مجزرة سعسع الأولى
بقلم المحامي جهاد أبو ريا
بداية شباط 1948, التقى قائد البالماح يجآل الون ومعه مولا كوهين, في كيبوتس اييلت هشاحر( قرية نجمة الصبح المهجرة ) مع قائد الكتيبة الثالثة في البالماح موشيه كيلمان, واخبراه ان القيادة العليا قررت تنفيذ مجزرة في الشمال, وانه تم اختياره لتنفيذ هذه المجزرة في قرية سعسع.
حاول كيلمان إقناعهم أن تنفيذ مثل هذه العملية في قرية تبعد عن معسكر العصابات الصهيونية في جبل كنعان نحو 20 كم يشكل خطرا كبيرا على المشاركين في المجزرة, واقترح أن يتم التنفيذ في قرية عين زيتون او قديتا القريبتين.
لكن يجآل الون أصر أن تكون المجزرة في قرية سعسع .
ادعى كيلمان انه لا يعرف المنطقة جيدا وهذا يشكل خطرا على القوة التي ستنفذ المجزرة, فكان اقتراح الون أن يقوم كيلمان بالتعرف على المنطقة والقرية من خلال جولة في طيارة " اوستر", ومن اجل ذلك انتقل كيلمان الى سدي دوف ( بجانب تل ابيب ) ومن هناك ركب الطائرة, وبعد أن وصلت الطائرة منطقة المنشية قام المجاهدون بإطلاق النار عليها من مسجد حسن بيك لكنهم لم ينجحوا بإسقاطها.
بعد وصول الطائرة فوق القرية ظن السكان أنها طائرة بريطانية, فقام أطفال القرية بالإشارة للطائرة بالتحية, ولم يتخيل لهم أن ركاب الطائرة يتحضرون لتنفيذ مجزرة في القرية وتفجير البيوت فوق رؤوسهم وهم نيام.
كانت الأوامر التي تلقاها كيلمان تفخيخ عشرين بيتا من بيوت قرية سعسع وتفجيرها, في ساعات الليل والناس نيام, وقتل اكبر عدد ممكن من سكان القرية.
بدأت العملية بتاريخ 14/2/1948 الساعة الخامسة مساءا من مركز العصابات الصهيونية في جبل كنعان, قاد العملية موشي كيلمان مع نائبه مئير درزنر, وشارك بها 65 ارهابيا من عصابة البالماح, تقدم المجموعة ثلاثة من قصاصي الأثر من سكان صفد اليهود, الذين يعرفون المنطقة, ويدعون افيشاي شمول, زئيف كوهين ورفائيل درعي.
وصلت المجموعة الإرهابية إلى مستوطنة " عين زيتيم ", القريبة من قرية عين زيتون, والتقت مع قوة الإنقاذ بقيادة يوسف حوطر يشاي, وبعد إجراء الترتيبات الأخيرة انطلقت المجموعة الساعة السابعة مساءا باتجاه قرية سعسع.
وصلت المجموعة الإرهابية مداخل قرية سعسع الساعة 11:00 ليلا, ساعة واحدة قبل الموعد المحدد. قبل البدء بالعملية استراح المشاركون بجانب القرية وقاموا بشرب "الكونياك " وأكل الشوكلاتة, ومن ثم توجهوا للبدء بالعملية.
كان الطقس باردا جدا والناس نيام في بيوتهم, شعر احد السكان بوجود غرباء بالقرب من القرية فصاح " مين هذا؟ ", فتم إطلاق النار عليه وإعدامه, وكانت تلك إشارة لبدء عملية تفخيخ البيوت.
قامت المجموعة الإرهابية بتفخيخ عشرين بيتا من بيوت القرية, والصقوا المتفجرات بجدران البيوت دون أن يشعر الناس النيام بهم, وبعد ذلك قاموا بتفجير البيوت على السكان النائمين, وبعدها قاموا بإطلاق النار على البيوت بشكل قوي جدا. استمرت العملية 8 دقائق فقط, وخلال العملية أطلق احد أعضاء العصابة النار بالخطأ على احد المشاركين في المجزرة ويدعى "موشيه دويتش" وأصابه بجروح. كذلك أصيب بجروح مشارك آخر في المجزرة ويدعى " شموئيل ليفشيتس " نتيجة لإصابته بحجر من تفجير احد البيوت.
صبيحة 15/2/1948 وبعد تنفيذ العملية وصل المشاركون الى "عين زيتيم", حينها وصل الى المكان جنود من الجيش البريطاني الذين سألوا عن سبب اصابة دويتش وليفشيتس, فأجاب كيلمان أنهم تعرضوا الى هجوم من قرية دلاتة المجاورة, لم يصدق الجنود البريطانيون هذا الكلام, ورغم ذلك قاموا بنقل الجرحى إلى مستشفى صفد اليهودي لتلقي العلاج.
بعد يومين التقى موشيه كيلمان مع مجموعة من الجنود البريطانيين في مقهى في " روش بينا" , يقول كيلمان أن الضابط البريطاني توجه إليه قائلا: " أنا اعرف أنكم كنتم أول البارحة في سعسع, ومن المؤكد أن عندك فضول لمعرفة ما حدث هناك, اعرف ان نحو ستين شخصا قد قتلوا, وخمسة عشر جرحوا, كجندي لجندي تستحقون التحية, قمتم بعمل رائع, لكن مقري في شرطة جبل كنعان, ومنطقة نفوذي تنتهي بشارع الصفصاف – جبل كنعان. لذلك اعمل معروفا: عملياتكم نفذوها خارج منطقتي ونبقى أصدقاء"
تختلف الروايات حول عدد شهداء مجزرة سعسع الأولى, بحسب رواية الجيش البريطاني فإن عدد شهداء القرية كان نحو 60 شهيدا، وذكرت روايات أخرى أن العدد زاد عن ال 100 شهيدا , بينما تحدثت أخرى أن عدد الشهداء كان 11 شهيدا من بينهم 5 أطفال.
رحم الله شهداء مجزرة سعسع وشهداء فلسطين