تقول أم راضي: " صار الجيش يروح وييجي علينا. وبيوم من أيام الصلاة، بتشرين ثاني، صحينا الصبح وشفنا البلد والبيادر مليانة جيش يارات. قرر الجيش إنه يرحّل أهل البلد ع الرامة لأسبوعين بادعاء إنه بدّه يأمن المنطقة من المقاومة وبعدها برجّع الناس. الناس تركت كل شي ببيوتها وعلى البيادر. والجيش جاب اوتومبيلات، حطوا الناس فيها وأخذوهم ع الرامة. واتفق مع أهل البلد إنه تبقى فيها بعض العائلات والخوري بهدف حمايتها وحراستها من الحرامية لحد ما ترجع الناس ع بيوتها.
لما طلعنا كنت حبلى بابني راضي. قسم من العائلات راحت ع فسوطة، وقسم على معليا، بس الأغلب رحلوا على الرامة.
احنا رحنا على الرامة لشهرين تقريبا. كان صعب كثير، هاي مش بلادنا، ما منعرف إشي. الشباب صارت تفلّ ع حيفا تدوّر ع شغل، والختيارية والرجال والنسوان والأولاد تشتغل بالزيتون مع أهل الرامة. أهل الرامة عاملونا مش عاطل، يخلف عليهم، تعالي حطي بلد على بلد مش سهلة، استعملنا لهم ميّتهم وأرضهم. اللاجئين أجت على الرامة معها فرشها ودوابها، واللي عنده مكان من أهل الرامة كان يعطي للعائلات ودوابها تسكن فيها. كنا نسكن كل ثلاث أو أربع عائلات بغرفة، في ناس سكّنوها بمدرسة مار جريس. الصليب الأحمر صار يعطينا إعاشة على عدد أفراد العائلة.
بعد بكام شهر جوزي لاقى شغل في موشاف يعره (قرية يهودية بنيت عام 1950 على يد يهود قادمين من أفريقيا وأيضا بدو عرب من الجليل، هذه القرية بنيت على أراضي عرب السمنية/ خربة الصوانة التي صودرت عام 1948). بيعره كان في معسكر للجيش الإنجليزي وبعدين صار معسكر إسرائيلي. أيام الإنجليز كان جوزي يتشغل كوّا، كان يغسل ويكوي أواعي الإنجليز وبعد الاحتلال قال له الجيش خلّيك هون وبنعطيك أكل وميّ، جوزي وافق واشتغل كوّا للجيش الإسرائيلي، ونقلنا نعيش بيعره. عارف خياط ولطف أشقر من إقرث، كانوا هم كمان مكوجيّة أيام الإنجليز وجوزي دبّر لهم شغل معه بالمعسكر ونقلوا هم كمان على يعره.
اليهود بيعره طلبوا إنا نعلّمهم كيف يزرعوا دخان، علّمناهم، وصرنا أنا وماضي وعارف وزوجته نروح معهم ع زرع الدخان ونتشارك بالربح. بس صراحة بطلعش بإيدهم، هاي مش شغلتهم، وما بفهموا فيها. إحنا حملنا همّ الزرع وكلّه. بعدين حاولوا يزرعوا عنب وأجاص، زرعوا كروم بس كمان ما قاموا بواجبها كيف لازم لإنهم بفهموش بالزراعة.
لما مات عارف انتقلت مرته على الرامة، وظلينا أنا وجوزي. بحرب لبنان 2006 أجت قذيفة على بيتنا بيعره وانقتل جوزي. بعدها أنا نقلت أسكن بكفرياسيف. حياتنا بيعره مع اليهود كانت عادية وكنا أصحاب. كنا عايشين باحترام معهم وابني هو أول ولد عربي بروح على حضانة يهودية. مرّة أجت الجانينت (الحاضنة) وكل أولاد الحضانة حتى يزوروا ابني بالبيت لما خلّفت ابني الثاني وانبسطوا كثير. أنا كنت أساعدهم بالطبيخ.
وعن رحيله الى الرامة حدثنا أبو زياد: " بعد فترة قالوا لنا اليهود ممنوع تبقوا بإقرث، يا بترحلوا على الرامة أو بتروحوا على لبنان. أنا طلعت مع البقرات من بلدنا لفسوطة، ومنها لجسر الحبيس غربيّ حرفيش، بعدها لسحماتا وللبقيعة. بالبقيعة شرّبت البقر، ارتحنا وكملنا طريقنا على الرامة. بالرامة كان في كثير مسيحية رحلوا من البلد وبيوتهم فاضية، وكان في أولاد حلال دروز دلونا على البيوت الفاضية. إحنا سكنّا ببيت فيه حوش كبير حتى يعيش فيه البقر كمان. هذا البيت كان لفوزي إبراهيم الناصر، هجر على سوريا، بذكر كان بالبيت صورة لرجل مع شوارب، وكان في سدّة كمان. بعدها جابولنا عائلة من فراضية (قرية جليلية مهجرّة) سكنوا معنا. قسم سكن بالتبّان (مخزن للتبن) وقسم على السدّة (نصف طبقة داخل البيت، يصعدون اليها بالسلم، وينام بها عادة الضيوف).
الجيش الإسرائيلي طلب من الدروز إنهم يحطوا دائرة خضراء على أبواب بيوتهم، حتى إذا دخل يقدر يعرف بيت الدرزي من بيت المهجّر، ويرحلوا المهجّرين. بذكر واحد درزي اسمه علي قفورة (أبو محمد) أخذ علبة دهان وحطّ على كل بيوت المسيحية دوائر خضرا وهيك إحنا ظلينا بالبلاد. بقينا بالرامة لسنة 1988 ومن بعدها انتقلت أنا وعائلتي للعيش في حيفا".
المصدر: موقع ذاكرات