عن رحيلها في المرحلة الثانية حدثتنا أم يعقوب: " أنا وجوزي وبنتي ابتهاج من الناس اللي بقينا بإقرث بعد الرحيل الأول. بقينا بالبلد حوالي 60 شخص. أنا ما كان بديّ أبقى بإقرث. نزّلت شوية أواعي عشان أروح ع الرامة والحق أهلي، كنت صغيرة وبدي أبقى مع أهلي. بس جوزي قال لي خليك بإقرث.
عشنا حياة تقريباً طبيعية من تشرين أول لأيار 1949. كنت أظلّني كل الوقت حاملة بنتي، وكانت حدّي ساكنة إمرأة موسى الخليل مع بنتها وكنا نزور بعضنا. ما فش حدا يعني، البلد فاضية، كنت أفوت ع البلد وشعر راسي يوقّف من الخوف لإنها فاضية. صارت الناس تشتغل بأرضها وتزرع ذرة مكان الدخان، لإنه الذرة البيضاء بدها أقلّ عناية ووقت مثل الدخان. الجيش شاف العائلات وما تعدّى على حدا.
بذكر كيف كانت الناس من القرى حوالينا تيجي وتسرق كبوش الدخّان والقمح من بلدنا، كانوا ييجوا الحرامية من فسوطة ومن لبنان. مرة طلعت أختي كوكب، وشافت الحرامي حامل جاروشة بده يسرقها، صرّخت عليه وقالت له حُطّها حُطّها لوين حاملها؟ مش عيب عليك توخدها؟. جوزي وحنّا توما كانوا يجيبوا فشك طقّيع ويرموه بين إجرين الحرامية وهدوك يخافوا وينهزموا (تضحك).
بعدين صارت أهل إقرث ترجع شوي شوي ع البلد وخاصة إنه الجيش ما وفى بوعده. كثرت الناس وساعتها أجا الجيش وقرر إنه يرحلنا كلنا. جابوا تْرَك ووقّفوه على الشارع تحت. الناس جمّعت أواعيها حتى تحملها بس الجيش ما رضي. الحاجّة فهدة، طلبت من الجيش توخذ صابون الزيت اللي أطلعته من البيت، وإمرأة حبيب الشبلي، مسكينة، طلبت توخذ ذهباتها، بتقلّهُن للجيش بس أعطوني هالسُرَّة، وما أعطوها. التْرك وصّلنا على أول كوربة بالرامة، يومها كان معنا عجايز وختياريّة ما بقدروا يمشوا. أجا علينا سليمان سبيت من بلدنا وصار يحمل على ظهره واحد واحد وينزّله على الرامة لتحت. لما لاقيت أهلي رحت أنا وبنتي وجوزي وقعدنا عندهم.
سكنا بالرامة كم شهر، اشتغلنا بالزيتون، وبعدها جوزي لاقى شغل بمعليا مع أخوه ونقلنا سكنا هناك بالإيجار، حاولنا نشتري أرض بمعليا بس أهل البلد ما أعطونا، ساعتها اشترينا أرض بكفرياسيف ونقلنا عليها".