شهادات: حين تتكلم المدينة عن نفسها * فوز الدين البسومي
صديق صاحبنا المحرر الرياضي غازي شيحا فاجأه بان اهدى له كتابا قال عنه وهو يكاد يبكي: بقدر ما قرأت كتباً عن المدن الفلسطينية الا ان هذا الكتاب «الرملة تتكلم» كان اكثرها تأثيرهاً في نفسي، فالكتاب يعتبر وثيقة تاريخية يأتي في نطاق «حتى لا ننسى» و«قبل ان ننسى» ولعلك لم تقرأه او تطلع عليه.. وفي غمرة حماس غازي شيحا في تقديمه الكتاب فان صاحبنا لم يشأ ان يكون مهزوماً امام غازي كما لم يشأ ان يكون جوابه بمثابة احباط للرجل المتباهي بانه قرأ الكتاب وها هو يقدمه طواعية لصاحبنا اذ ان صاحبنا سبق له وان قرأه في جلسة واحدة وكان ذلك في يوم كانت فيه الثلوج تتساقط على شوارع الشميساني عام 1991 حين انقطعت السبل بصاحبنا فلجأ الى مكتبة شومان يقضي فيها بعض الوقت انتظاراً لمن يقله الى منزله في ضاحية الحسين ، وفي المكتبة تناول كتاباً يراه لاول مرة يحمل عنوان «الرملة تتكلم» لمؤلفه وليد راغب الخالدي وكان من عادة صاحبنا ان ينهي شهاداته بان يضع رأسه بين راحتيه ويبكي.. لكنه رأى نفسه يبكي مع قراءة كل سطر من اسطر الكتاب الذي تضمن شهادات عن الرملة بأقلام العديد من ابنائها وبعض الشخصيات التي عملت فيها او تواجدت فيها ، فالكتاب وعلى غير عادة الكتب ترك مؤلف الكتاب لمن أثروا الكتاب بشهاداتهم ان يسطروا فيه عن حياتهم الجميلة التي عاشوها في الرملة ابان ازدهارها وقبل سقوطها.. لذلك كان في طليعة من سطروا صفحات هذا الكتاب الوثائقي المجاهد داود الطحلة وغالب التاجي والاديب عبدالحميد الانشاصي وحسن الكرمي ونعيم عبدالهادي وراضي عبدالهادي وعبدالكريم الكيالي واسماعيل النحاس وصادق الشرع بصفته مديراً لمعسكر صرفند ود. يعقوب ابو غوش ود. يوسف الصايغ وسعاد علاء الدين ود. راسم الخيري وخليل زبانة ود. صبحي حمادة ود. وهبي الجبجي وكمال حبوب وسليمان مقبل ونظيف الخيري واحمد الجمال وعادل التاجي وسمية نظيف الخيري ومليحة الخيري وغيرهم. وكل تحدث عن المجال الذي عاش فيه او عاشت اسرته فيه فجاء الكتاب اشبه ما يكون بالوثيقة مسجلا ذكريات ووقائع سيعز تذكرها اذا ما غاب هؤلاء عن مسرح الحياة ، وقد اثبت من كتبوا في هذا الكتاب ان حربنا مع اليهود وبالتالي مع الصهاينة انها حرب ذاكرة.. وهي ذاكرة تدحض اقاويل وافتراءات اليهود ومن لف لفهم وتثبت ان الشعب اليهودي شعب طارىء ومستغل ولا هوية له ، وان الاخرين حين ازعجهم تواجد الجاليات اليهودية في اوروبا قد اطلقوا لهم وعد بلفور ومعسكرات هتلر والمحرقة التي لا اساس لها الا في خيالاتهم المريضة وسهلوا لهم وسيلة الهجرة الى فلسطين ومكنوا قوافل المهاجرين منهم الوصول الى ما يسمى بارض الميعاد وان يستوطنوا فيها بل ويستعمروها ، بدليل ان الفلسطينيين كانوا يطلقون على مستوطنات اليهود قبل نكبة 1948 بالمستعمرات ، وهي تسمية الغاها اليهود بمجرد ان اقاموا ما يسمى بالكيان على مساحة كبيرة من ارض فلسطين ، وبعد ان شردوا شعب فلسطين الاساسي وحلّوا محله في مدنه وقراه وبياراته فيما ابناء فلسطين تتلقفهم الموانىء البعيدة وتتقاذفهم الارض المقفرة والمحطات المهجورة والخيام التي تلوحها الثلوج والامطار والزوابع.
ان كتاب الرملة تتكلم الذي الفه شاب مقدسي لم يكن عمره يوم الفه يتجاوز العقد الثالث هو ابن عائلة مقدسية عريقة.. وقد اثبت هذا الشاب بوضعه هذا الكتاب انه يدرك تماما معنى ان يقدم الكاتب الوثيقة للقراء بطريقة مقنعة وهي ما نحتاج اليها في مراجعاتنا وكتاباتنا بدليل ان من يقرأ الكتاب يحس ان مدينة الرملة بأشخاصها ومبانيها وشوارعها تنتصب امامه تحدثه عن نفسها فلا يملك الا ان يفعل كما فعل صاحبنا حين وضع رأسه بين راحتيه وراح يبكي ، فتحية الى مؤلف الكتاب وليد راغب الخالدي على حسن ما ألف وما فكر والى من اهدى الكتاب لصاحبنا الزميل غازي شيحا.