جديدنا: وثيقة - مركز الوثائق الفلسطيني
في بيت صغير متواضع في خان العمدان بالبلدة القديمة من مدينة عكا، حيث المكان ما زال شاهدًا على عروبة الزمان والمكان والتاريخ، تعيش المواطنة جميلة سعدي مع عائلتها في المنزل الذي ولدت فيه وورثته عن والدها منذ أكثر من ستة عقود، وبقي كذلك إلى أن وجدت مؤخرًا ورقة ملقاة بالقرب من باب المنزل، موقع باسم مؤسسة إسرائيلية تابعة للحكومة الإسرائيلية، تطلب منها إخلاء المنزل في أقرب وقت وإلا ستتعرض للمحاكمة والغرامات والاعتقال. نكبة جديدة تقول المواطنة سعدي، وبيدها أمر الإخلاء الإسرائيلي، هذا المنزل بني قبل قيام الدولة العبرية، وأنا ورثته عن والدي، ومعي مستندات يعود تاريخها إلى أكثر من 60 سنة تثبت ملكيتي للمنزل، فكيف أصبح المنزل ملكًا لهم. وأضافت "وجدت أمر الإخلاء على عتبة البيت. هذه السياسة تهدف إلى تهويد البلدة القديمة وإخلاء سكانها الفلسطينيين"، وتتابع حديثها بإصرار "لن يستطيعوا إخراجنا من منزل أبي أحياء وعليهم قتلنا إن أرادوا إخلاء هذه البيوت". ويحذر ناشطون فلسطينيون من أن "نكبة" جديدة تتهدد مدينة عكا الساحلية، والتي أعلنتها مؤخرا منظمة "اليونسكو" الدولية كواحدة من مدن التراث العالمي، لما تحتويه من آثار تاريخية أغلبها إسلامية، وذلك بعد الإنذارات التي وجهتها سلطات الاحتلال لأحدى عشرة عائلة فلسطينية تسكن في خان العمدان التاريخي في البلدة القديمة في عكا، بإخلاء منازلها، تزامنا مع تصاعد الهجمات التي يشنها متطرفون يهود ضد ممتلكات من تبقوا من الفلسطينيين في المدينة التاريخية. حملة تهويد شاملة ويؤكدون أن المدينة تشهد حملة إسرائيلية شاملة لتهويدها وتهجير سكان البلدة القديمة ممن بقي من الفلسطينيين، وتغيير معالمها العربية والإسلامية من خلال بيع أملاك الفلسطينيين ذات الطابع العربي والإسلامي لمستثمرين يهود، لهدمها وبناء مجمعات تجارية وسياحية على الطراز الغربي، كان آخرها إنذارات لسكان فلسطينيين يقيمون في خان العمدان، الذي بناه والي عكا الشهير أحمد باشا الجزار، سنة 1785، بإخلاء منازلهم. وفي هذا الإطار؛ يؤكد عضو بلدية عكا أحمد عودة أن أحدى عشرة عائلة عربية في منطقة خان العمدان وسط مدينة عكا القديمة، تسلمت مؤخرًا أوامر إخلاء وزعتها شركة الإسكان الشعبي الإسرائيلية "عميدار"، التي استولت على هذه المنازل بحجة أنها "أملاك غائبين". وأوضح عودة في تصريحات خاصة، أن ما يجري في خان العمدان "جزء من مؤامرة كبرى تستهدف وجودنا كعرب في عكا، حيث أنه وبحجة الخطر وسلامة السكان، تقوم "عميدار" وبمؤازرة مؤسسات حكومية بالعمل على انتزاع ملكية السكان ضمن مخطط جهنمي يقضي بتهويد المدينة القديمة واقتلاع العرب. وتابع قائلاً "يتعاملون معنا كغائبين، ونحن لسنا بغائبين، وموجودون ونسكن في المدينة قبل قيام الدولة ولم نغادرها، وهناك دائرة للوقف الإسلامي من حقها أن تدير أملاك مسلمي المدينة، لكن القضية أكبر مما يتصورها البعض". وأشار عودة إلى أن "هنالك محاولة ترحيل وتضييق على عرب عكا من قبل البلدية، والمؤسسة الإسرائيلية ممثلة بعدة شركات حكومية مثل شركة عميدار، وشركة تطوير عكا والتي تقوم ببيع العقارات في عكا إلى مستثمرين يهود". وتابع قائلاً: "نحن مُصرون على البقاء في هذه العقارات، فما يجري في خان العمدان هو أمر من شركة "عميدار"، التي تطلب إخلاء أحد عشر منزلاً بحجة "الخطر على السكان"، لأنهم يريدون أن يسهلوا الطريق على المستثمر الذي ربح المناقصة ببناء فندق بدل هذه البيوت، ناهيك عن رفض بيع هذا الخان