر كذلك إذا أعدتَ قراءة اسم صاحبها من جديد؟ ها..؟ ألم يوحِ اسمه لك بشيء؟ نعم.. إنه مسيحيّ الديانة (مسحّراتي عكّا: ميشيل أيوب)! التفاصيل تتبع:
"ذِكرٌ" في جوف الليل
طلَعَت الشمس على قرية المكر قضاء عكا شمال غرب القدس، وأصبحت الفكرة "قابلةً للتطبيق" الآن! لقد أعطى "ميشيل" نفسه فرصةً للتفكير في تبعاتها خلال "أنقى ساعات الليل"، وقرّر قراراً حاسماً :"سأكون مسحّراتي المدينة".
غادرَ ميشيل بيته قاصداً مدينة "الكرمل" حيث صديقةٌ "درزية" للمرحومة أمه تُدعى "أم فادي" تعمل خيّاطة.
قال لها :"أريدك أن تخيطي لي ملابس مميزة تناسب عمل المسحّراتي"، أما هيَ -ورغم استغرابها طلبه- فقد شرعت تأخذ مقاساته متعهدةً بالتسليم بعد فترةٍ قصيرة! ومنذ ذلك اليوم وحتى تاريخه (أي خلال فترةٍ زمنية تعدل التسع سنوات) يعرف أهالي عكا كلها بقراها وأزقّتها مسحّراتي رمضان "المسيحي" ميشيل أيوب.
يقول لـ"فلسطين" :"في الحقيقة، أنا مستغرب لاستغرابكم!"، وضحِكَ قبل أن يكمل :"في قريتي المكر، لم أشعر طوال حياتي بأي فرق بين المسيحي والمسلم، فكلنا هنا نعبد إلهاً واحداً، وهذا السبب وحده كفيلٌ بأن يصنع كلٌّ منا ما ورد من الحث على الخير في دينه للآخرين أياً كانت ديانتهم".
ولأن أقرب أصدقاء ميشيل "مسلم"، كان لا بد له أن يعيش جوّ الشهر الكريم منذ نعومة أظفاره، وأن يستمع إلى أفضاله على المسلم، ودوره في أن يطهّر الإنسان إن أحسن صيامه وقيامه من أي ذنبٍ ارتكبه خلال حياته. يضيف :"تربطني علاقة طيبة بكثير من المسلمين هنا، وربما يكون هذا ما دفعني إلى خدمتهم على هذا الصعيد"، موضحاً أنه يحفظ الكثير من الآيات القرآنية التي تحث على الصيام وحفظ اللسان وتذكّر بصفات الإيمان والإحسان، وكلّها يقرأها في جوف الليل وهو ينادي بصوته الرّنان أبناء حيّه ليقوموا إلى السحور.
"عملٌ مقدَّسْ"
ولا يتقاضى ميشيل الذي يعمل في الأصل "بنّاءً" أي نقودٍ من أي إنسان على هذا العمل الذي يعدّه "تطوّعاً"، بل ويعرب عن أسفه وحزنه لكلّ من مدّ له يده بأي نقود، فيما يقبل الهدايا العينية فقط ما قبل العيد من باب "أن النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهدية" كما قال حرفياً.
ويلاحق أطفال عكا من المسيحيين والمسلمين على حد سواء ميشيل ابن الـ(37) عاماً، ليرددوا خلف صوته الرّنان "المدائح النبوية"، فيما قد لا يتمكّن هذا المسيحي من الردّ على اتصالات السائلين عن غيابه "حال تأخّر" لهول عددها؛ هذا يريد أن يطمئن على صحته، وذاك يسأل عن سرّ غياب صوته الجميل عن سحور الليلة.
أما ليل ميشيل كـ"مسحراتي" فيبدأ تمام الواحدة مساءً لحظة تناول وجبة "السحور"؛ ويستمر حتى الرابعة والنصف تقريباً؛ ليبدأ يومه الجديد كـ"عامل بناء" يسعى لقوت يومه عند السادسة والنصف:
- فرق الساعتين هنا أستغله في اقتناص راحةٍ هي بالنسبة لي، لا توازي شيئاً أمام راحة البال وسعادتي لأنني أخدم أهلي وإخواني في عكا.
يعقب :"أقدّس عملي هذا، وأشعر بأنني مسئول عن كل المسلمين في حيي بل في كل عكا ما قبل الأذان (..) رائعٌ أن أتمكّن من إيقاظ طفلٍ أو شيخ كي يتناول طعام السحور، وكم أشعر بالحزن عندما أسمع أن أحدهم صام –على جوع- في هذا الحر القائظ"، موضحاً أن قمة السعادة يعيشها إذا ما دعا له الناس أي دعوة خير لقاء صنيعه معهم".
من منطلق أن "الدين لله، وأن أبناء عكا أسرة واحدة"، يبدأ ميشيل نداءاته بـ :"بسم الله ابتدينا وعلى الأنبياء صلينا.. إصحى يا نايم إصحى يا غفلان.. قوم واصحى وسبح الرحمن.. طبلة ع طبلة وقولوا بالأمثال.. أنا مسحراتي وبالبلد جوال.. رمضان كريم"، ليدندن بعدها بما يشبه صوت الحداء منادياً في الناس نصيحة :"إن شئت أن تحيا سليماً.. صن لسانك عن أذى.. لا تذكر به عورة امرئ.. فلكلكم عورات، وللناس ألسن".
فلسطين أون لاين