الذي هو أثر تاريخي معماري، يجب أن يبقى ملكا لأهالي المدينة وللسياحة، وهو كذلك وقف إسلامي". وقال خالد أبو ثائر، الذي تلقى أمر إخلاء منزله، "يريدون إخلاءنا الآن بحجة صيانة البناية، مع أن هذه البنايات تمت صيانتها ست مرات، وفي كل مرة نقوم بدفع جزء لا يستهان به من عمليات الصيانة، لكن تبين لنا لاحقاً أنهم يريدون منا الإخلاء بسبب ذلك المستثمر اليهودي الذي أراد أن يبني مكان الخان فندقا، وأحد شروطه أن يحصل على البنايات التي تحيط بخان العمدان". استهداف الجيل الثالث ويستعرض فخري البشتاوي، مسؤول "اللجنة الشعبية العكية لمناهضة العنصرية"، "جذور المؤامرة" ضد عكا، انطلاقا مما يسمى بـ "أملاك الغائب"، ويقول: سيطرت ما يسمى بـ "دائرة أراضي إسرائيل" على كل أملاك اللاجئين الفلسطينيين بعد العام 1948، حيث وضعتها ضمن مسؤولية "الوصي على أملاك الغائبين"، وأسّست شركة "عميدار" الحكومية لإدارة هذه الأملاك، وصاغت قوانين "سلطة التطوير" التي تشبه لحد معين منظومة قوانين "المساكن الشعبية". ويتابع: "استخدمت "دائرة أراضي إسرائيل" قوانين المسكن لتهجير الناس من بيوتهم خلال عشرات السنين في عكا وباقي المدن التاريخية، من خلال منعهم من ترميم بيوتهم لسنوات طويلة ودفعهم لشراء شقق سكنية في قرية المكر والقرى العربية المجاورة والتي بنيت خصيصاً لاستيعابهم. ويوضح البشتاوي أن إحدى آليات التهجير في قوانين "سلطة التطوير" هي منع السكان من نقل حقوقهم على البيت لأكثر من جيلين متتالين (أي منع الجيل الثالث من الاستمرار بالسكن في البيت نفسه)، وفرض تكاليف باهظة للترميمات الخاصة التي تفرضها على السكان، وإصدار أوامر إخلاء. 240 بيتًا مغلقًا وأشار إلى أنه في عكا هنالك أكثر من 240 بيتًا مغلقًا، وهنالك 160 أمر إخلاء مجمّد، كما أنّه قد تم شراء عشرات البيوت في السنتين الأخيرتين من قبل رؤوس أموال يهودية بمبالغ طائلة، ويستمر عمل العديد من السماسرة لإقناع الناس ببيع بيوتهم مقابل مبالغ مالية كبيرة. ولفت الأنظار إلى أن 40 في المائة من مباني وأراضي عكا القديمة هي "أملاك وقفية"، ومن هذه الأوقاف الخانات والبرج والسوق الأبيض والسوق العتم والمخازن والدكاكين في السوق العمومي، وفي شارع صلاح الدين وساحة اللومان المسمى اليوم بـ"كيكار فرحي". وأضاف أن آخر صفقة كانت هي بيع خان العمدان، والذي يعد من أكبر وأهمّ خانات المدينة وأقربها للميناء، لرجل أعمال يهودي بريطاني، بمبلغ يزيد عن 12 مليون شيكل. وأوضح بشتاوي أن "تضييق الخناق على الأحياء العربية في عكا ليس وليد الصدفة، فهو يحاصر العكاويون منذ النكبة، ولكن اليوم تشهد مدينة عكا تطبيق وتنفيذ مشروع استيطاني كبير، ويتمثل في قيام المؤسسات الإسرائيلية المختلفة باقتناء المنازل العربية في عكا، وذلك بهدف التهويد". وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل وفق سياسة إفقاد مدينة الأسوار هويتها العربية والفلسطينية، وإحكام سيطرة المستوطنين عليها وطرد من تبقى من السكان الأصليين من منازلهم. لن نخرج إلا جثثا ويقول هاني أسدي، وهو رئيس لجنة تجار المدينة سابقًا، "أنا صاحب مخزن ورثته عن جدي بعد أن اشتراه منذ أكثر من نصف قرن، إلا أن الشركة تدعي أنه قام "باحتلاله"! واليوم يطالبوني بإخلائه بحجة خطر داهم ونحن نرفض الخروج من محلاتنا وبيوتنا إلا على جثثنا". وشدد أسدي على أن محاولات تهويد عكا القديمة، ستنكسر كما ينكسر الموج على أسوار هذه المدينة التي قهرت نابليون وردت غيره من الغزاة، على حد تعبيره.
المصدر: فلسطينيو 48